إذا كان موضوع اتفاق التحكيم في مسألة من المسائل التي لا يجوز فيها الصلح ومن ثم لا يجوز فيها التحكيم فإن هذا الاتفاق لا يكون له أثر لأن حكم التحكيم الصادر بموجبه في واقع الأمر غير قابل للتنفيذ سواء في البلد الذي تمت فيه إجراءات التحكيم أو في البلد المطلوب فيها تنفيذ حكم التحكيم.
اشترطت قوانين التحكيم العربية محل البحث عدم جواز التحكيم في أي مسألة من المسائل التي لا يجوز فيها الصلح وتبعاً لذلك، فإن أي اتفاق على التحكيم يتصل بأي مسألة لا يجوز فيها الصلح يعرض حكم التحكيم للبطلان وتقضي المحكمة بذلك من تلقاء نفسها دون أن يطلب منها ذلك.
حيث جاء في المادة (۱۱) من قانون التحكيم المصري بأنه لا يجوز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح). وتنص المادة (٥٣ / ۲) على أن تقضي المحكمة التي تنظر دعوى البطلان من تلقاء نفسها ببطلان حكم التحكيم إذا تضمن ما يخالف النظام العام في جمهورية مصر العربية).
وورد في المادة (٢) من نظام التحكيم السعودي النص الآتي: (ولا تسري أحكام هذا النظام عل المنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية، والمسائل التي لا يجوز فيها الصلح).
وتنص الفقرة الثانية من المادة (٥٠) من النظام على الآي: (القفي المحكمة المختصة التي تنظر دعوى البطلان من تلقاء نفسها ببطلان حكم التحكيم إذا تضمن ما يُخالف أحكام الشريعة الإسلامية والنظام العام في المملكة..... أو إذا وجد أن موضوع التزاع من المسائل التي لا يجوز التحكيم فيها بموجب هذا النظام.
كذلك تنص المادة (۹) من قانون التحكيم الأردني على أنه .... لا يجوز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح) وتنص المادة (٤٩ / ب) من نفس القانون بأن (تقضي المحكمة المختصة التي تنظر دعوى البطلان من تلقاء نفسها ببطلان حكم التحكيم فيما تضمن ما يخالف النظام العام في المملكة أو إذا وجدت أن موضوع النزاع من المسائل التي لا يجوز التحكيم فيها).
وجاء في المادة (٥) من قانون التحكيم اليمني بيان للمسائل التي لا يجوز فيها التحكيم وهي" الحدود واللعان وفسخ عقد النكاح رد القضاة ومخاصمتهم المنازعات المتعلقة بإجراءات التنفيذ جيرا سائر المسائل التي لا يجوز فيها الصلح / كل ما يتعلق بالنظام العام".
والملاحظ أن هذه المادة حددت حصراً في عدد من فقراتها المسائل التي لا يجوز فيها التحكيم ثم أضافت فقرة أخيرة تنص على عدم جواز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح ثم زادت على ذلك بالنص كل ما يتعلق بالنظام العام. وكان الأوفق أن يكون نص المادة هو (لا يجوز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح) بدلاً من كل ذلك التكرار.
وورد في المادة (٥٣/ ز) من قانون التحكيم اليمني أنه يجوز رفع دعوى بطلان على حكم التحكيم " إذا خالف الحكم أحكام الشريعة الإسلامية والنظام العام" كما أجازت المادة (٥٥) من القانون للمحكمة المختصة "الحكم ببطلان حكم التحكيم ولو لم يطلب منها ذلك إذا صدر الحكم في مسألة لا تقبل التحكيم أو إذا تضمن الحكم ما يخالف أحكام الشريعة الإسلامية والنظام العام" .
وجاء في المادة (٩ / ۲) من القانون السوري على أنه لا يجوز الاتفاق على التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح أو المخالفة للنظام العام أو المتعلقة بالجنسية أو بالأحوال الشخصية باستثناء الآثار المالية المترتبة عليها. ونصت المادة (٢/٥٠) من نفس القانون على أن تقضي المحكمة التي تنظر دعوی البطلان من تلقاء نفسها ببطلان حكم التحكيم إذا تضمن يخالف النظام العام في الجمهورية العربية السورية.
وفي القانون العراقي تنص المادة (۱۰) على أنه لا يجوز الاتفاق على التحكيم في المسائل التي لا يجوز الصلح فيها أو المخالفة للنظام العام، وجاء في المادة (۳۹) في ذات القانون بأنه لا يجوز الطعن في قرار التحكيم أمام المحكمة المختصة إلا بطلب إبطال يقدم من أحد أطراف التحكيم في إحدى الحالات الآتية: أولاً - و - إذا كان موضوع النزاع لا يقبل التسوية بالتحكيم وفقاً للقانون ثانياً: تقضي المحكمة التي تنظر دعوى البطلان من تلقاء نفسها ببطلان قرار التحكيم إذا كان مخالفاً للنظام العام.
لمقارنة نصوص القوانين محل الدراسة فيها يتصل بشرط قابلية النزاع للتحكيم، نجد أن القانون المصري ومعه الأردني قد نصا على عدم جواز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح، بينما أضافت بعض القوانين إلى هذا النص الأحوال الشخصية ( في نظام التحكيم السعودي)، أو المخالفة للنظام العام أو المتعلقة بالجنسية أو بالأحوال الشخصية باستثناء الآثار المالية المترتبة عليها (في القانون السوري)، و المخالفة للنظام العام في القانون العراقي). في حين أن القانون اليمني قد حدد حصراً المسائل التي لا يجوز فيها التحكيم مضيفاً إلى نهاية النص كل ما يتعالى بالنظام العام.
ونلاحظ أن موقف هذه القوانين يتطابق تقريباً. فحكم التحكيم الصادر في أي مسألة من المسائل التي لا يجوز فيها التحكيم، يقع تحت طائلة البطلان.
كما نلاحظ أن قوانين مصر وسوريا والسعودية والأردن والعراق قد أوجبت بأن تقضي المحكمة التي تنظر دعوى البطلان من تلقاء نفسها ببطلان حكم التحكيم إذا تضمن ما يخالف النظام العام، نظام التحكيم السعودي أضاف " أو الشريعة الإسلامية " والقانون الأردني نص كذلك " أو إذا وجدت أن موضوع النزاع من المسائل التي لا يجوز التحكيم فيها".
كما أن القانون اليمني قد أوجب هو الآخر على المحكمة المختصة "الحكم ببطلان حكم التحكيم ولو لم يطلب منها ذلك إذا صدر الحكم في مسألة لا تقبل التحكيم أو إذا تضمن الحكم ما يخالف أحكام الشريعة الإسلامية والنظام العام".
والملاحظ من هذا النص أن المشرع اليمني قد أعطى مساحة أكبر للمحكمة لإبطال حكم التحكيم المخالف للنظام العام أو أحكام الشريعة الإسلامية، إذ أنه لم ينص كباقي القوانين "بأن تقضي المحكمة التي تنظر دعوى البطلان ولكنه نص بأن "على المحكمة المختصة الحكم ببطلان حكم التحكيم..". وبذلك يستوي أن تبطل المحكمة حكم التحكيم المخالف وهي تنظر دعوى البطلان أو إذا لم ترفع دعوى البطلان حيث يمكن للمحكمة تقرير بطلان الحكم وهي بصدد نظر طلب التنفيذ ويستوي كذلك القيام بهذا الأمر عند إبداع نسخة الحكم التحكيمي لدى هذه المحكمة.
نشير إلى أنه من بين المسائل التي لا يجوز فيها الصلح، وتدخل ضمن الاختصاص الوجوبي للقضاء الرسمي ارتباطاً بالنظام العام هي المنازعات المتعلقة بالجنسية والمنازعات المرتبطة بالتنفيذ . الجبري ومخاصمة القضاة وردهم وكذلك الحدود واللعان وإثبات صحة عقود النكاح أو إثبات النسب أو جرائم القتل والسرقة وكل ما له صلة أو علاقة بالنظام العام. ومخالفة النظام العام تعني الخروج عن القواعد الآمرة المرتبطة بالمصالح العليا للمجتمع.
ولعل الهدف من إخراج المنازعات التي لا يجوز الصلح فيها عن قضاء التحكيم، هو رغبة المشرع بمنع الصلح وبسط ولاية القضاء الرسمي على هذه المنازعات، وهو ما يقتضي أيضاً حظر التحكيم بشأنها.
التطبيقات القضائية
: في سوريا قضت محكمة النقض بالآتي " للمحكمة رفض طلب إكساء حكم المحكمين صيغة التنفيذ في حال تبين لها وجود ما يخالف قواعد النظام العام سواء في مشارطة التحكيم أو في حكم المحكمين " وفي الكويت قضت محكمة التمييز الكويتية بأن " العقد التحكيمي المخالف للنظام العام باطل ويبطل حكم التحكيم ." . وفي سلطنة عمان قالت المحكمة الابتدائية التجارية أن " التحكيم يكون في المسائل التي يجوز فيها الصلح " .
وفي البحرين قالت محكمة التمييز البحرينية " إن الأصل هو جواز التحكيم في أي نزاع ولا تستثنى من ذلك إلا المسائل التي لا يجوز فيها الصلح وهي تلك المتعلقة بالنظام العام والتي قنن المشرع قواعدها وأحكامها بنصوص آمرة لا يصح الاتفاق على خلافها مما يقتضي عدم الصلح فيها. أما ما يترتب عليها من حقوق أو مصالح مالية فإنه لا يجوز الاتفاق على حسمها عن طريق التحكيم".