اتفاق التحكيم / تعيين محل النزاع الذي يخضع للتحكيم / الكتب / التحكيم الدولي في تسوية المنازعات التجارية / دور المنازعة وفكرتها في تحديد طبيعة العمل الصادر من هيئة التحكيم:
دور المنازعة وفكرتها في تحديد طبيعة العمل الصادر من هيئة التحكيم:
النظر إلى نظام التحكيم كوسيلة للفصل في المنازعات المحتملة وغير المحددة أو القائمة بالفعل بين الأطراف المحتكمين من الأفراد والجماعات بموجبه تحل هيئة التحكيم- وتتشكل من أفراد عاديين أو هيئات غير قضائية- محل القضاء العام في الدولة صاحب الولاية العامة والاختصاص بالفصل في جميع المنازعات وأيا كان موضوعها إلا ما استثني بنص قانوني وضعي خاص في الفصل في النزاع موضوع الاتفاق على التحكيم، شرطًا كان أم مشارطة، فإننا نرى أنه يجب أن يكون المحرك الرئيس في التعرف على نظام التحكيم هو تغليب المعايير الموضوعية أو المادية Critiers matrials أي تغليب المهمة التي يعهد بها إلى هيئة التحكيم المكلفة بالفصل في النزاع موضوع الاتفاق على التحكيم والغرض من هذا النظام ليس مجرد الوقوف عند معايير شكلية Critiers formels أو موضوعية Organique منبتها الحقيقي ادعاء احتكار الدولة الحديثة لإقامة العدالة بين الأفراد والجماعات عن طريق أعوان لها يسمون والقضاة Juges.
وبعض الأنظمة القانونية الوضعية قد اعترفت لبعض موظفيها العاديين بممارسة الوظيفة القضائية في بعض المنازعات مثل لجان تقدير الضرائب في القانون المصري واللجان الإدارية ذات الاختصاص القضائي في القانون السعودي والتي تمارس القضاء في الغالب الأهم في المنازعات خارج القضاء الرسمي.
ففكرة المنازعة Litige وكيفية الفصل فيها هي التي يجب أن تحدد طبيعة العمل الذي تقوم به هيئة التحكيم المكلفة بالفصل في النزاع موضوع الاتفاق على التحكيم باعتبارها قاضيًا خاصًا يختارها الأطراف المحتكمون لتقول الحق أو حكم القانون الوضعي بينهم.
فهيئة التحكيم المكلفة بالفصل في النزاع موضوع الاتفاق على التحكيم وإن كانت تتشكل من أفراد عاديين أو هيئات غير قضائية إلا أنها تملك سلطة القضاء التي يملكها القضاة المعينون من قبل الدولة بخصوص النزاع المعروض على التحكيم الفصل فيه دون المحكمة المختصة.
ذلك أن إقامة العدالة بين الأفراد والجماعات داخل الدولة الحديثة ليس حكرًا على الدولة الحديثة وحدها فإذا كان صحيحًا أن إقامة العدل بين الأفراد والجماعات- باعتبارها وسيلة ضرورية لهيمنة السلام بينهم- هي وظيفة حيوية من وظائف الدولة الحديثة إلا أن هذا العمل لا يعتبر على وجه الإطلاق احتكارًا لها إذ يستطيع الأفراد والجماعات -عن طريق اتفاق بينهم- أن يختاروا هيئة تحكيم مشكلة من أفراد عالمين أو هيئات غير قضائية للفصل فيما نشب بينهم من منازعات ومن هنا ينبغي عدم الخلط بين القاعدة القانونية الملزمة وكيفية تنفيذها.
والعلة من تحديد محل التحكيم لحظة إبرام الاتفاق على التحكيم والمراد الفصل فيه عن طريق هيئة تحكيم تتشكل من أفراد عاديين أو هيئات غير قضائية هو الرغبة في ألا ينزل الأطراف المحتكمون عن ولاية القضاء العام في الدولة إلا في نزاع.
فيجب بيان موضوع النزاع المحدد في مشارطة التحكيم أو على الأقل أثناء المرافعة أمام هيئة التحكيم المكلفة بالفصل فيه.
إذا كان الاتفاق على التحكيم في صورة مشارطة تحكيم فإنه يجب بيان موضوع النزاع المحدد والقائم بالفعل بين الأطراف المحتكمين في مشارطة التحكيم أو على الأقل في أثناء المرافعة أمام هيئة التحكيم المكلفة بالفصل فيه حتى يكون النزاع محددًا وحكم التحكيم الصادر فيه شاملًا له دون غيره فينشأ بذلك التحديد استعمال الحق المخول في القانون الوضعي وهو طلب بطلان حكم التحكيم الصادر فيه.
ذلك أنه إذا كانت ولاية هيئة التحكيم المكلفة بالفصل في النزاع موضوع الاتفاق على التحكيم- شرطًا كان أم مشارطة- إنما تكون قاصرة على النزاع المحدد في الاتفاق على التحكيم- دون غيره- فإن هيئة التحكيم المكلفة بالفصل فيه يجب عليها أن تلتزم بحدود تلك الولاية الاستثنائية لنظام التحكيم. فإن خرجت عليها كان حكم التحكيم الصادر منها عندئذ باطلًا إعمالا لنصوص القوانين محل الدراسة لأنها فصلت في النزاع موضوع الاتفاق على التحكيم دون أن تلتزم بحدود المهمة .
فتحديد النزاع لحظة إبرام الاتفاق على التحكيم والمراد الفصل فيه عن طريق هيئة تحكيم هو مقتضى الرغبة في أن لا ينزل الأطراف المحتكمون عن ولاية القضاء العام في الدولة إلا في نزاع محدد والسماح للقاضي العام في الدولة المرفوع إليه الطعن باستئناف حكم التحكيم الصادر في النزاع موضوع الاتفاق – في الأنظمة القانونية التي تجيز الطعن باستئناف حكم التحكيم – أو الدعوى الأصلية المبتدئة المرفوعة بطلب بطلان حكم التحكيم الصادر في النزاع كموضوع الاتفاق على التحكيم؛ بتقدير ما إذا كانت هيئة التحكيم المكلفة بالفصل في النزاع موضوع الاتفاق قد التزمت بحدود المهمة التحكيمية التي عهد بها إليها من قبل أطراف التحكيم من عدمه فقد ترى المحكمة المرفوع إليها الطعن باستئناف حكم التحكيم أو الدعوى القضائية الأصلية المبتدئة المرفوعة بطلب بطلان حكم التحكيم الصادر في النزاع موضوع الاتفاق على التحكيم إن هيئة التحكيم التي كلفت بالفصل في النزاع قد فصلت في ما لم يطلبه منها الأطراف المحتكمون أو أنها قد حكمت بأكثر مما طلبه منها الأطراف.
وتحديد النزاع موضوع الاتفاق على التحكيم يكون أمرًا لازمًا، ولو كانت هيئة التحكيم المكلفة بالفصل في النزاع موضوع الاتفاق قد عهد إليها بمهمة التحكيم مع تفويضها بالصلح بين الأطراف المحتكمين فذلك لا يعفيها من احترام موضوع النزاع المراد الفصل فيه عن طريق هيئة التحكيم كما حدده الأطراف المحتكمون في الاتفاق على التحكيم.
وتطبيقًا لذلك فقد قضت محكمة استئناف باريس بأنه "يتضح من أنه المادة (١٠٠٦) من مجموعة المرافعات الفرنسية السابقة أن موضوع النزاع المطروح على هيئة التحكيم المكلفة بالفصل في النزاع موضوع الاتفاق على التحكيم يجب أن يكون محددًا بدقة في مشارملة التحكيم وتقتصر سلطة هيئة التحكيم المكلفة بالفصل في النزاع موضوع الاتفاق على التحكيم على الفصل في المنازعة الواردة في تلك المشارطة، ومن ثم لا يمكنها الأصل في منازعات لاحقة أو تالية حتى ولو كان من المحتل وقوعها ، طالما أنها لم تكن محلًا للاتفاق الصريح بين الأطرافالمحتكمين، ولكن الجائز للأطراف المحتكمين الاتفاق على منح هيئة التحكيم المكلفة بالفصل في النزاع موضوع الاتفاق على التحكيم سلطة الفصل في الطلبات الإضافية؛ وهذا الاتفاق يشكل من جانبهم مشارطة تحكيم جديدة.
كما قضت محكمة النقض المصرية بان" التحكيم طريقًا استثنائيًا لفض الخصومات قوامه الخروج على طريق التقاضي العادية وما تكفله من ضمانات؛ ومن ثم فهو يكون مقصورًا حتمًا على ما تنصرف إرادة المحتكمين إلى عرضه على هيئة التحكيم ويجب أن تتضمن مشارطة التحكيم تعيينًا لموضوع النزاع حتى تتحدد ولاية المحكمين ويتسنى رقابة مدى التزامهم حدود ولايتهم ".
وحتى لا ترفع دعوى قضائية أصلية مبتدئة مرفوعة بطلب بطلان مشارطة تحكيم على أساس أنها قد تضمنت منازعات لا يجوز الفصل فيها عن طريق نظام التحكيم لتعلقها بالنظام العام أو لدخولها في دائرة الحقوق التي لا يجوز التصرف فيها.
قضت محكمة النقض المصرية بأنه "لكي يتسنى لها بسط سلطانها لمراقبة ذلك يتعين على محكمة الموضوع أن تبين على نحو كاف موضوع النزاع – والواقع في شأنه التحكيم- حتى يمكن التأكد مما إذا كان موضوع النزاع من نوع الحقوق التي يملك الأطراف المحتكمون مطلق التصرف فيها فيصح التحكيم بشأنها".
وتختلف طريقة تحديد محل الاتفاق على التحكيم بحسب الصورة التي يتخذها الاتفاق على التحكيم – شرطًا كان أم مشارطة.