لما كان اتفاق التحكيم سواءً اتخذ صورة شرط تحكيم يبرم قبل وقوع النزاع، أو صورة مشارطة تحكيم تبرم بعد وقوع النزاع – يمثل عقدا شأنه شأن العقود الأخرى ، لذلك - فإنه يخضع لمبدأ سلطان الإرادة، ومن ثم تنطبق عليه النظرية العامة في العقود.
وللعقد حسبما أشرنا أركان أساسية هي: الرضا والأهلية والسبب. ويترتب على الإخلال بأي منها انعدام العقد .
ويصدق على محل اتفاق التحكيم ما يصدق على محل العقود بصفة عامة.
وبتطبيق القواعد العامة الواردة في القانون المدني - السالفة الذكر - على اتفاق التحكيم باعتباره عقداً شأنه شأن العقود الأخرى يمكن القول:
أولا :يجب أن يكون محل التحكيم موجوداً أو ممكناً:
أما إذا كان المحل الذي يرد عليه اتفاق التحكيم مستحيلاً بذاته، فإن اتفاق التحكيم يكون باطلاً. فمثلاً لا يجوز الاتفاق على التحكيم بشأن نزاع على شيء لا يمكن حيازته، كما لو تنازع شخصان على ملكية طريق عام. والاستحالة قد ترجع إلى طبيعة المحل أو إلى حكم القانون (وهذه الأخيرة تسمى استحالة قانونية).
ولا يشترط أن يكون الشيء الذي يرد عليه اتفاق التحكيم موجوداً وقت التعاقد، بل يكفي أن يكون ممكن الوجود في المستقبل. وهذا ما يوصلنا إلى صحة اتفاق التحكيم الذي يبرم بشأن نزاع لم يقع بالفعل، أي صحة اتفاق التحكيم الوارد كشرط في العقد، فهو شرط صحيح وملزم. فالنزاع غير موجود حالا، ولكنه سيوجد في المستقبل. وهذا ما ينطبق مع ما نصت عليه المادة (۱/۱۳۱) من القانون المدني المصري: يجوز أن يكون محل الالتزام شيئا مستقبلاً
فالمحل الذي سيوجد في المستقبل هو محل موجود بالمعنى الذي نقصده هنا.
أما إذا كان المحل الذي يـــرد عليه اتفاق التحكيم غير مشروع، بأن كان مخالفاً للنظام العام، أو الآداب العامة، أو كان غير قابل للتعامل فيه، فإن اتفاق التحكيم يكون باطلاً. كأن يتفق على التحكيم بشأن نزاع يدور حول ملكية الأموال العامة، أو يتفق على التحكيم بشأن المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية، أو الجنسية، أو المسائل الجنائية، مثل تحديد المسؤولية الجنائية للجاني.. فمثل هذه الاتفاقات باطلة.
كما حظر المشرع التعامل في التركة المستقبلة بنص مستقل، وذلك بموجب المادة (۲/۱۳۱) من القانون المدني المصري.
مما تقدم يتضح لنا أن القواعد التي تنطبق على محل التحكيم هي ذاتها القواعد العامة الواردة في القانون المدني، وهذا يقودنا إلى المعيار الذي اتخذته الأنظمة الوضعية، لتحديد مدى قابلية النزاع للتحكيم.