- ضرورة ومفهوم أن يكون محل الاتفاق قابلًا للتسوية بطريق التحكيم:
البادي من اشتراط أن يكون محل النزاع قابلًا للتسوية بطريقة التحكيم، أن نظام التحكيم مازال، على الأقل في القانون المصري ومن على شاكلته، استثناء بحيث يظل الأصل هو اختصاص قضاء الدولة بالفصل في كافة المنازعات باعتباره صاحب الولاية العامة في تحقيق الحماية للحقوق والمراكز القانونية. فالتحكيم يتحدد نطاقه بمنازعات معينة لا يتعداها، وهي تلك التي يجوز فيها الصلح فقط.
من ناحية المسائل المتعلقة بالأحوال الشخصية، والتي تخرج، إذن، من نطاق التحكيم، نقول إنه لم يرد تعريف محدد لها في القوانين النافذة في مصر حاليًا. غير أنه يمكن الاستعانة بالتحديد الذي أورته المادة 13 من قانون نظام القضاء رقم ١٤٧ لسنة ١٩٤٩، والملغى بعدة قوانين آخرها القانون رقم 46 لسنة ١٩٧٢ بشأن السلطة القضائية.
ومن ناحية المسائل المتعلقة بالنظام العام. نقول إن النظام العام فكرة مرنة ليس لها ضابط محدد قاطع، فهي فكرة معيارية نسبية تختلف من دولة إلى دولة، بل ومن زمن إلى زمن داخل ذات الدولة، وهو كما عرفته محكمة النقض المصرية عام 1979 "يشمل القواعد التي ترمى إلى تحقيق المصلحة العامة للبلاد، سواء من الناحية السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية والتي تتعلق بالوضع الطبيعي المادي والمعنوي لمجتمع منظم، وتعلو فيه على مصالح الأفراد.
وقد أجرى قضاء التحكيم تطبيقات عديدة لذلك. خذ مثلًا قضية، عرضت على غرفة التجارة الدولية بباريس، تتلخص وقائعها في أن اتفاقًا تم بين شركة مقاولات فرنسية وأحد كبار الموظفين العموميين في دولة إيران، بمقتضاه تعهد هذا الأخير يبذل مجهوداته واستخدام نفوذه لدى السلطات الإيرانية لترسيه تنفيذ أحد عقود الأشغال العامة عليها، وذلك مقابل حصوله على عمولة يدفع نصفها عند الاتفاق والباقي عند إتمام الفوز بالصفقة. وعلى أثر نجاح الوسيط الإيراني فيما وعد به، ومطالبته الطرف الفرنسي بدفع باقی مبلغ العمولة، والذي رفض المطالبة، اتخذ إجراءات التحكيم لدى غرفة التجارة الدولية بباريس، إعمالًا لشرط التحكيم الوارد بالاتفاق المبرم مع الشركة الفرنسية، انتهت هيئة التحكيم إلى القضاء ببطلان ذلك الاتفاق لارتطامه ومقتضيات النظام العام الدولي. وجاء بالحكم "على الرغم من أن المدعى (الوسيط) رفض الكشف عن طبيعة مهمته لدى الحكومة الإيرانية، إلا أنه يستخلص من وقائع الدعوى أنه كان أحد الموظفين العموميين الكبار آنذاك، وكان تأثيره كبيرًا على صناع القرار مما أدى إلى تعاقد الشركة الفرنسية واستبعاد مشروعات أخرى منافسة... وحيث إن العقد محل النزاع يخالف النظام العام الدولي، فإن محكمة التحكيم تقضى ببطلانه، وترفض طلب المدعى إلزام الشركة الفرنسية بدفع العمولة المستحقة له".
- القابلية للتحكيم ومنازعات العقود الإدارية: إن الخلاف الذي دار في فكر الفقهاء وأحكام القضاء العادي والإداري حول جواز، أو حظر، التحكيم في المنازعات الناشئة عن العقود الإدارية، قد حسمه المقنن في الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون، والمضافة بالقانون رقم 9 لسنة ١٩٩٧، بنصه صراحة على جواز التحكيم في العقود الإدارية بموافقة الوزير المختص أو من يتولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة.
- تنازع القوانين والقابلية للتحكيم:
الثابت أن العلاقات القانونية ذات الطابع الدولي تثير مشكلة تنازع القوانين. وفي شأن تحديد قابلية أو عدم قابلية المنازعات الناشئة عن تلك العلاقات للفصل فيها بطريق التحكيم تثور مسألة تعيين القانون الذي يرجع إليه لحسم تلك القابلية .
وفي هذا الفرض ينظر القضاء أو هيئة التحكيم، في المسألة على أنها تتعلق بمشروعية محل la liceité de l' objet اتفاق التحكيم.
وإذا كان محل اتفاق التحكيم، وكونه قابلًا للتسوية بطريق التحكيم من عدمه، هو لب ذلك الاتفاق وجوهره، فإنه من المنطقي أن يسرى عليه ويحكمه القانون الذي يحكم اتفاق التحكيم ذاته، أي القانون الذي اختاره الأطراف صراحة، أو يبين من ظروف الاتفاق أنه هو الواجب التطبيق، سواء كان هو قانون دولة مقر التحكيم، أو أي قانون آخر. وهذا ما تأخذ به الاتفاقيات الدولية الخاصة بالتحكيم.
وعلى كل حال، فإن القانون واجب التطبيق على قابلية موضوع النزاع للفصل فيه بطريق التحكيم، هو الذي يحدد الجزاء الذي يترتب على الاتفاق فيما لا يجوز فيه التحكيم: هل يكون البطلان المطلق، الذي يجوز لأي خصم أن يتمسك به، وفي أية حالة تكون عليها الإجراءات، كما يكون للمحكمة أن تقضى به من تلقاء ذاتها، دون عبرة بما اتفق عليه الأطراف؟ أم يكون الاتفاق منعدمًا؟.
كما يختص ذلك القانون بتحديد نطاق البطلان، هل يشمل كل الاتفاق على التحكيم، أم الجزء فقط من النزاع الذي لا يجوز فيه التحكيم إذا كان قابلًا للانفصال عن الجزء الذي يجوز فيه التحكيم؟.
كما يختص القانون المشار إليه بتحديد الجزاء المترتب على صدور قرار تحكيم في مسألة لا يجوز تسويتها بطريق التحكيم، وهل يجوز رفع دعوى بطلان القرار، أم يكتفى بعدم الاعتراف به ورفض الأمر بتنفيذه؟.
(111).