يقصد بمحل اتفاق التحكيم، موضوع المنازعات التي يشملها اتفاق التحكيم والتي ينص على حلها بطريق التحكيم، وفي بعض الاحيان لا يتضمن الاتفاق الاشارة، فقط الى النزاع في موضوع معين، كأن يقال ان الخلافات التي ستنشأ بين الطرفين بالنسبة لنوعية البضاعة، يصار الى حلها بالتحكيم، او يقال ان جميع المنازعات التي ستنشأ عن تنفيذ العقد، يصار الى حلها بالتحكيم . هذا في حالة وضع شرط التحكيم في العقد اما في حالة عدم وجود مثل هذا الشرط، فاتفاق التحكيم (مشارطة التحكيم) يتم بعد نشوء الخلاف أو النزاع. وفي هذه الحالة يكون موضوع النزاع معروفا، ويمكن تحديده بدقة، أو بشكل عام دون تفصيل اوجه النزاع.
وهناك عدد من الصيغ التي وضعتها مؤسسات تعنى بشؤون التحكيم. وتعنى هذه الصيغ، بالشروط النموذجية، مثال ذلك الشرط النموذجي، الذي وضعته الغرفة التجارية الدولية (I.C.C) وهو كما يلي:
ان جميع الخلافات الناجمة عن هذا العقد يتم حسمها نهائيا، وفقا لنظام (المصالحة) (۲) والتحكيم لغرفة التجارة الدولية من قبل محكم واحد او اكثر يتم تعيينهم طبقا لذلك النظام.
وكذلك وضعت لجنة القانون التجاري الدولي التابعة للأمم المتحدة (UNCITRAL) في قواعدها الخاصة بالتحكيم شرطا نموذجيا كما يأتي:
کل نزاع او خلاف او مطالبة تنشأ عن هذا العقد او تتعلق به او بمخالفة احكامه او فسخه، او بطلانه، يسوى بطريق التحكيم، وفقا لقواعد التحكيم التي وضعتها لجنة الامم المتحدة للقانون التجاري الدولي كما هي سارية المفعول حاليا».
ويلاحظ ان مؤسسات التحكيم تضع في شروطها النموذجية عبارة مفادها ان يتم التحكيم وفقا لقواعدها. وهذا أمر غير ملزم للطرفين اللذين قد يختاران الشرط النموذجي ويضعانه في العقد دون الاشارة الى قواعد التحكيم لتلك المؤسسة او المنظمة.
كما يلاحظ ان صيغة الشرط ترد مطلقة بشكل عام. وتشير الى جميع المنازعات دون تحديد ماهيتها وموضوعها . ويفضل الأخذ بمثل هذه الصيغة، ذلك لأن ذكر التفاصيل قد يوقع الطرفين في خلاف جديد حول تفسير ما جاء بالشرط، وبالطبع هذا الأمر غير موجود في حالة وضع اتفاق التحكيم، بعد نشوء النزاع حيث يمكن ذكر النزاع بجميع تفاصيله.
والمسائل التي يجوز فيها الصلح ، وردت في المادة ٧٠٤ من القانون المدني العراقي
حيث جاء فيها :
١- يشترط ان يكون المصالح عنه مما يجوز أخذ البدل في مقابلته ويشترط أن يكون
معلوماً إن كان مما يحتاج الى القبض والتسليم.
٢- ولا يجوز الصلح في المسائل المتعلقة بالنظام العام، أو الآداب العامة ولكن يجوز الصلح على المصالح المالية التي تترتب على الحالة الشخصية او التي تنشأ عن ارتكاب احدى الجرائم.
كذلك نص قانون اصول المحاكمات المدنية اللبناني في المادة ٧٦٢ منه على انه «يجوز للمتعاقدين ان يدرجوا في العقد التجاري او المدني المبرم بينهم بندا ينص على
ان تحل بطريق التحكيم جميع المنازعات القابلة للصلح التي تنشأ عن تنفيذ هذا العقد او تفسيره .
والامر الذي يعنينا في دراستنا هذه ان تكون المنازعة منصـبـة علـى مـوضـوع له طابع دولي، ويتعلق بالتجارة الدولية ومن الطبيعي ان المنازعات موضوع البحث لا تشمل تلك التي تخص القانون العام. او التي تنشب بين الدول فمثل تلك المنازعات ذات الطابع السياسي، تخرج عن نطاق التحكيم التجاري الدولي، وفي حالة تسويتها بالتحكيم يكون ضمن اطار القانون العام وليس القانون الخاص.
اما عن المنازعات التجارية الدولية فهي التي تتعلق بمعاملة تجارية دولية سواء تمت المعاملة بين اشخاص طبيعيين او معنويين من جنسيات مختلفة او بين اشخاص القانون العام كالدولة او احدى مؤسساتها من جهة أو بين اشخاص طبيعيين او معنويين من جهة أخرى، او ان النزاع ينشب بين احدى مؤسسات القطاع العام، لاحدى الدول أو مؤسسة أخرى من القطاع العام، من دولة اخرى وكلاهما يمارسان عملا تجاريا او صناعيا وعادة يتعلق الأمر بما يسمى بالعقود التجارية الدولية والعقود الاقتصادية الدولية والتي تتعلق بمعاملات وصفقات دولية كعقود الامتياز والتوريد ونقل التكنولوجيا وعقود المنشآت الصناعية الكبرى، والنقل.
ومسألة تحديد قواعد النظام العام . تختلف من تشريع الى آخر ولكن فكرة النظام العام. -Lor der Public تنبع من وجود قواعد قانونية آمرة لا يمكن مخالفتها من قبل الاشخاص وعليهم قبولها . ذلك لأنها وضعت للصالح العام، ونجد أن بعض الاحكام القانونية تعتبر من النظام العام وقسم آخر يكتفي بايراد عبارة عامة تشير الى طبيعة الاحكام المذكورة.
ومثال القسم الاول من القوانين القانون العراقي، حيث عددت الفقرة الثانية من المادة ١٣٠ من القانون المدني، الأحكام التي تعتبر من النظام العام بقولها «ويعتبر من النظام العام بوجه خاص، الاحكام المتعلقة بالاحوال الشخصية كالأهلية والميراث والاحكام المتعلقة بالانتقال والاجراءات اللازمة للتصرف في الوقف وفي العقار والتصرف في مال المحجوز ومال الوقف ومال الدولة وقوانين التسعير الجبري وسائر القوانين التي تصدر لحاجة المستهلكين في الظروف الاستثنائية».
اما مثال القسم الثاني من التشريعات ما جاء في القانون المدني الفرنسي حيث نص في مادته السادسة على أنه لا يجوز باتفاقات خاصة مخالفة القوانين التي تخص النظام العام والآداب الحسنة». وقد ساهم القضاء الفرنسي في تقرير الحالات التي تعتبر من النظام العام، كما عددت المادة ٣٠٦٠ من القانون نفسه بعض الحالات، منها، المسائل المتعلقة بالاهلية والامور المتعلقة بالطلاق، والتفريق الجسماني والمنازعات الخاصة بالمؤسسات العامة . وهناك حالات اخرى وردت في قوانين خاصة في فرنسا او في دول اخرى .
أن القوانين الوطنية، تحدد في كثير من الاحوال الحالات التي تعتبر من النظام العام، وبالتالي لا يجوز ان تكون موضوعا للاتفاق على حسمها بالتحكيم ويساعد القضاء في الكشف عن تلك الحالات قياسا على النصوص القانونية وطبيعة النزاع.
مخالفة هذه الافعال للنظام العام الدولي القواعد المماثلة التي توجد في القوانين الوطنية والتي تعاقب على مثل هذه الافعال.
وعند مراجعتنا لموقف الاتفاقيات الدولية من هذه المسألة نجد ان بروتوكول جنيف لعام ۱۹۲۳ . لا يلزم الدول بالاعتراف بصحة اتفاق التحكيم. الا اذا كان يتعلق بمسائل يمكن حلها بالتحكيم. واعطى البروتوكول الحق للدول بأن تجعل التزامها يقتصر على أحكام التحكيم في المسائل التجارية فقط المادة الثانية من البروتوكول) ونجد ان اتفاقية نيويورك ۱۹۵۸ نصت على عدم امكانية الاعتراف باتفاقات التحكيم الا اذا كان موضوع تلك الاتفاقات منازعات يجوز تسويتها اي ان القانون الواجب التطبيق من حيث الموضوع على النزاع لا يمنع الطرفين من اللجوء الى التحكيم عند نشوب نزاع في ذلك الموضوع، والا فإن اتفاق التحكيم يعتبر باطلا حيث يكون قد انصب على مخالفة للقانون الذي يمنع اللجوء الى التحكيم في تلك المسائل. ويمكن ان يشكل هذا سببا للطعن في حكم او قرار التحكيم فيما لو صدر رغم المنع المذكور.
كذلك سوف يتعرض الحكم الى عدم الاعتراف به وبالتالي عدم تنفيذه في الدولة المراد تنفيذ الحكم فيها ذلك لأنه قد انصب على تسوية موضوع تمنع قوانين تلك الدولة تسويته بالتحكيم. او ان الحكم مخالف للنظام العام الدولي لتلك الدولة وقد نص قانون اصول المحاكمات المدنية اللبناني صراحة على ذلك، حيث جاء في المادة ٨٢٤ منه يعترف بالقرارات التحكيمية، وتعطي الصيغة التنفيذية اذا اثبت الشخص الذي يتذرع بها وجودها ولم تكن مخالفة بصورة واضحة للنظام العام الدولي».
كذلك جاء في اتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي لعام ١٩٨٣ نص مشابه للنص المشار اليه في اتفاقية نيويورك فقد قررت في المادة ٣٧ عدم امكانية قيام الهيئة القضائية المختصة لدى الطرف المتعاقد، المطلوب منه التنفيذ ان تبحث في موضوع التحكيم، ولا ان ترفض تنفيذ الحكم، الا في الحالات الآتية:
أ- إذا كان قانون الطرف المتعاقد المطلوب منه الاعتراف او تنفيذ الحكم لا يجيز حل موضوع النزاع عن طريق التحكيم.
ب- اضافت اتفاقية الرياض اسباباً اخرى وهي: اذا كان في حكم المحكمين ما يخالف احكام الشريعة الاسلامية او النظام العام او الاداب العامة لدى الطرف المتعاقد المطلوب منه التنفيذ .
كذلك هناك نص في اتفاقية التحكيم التجاري العربي في المادة الخامسة والثلاثين التي تجيز رفض تنفيذ قرار التحكيم اذا كان مخالفا للنظام العام لقد تركت الاتفاقيات المذكورة، الباب مفتوحاً للدول لكي تقرر ، صحة اتفاقيات التحكيم من عدمها، طبقا لقوانينها الداخلية التي تحدد ما يمكن الاتفاق عليه من المواضيع التي يجوز اخضاعها للتحكيم، واذا كانت الاتفاقات الخاصة بالتحكيم لا تخضع للقوانين المذكورة، فان الدول تستطيع رفض تنفيذ قرارات التحكيم الصادرة بناء على تلك الاتفاقات، مدعية ان موضوع النزاع لا يمكن تسويته بالتحكيم او ان قرار التحكيم لا يمكن تنفيذه بسبب احتوائه على امور تخالف النظام العام في تلك الدول وفقا لقوانينها الوطنية.
اما الاتفاقية الاوروبية فلم يرد فيها نص مماثل كما جاء في الاتفاقيات التي سبق ذكرها. بل انها اكتفت بالقول ان احكامها تهدف إلى ايجاد الحلول للمنازعات الناشئة او التي ستنشأ عن معاملات التجارة الدولية. ورغم سكوت هذه الاتفاقية فلا نجد في هذا السكوت مخالفة للمبدأ الذي وجدناه في نصوص الاتفاقيات الاخرى والذي استقر دوليا ونعني به المبدأ الخاص بامكانية تسوية موضوع النزاع بالتحكيم. وعدم مخالفته للنظام العام.