اتفاق التحكيم / المسائل المتعلقة بأعمال سلطات الدولة / الكتب / التحكيم بالقضاء وبالصلح / لا يجوز إجراء التحكيم في الخارج فيما يدخل في اختصاص محاكمنا المصرية:
لا يجوز إجراء التحكيم في الخارج فيما يدخل في اختصاص محاكمنا المصرية:
الأصل أن عقد التحكيم جائز عن أى نزاع يدخل في اختصاص محاكمنا المصرية، بل هو يجوز أيضا - وفقاً لقانوننا – عن أي نزاع هو في الأصل من اختصاص محكمة أجنبية وإنما إذا كان للنزاع عنصر أجنبي أو كان الاتفاق على التحكيم قد تم في الخارج أو كان بعض الخصوم من الأجانب، أو كان المحكم أجنبيا أو كان التحكيم قد تم خارج الديار المصرية، فهل يعتبر حكم المحكم في مثل هذه الأحوال حكما أجنبيا تسرى عليه ما تسرى من قواعد بصدد تنفيذ الأحكام الأجنبية؟
أجابت عن هذه السؤال المادة 841 من قانون المرافعات فهى تنص على أنه يجب أن يصدر حكم المحكمين فى مصر وإلا اتبعت في شأنه القواعد المقررة للأحكام الصادرة في بلد أجنبي .
وإذن ووفقاً للمادة 851 من قانون المرافعات المصرى حكم المحكم يعتبر أجنبيا متى صدر فى غير الجمهورية العربية المتحدة.
وبعبارة أخرى، حكم المحكم يعتبر أجنبياً بخصوص تنفيذه متى طلب الاعتداد به أو تنفيذه فى غير الدولة التي صدر الحكم في أرضها. وهذا ما قررته صراحة الاتفاقية الخاصة بأحكام المحكمين الأجنبية وتنفيذها التي أقرها مؤتمر الأمم المتحدة الخاص بالتحكيم التجارى الدولى المنعقد في نيويورك في الفترة من 20 مايو – 10 يونيه 1958 . وقد انضمت إلى هذه الاتفاقية الجمهورية رقم 191 لسنة 1959. وتنص المادة الأولى من هذه الاتفاقية على أنه.
وبمعنى آخر، الاتفاق على التحكيم فى ذاته، ليس معناه النزول عن الالتجاء إلى قضاء المحاكم الوطنية إذا كان المحكمون كلهم - أو بعضهم - من الأجانب، أو كان الاتفاق على التحكيم قد تم في الخارج. أما الاتفاق على إجراء التحكيم في بلد أجنبي فهو الذي يفيد النزول عن الالتجاء إلى قضاء المحاكم الوطنية لأنه يقتضي حتما – من جانب المحكم - أن يتبع ويحترم الإجراءات المقررة في ذلك البلد والمادة 841 من قانون المرافعات المصرى تقتضى هذا الفهم، فهي توجب صدور حكم المحكم في مصر وإلا اتبعت في شأنه القواعد المقررة في البلد الأجنبى الذى أصدر فيه حكمه، فيكتبه كما تكتب الأحكام في هذا البلد ويودعه قلم كتاب المحكمة التي يعينها قانونها إلخ. وعند تنفيذه يجب أن تتبع في شأنه القواعد المقررة لتنفيذ الأحكام الصادرة في بلد أجنبي ( م 494 من قانون المرافعات المصرى ).
وإذن، عند الاتفاق على إجراء التحكيم في الخارج يجب التحقق من أن النزاع فى الأصل لا تختص به المحاكم المصرية، أو على الأقل الاختصاص في شأنه مشترك بين المحاكم المصرية والمحاكم الأجنبية.
فمكان التحكيم يعتبر عنصرا أساسيا في عقود التحكيم عن المنازعات ذات العنصر الأجنبى، ويجب أن يحدد هذا العنصر بوضوح في عقد التحكيم ويرتضيه سائر المحتكمين وإلا فإنه يصبح مثار خلاف بينهم أو يكون سوء اختياره عقبة في سبيل تنفيذ حكم المحكم.
ولما كانت المادة الثالثة من قانون المرافعات هي التي تحدد الاختصاص الدولى للمحاكم المصرية، فمن الواجب مراعاتها في هذا الصدد.
ولا يفوتنا التنويه بأن المحاكم المصرية قد تختص وحدها بنظر بعض الدعاوى وفقاً لمبادىء القانون الدولى الخاص ولا يكون للمحاكم الأجنبية أى اختصاص بصددها، بمعنى أنه إذا صدر حكم أجنبى منها فلا يعتد به ويلزم رفع الدعوى من جديد أمام المحاكم المصرية ومثال هذه الدعاوى تلك التى تتعلق بعقار أو منقول فى مصر أو التي تنشأ عن واقعة حدثت فيها، كذا الدعاوى المتعلقة بتركة أفتتحت فيها إلا إذا كان بين التركة عقار في الخارج.
وجدير بالذكر أنه إذا اتفق على إجراء التحكيم في الخارج عن أمر يدخل في اختصاص المحاكم المصرية وحدها، ورفعت الدعوى به أمام المحاكم المصرية وتمسك المدعى عليه بوجوب احترام شرط التحكيم، من ناحية طرح النزاع على التحكيم وإجرائه في الخارج فإن المحكمة في هذه الحالة لا تبطل شرط التحكيم كلية وإنما تبطله فيما يتصل بإجرائه فى الخارج فقط لتعلقه بالنظام العام، ومن ثم لا. تملك تناول الموضوع للفصل فيه بل يتعين أن يطرحه الخصوم علـى التحكيم مالم ينزلوا عن شرط التحكيم صراحة أو ضمنا.
وكل ما قدمناه خالفته محكمة النقض المصرية في أحد أحكامها فقد قالت " .... لم يأت فى نصوص المواد 702 - 727 من قانون المرافعات القديم ما يمنع من أن يكون التحكيم في الخارج على يد أشخاص غير مصريين لأن حكمة تشريع التحكيم تنحصر في أن طرفي الخصومة يريدان بمحض إرادتهما واتفاقهما تفويض أشخاص ليس لهم ولاية القضاء أن يقضوا بينهما أو يحسموا النزاع بحكم أو بصلح يقبلان شروطه - فرضاء طرفي الخصومة هو أساس التحكيم - وكما يجوز لهما الصلح بدون وساطة أحد فإنه يجوز لهما تفويض غيرهم في إجراء ذلك الصلح أو فى الحكم فى ذلك النزاع ويستوى أن يكون المحكمون فى مصر وأن يجرى التحكيم فيها أو أن يكونوا موجودين في الخارج وأن يصدروا حكمهم هناك والمستفاد من المادة 841 من قانون المرافعات الجديد التي أوجبت أن يصدر حكم المحكمين في مصر وإلا اتبعت في شأنه القواعد المقررة للأحكام الصادرة في بلد أجنبي - المستفاد من ذلك أن المشرع المصرى لا يرى في الاتفاق على محكمين يقيمون في الخارج ويصدرون أحكامهم هنـاك أمــز يـمـس النظام العام .
وقد رأينا من قبل أن اتجاه رأى محكمة النقض محل نظر لأنه قد يتم الاتفاق على سبيل التحايل على قواعد الاختصاص الدولي، ويجعل الاختصاص بالتحكيم لمحكمة أجنبية مثلا، ويكون الاختصاص ثابتا للمحاكم المصرية وحدها - في المسألة موضوع التحكيم - وبهذا تختل مبادىء أساسية في النظام القضائي.
هذا مع ملاحظة أن اتجاه الرأى المتقدم فضلا عن مخالفته لما جاء في المادة 841 من قانون المرافعات ومذكرته التفسيرية يخالف ما اتجه إليه الفقه الدولى وأصبح مخالفاً ما جاء في الاتفاقية الخاصة بأحكام المحكمين الأجنبية وتنفيذها التي أقرها مؤتمر الأمم المتحدة الخاص بالتحكيم التجارى الدولى المنعقد فى نيويورك في الفترة من 20 مايو إلى 10 يونيه 1958 وقد انضمت إلى هذه الاتفاقية الجمهورية العربية المتحدة بمقتضى قرار رئيس الجمهورية رقم 191 لسنة 1959 فأصبحت بمثابة قانون يلزم سريانه واحترامه فى الجمهورية العربية المتحدة.