الفقرة الأولى : التحكيم في المنازعات الضريبية الداخلية
البند الأول : المقصود والمبادىء
المنازعات الضريبية هي المراجعات التي ترفع أمام قاضي الضرائب تظلما من أعمال الإدارة الضريبية بمناسبة قيامها بالأعمال والإجراءات التي تؤدي إلى التحقق من الضريبة وربطها والتكليف بها.
انطلاقاً من الطابع الإلزامي للضريبة، الذي ينبثق عن حق الدولة بممارسة سيادتها وتنفيذ إرادتها على أرضها ورعاياها، والذي يتيح لها أن تضع الأنظمة القانونية الخاصة بالضريبة إن من حيث معدلاتها وأساليب تحصيلها، أو من حيث تعيين الأفراد المكلفين بتأديتها أو من حيث إلزامهم بدفعها، بعد إصدار جداول التكليف وامتناعهم عن الدفع، وعلى أن تتبع في ذلك الأصول والإجراءات الملحوظة في القوانين والأنظمة .
الأمر الذي يجعل من الصعوبة بمكان منح المحكم سلطة البت أو الفصل في المنازعات المتعلقة بهذه المسائل، إذ من غير المعقول أو المقبول أن نمنح المحكم سلطة البت بصحة جدول تكليف ضريبي أو البت في صحة تحصيله. فجميع هذه المسائل يعود أمر النظر بها لهيئات إدارية وقضائية أقر لها المشرع إختصاص النظر بالمنازعات المتعلقة بها .
البند الثاني: نطاق التحكيم في المنازعات الضريبية
أولاً : مبدأ استبعاد التحكيم
يحكم المنازعات الضريبية في لبنان وفرنسا مبدأ مفاده أن اختصاص النظر فيها يعود للجان الاعتراض على الضرائب التي تصدر قرارات فاصلة فيها، وتكون قابلة للطعن أمام مجلس شورى الدولة، ما يعني استبعاد التحكيـم فـي هـذه المنازعات انطلاقاً من الطابع الحصري لاختصاص هذه اللجان، ومن الطابع الخاص الذي يلازمها ويلحظ القانون اللبناني في هذا الصدد أن المنازعات الضريبية تفصل على درجتين :
1 - أمام سلطة قضائية إبتدائية خاصة بدرس الاعتراضات وتدعى لجنة الاعتراض على الضرائب.
2- أمام مجلس شورى الدولة بوصفه محكمة عليا تنظر عن طريق النقض في قرار اللجنة الابتدائية .
الولايات المتحدة الأميركية ربما كانت الدولة الوحيدة التي تجيز اللجوء إلى التحكيم في المنازعات الضريبية الداخلية بموجب المادة ١٢٤ من التشريع الخاص بالقضاء الضريبي الصادر سنة ١٩٩٠.
ثانياً : الإستثناءات
بالرغم من مبدأ المنع من اللجوء إلى التحكيم سواء في لبنان أو في فرنسا، فإنه يلاحظ أن ثمة استثناء على ذلك بخصوص المنازعات الناشبة بين الإدارة الجمركية وأصحاب العلاقة بخصوص نوع أو صفة أو منشأ أو قيمة البضاعة، إذ اعتبرها المشرع الجمركي منازعات يتوجب حلها بطريق التحكيم وفقاً لأصول خاصة وكذلك وفقاً لأصول خاصة حددها المجلس الأعلى للجمارك بقراره الذي يحمل الرقم ٧١ تاريخ ۱۹ نیسان ۲۰۰۱(۳)، ونبدي هنا ملاحظتين:
الأولى: هي أن تعديل سنة ١٩٩٦ قد ألغى الخبرة الشرعية التي كانت ملحوظة في المواد ١٤٢ ١٤٩ من القرار ١٩٥٤/٤٢٢، ليتبنى التحكيم كمؤسسة قانونية لحل الخلافات الجمركية .
الثانية : هي أنه حتى الانتهاء من تأليف هذا الكتاب لم يكن قد تم اعتماد التحكيم كوسيلة جديدة لحل الخلافات الخاصة بالأمور الجمركية المشار إليها أعلاه إن في مرفأ بيروت أو في مطار بيروت الدولي.
الفقرة الثانية : التحكيم في المنازعات الضريبية في نطاق العلاقات القانونية الدولية :
البند الأول : التحكيم في المنازعات الضريبية بين الدول
منذ مطلع القرن المنصرم عمدت الدول إلى إبرام اتفاقيات فيما بينها وتم فيها إقرار اللجوء إلى التحكيم لحل المنازعات ذات الطابع الضريبي. وبعد الحرب العالمية الأولى أخذت هذه الاتفاقيات تتزايد خصوصاً لجهة حل المنازعات الخاصة بالازدواج الضريبي، وأشار العديد منها إلى ضرورة اتباع الوسائل الحبية لحل الخلافات التي تقع بين الأطراف ودون أن تتبنى التحكيم صراحة. إلا أنه في الآونة الأخيرة صدرت عدة آراء وتوصيات عن الجمعية الدولية للضرائب Asssociation fiscale internationale رأت ضرورة تبني إجراءات التحكيم في المنازعات الضريبية الدولية والتي لاقت صدى إذ أن عدة اتفاقيات دولية ثنائية .
أولاً: الاتفاقيات الثنائية
مع نهاية عقد الثمانينات من القرن الماضي، تبنت عدة اتفاقيات ثنائية بنوداً تحكيمية لحل الخلافات التي يمكن أن تنشأ عن تطبيقها، كالاتفاقية الموقعة بين ألمانيا والولايات المتحدة سنة ۱۹۸۹ وألمانيا وفرنسا سنة ۱۹۸۹ والولايات المتحدة وهولندا سنة ۱۹۹۲ والولايات المتحدة والمكسيك سنة ١٩٩٢.
ثانياً : الاتفاقيات المتعددة
تبرز في هذا الصدد اتفاقية ٢٣ تموز ۱۹۹۰ الخاصة بتفادي الازدواج الضريبي في دول الاتحاد الاوروبي بخصوص الضريبة على الأرباح المفروضة على مؤسسات تابعة لدول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، وحيث لحظت هذه الاتفاقية إمكانية اللجوء إلى التحكيم بخصوص هذه المنازعات .
واللجوء إلى التحكيم في هذه الحالة ليس حكمياً ومباشراً، إذ يتوجب اتباع إجراءات معينة تبدأ من ضرورة مراجعة السلطات الضريبية المختصة في البلد الذي تقع فيه المؤسسة خلال مدة معينة. وإذا لم تنجح السلطات المعينة في الاتفاق مع سلطات الدولة الأخرى التي فرضت الضريبة الثانية على إلغاء الازدواج الضريبي خلال مدة سنتين، فإنه يجب اللجوء إلى التحكيم.
ولا يتمتع القرار (الرأي) التحكيمي هنا بصفة ملزمة للسلطات التابعة للدول، حيث يمكنها أن تأخذ به أو لا فهو مجرد رأي استشاري .
البند الثاني : التحكيم في المنازعات الضريبية في العلاقات الخاصة الدولية
أولاً: في العلاقات بين الأفراد
إن الاختصاص الحصري لبعض الهيئات في المنازعات الضريبية لا يتأتى فقط من صفة الدائن بالضريبة الدولة أو السلطات العامة، إنما أيضاً من موضوع النزاع.
۱ - استحقاق الضريبة ومقدارها غير منازع فيهما
في هذه الحالة، لا يوجد منازعة بخصوص الدين الضريبي من حيث وجوده أو قيمته وتقتصر مهمة المحكم هنا على تطبيق القواعد القانونية الضريبية التي يكون لها تأثير على النزاعات وحقوق أطراف العقد، والمثال النموذج على ذلك هو تطبيق المحكم للمادة ١٨٤٠ من قانون الضرائب الفرنسي التي تلحظ بطلان ورقة الضد(سند الضد) . ففي هذه الحالة ليس ثمة ما يمنع من اللجوء إلى التحكيم بخصوص المنازعة التي أثارت مسألة تطبيق القواعد الضريبية. فمجرد تطبيق هذه القواعد لا يستدعي إطلاقاً استبعاد التحكيم من إطار هذه المنازعات .
۲ - استحقاق الضريبة ومقدارها منازع فيها
أ ـ في حال التصفية
في هذه الحالة، يفترض أن المكلف ينازع بالدين الضريبي الذي تمت تصفيته وجرى توجيه إنذار له بالدفع أو تم وضعه قيد التحصيل، أمام المحكمين. هنا يجب على المحكم أن يتخذ أحد موقفين فإما أن يوقف النظر بالدعوى واما أن يتمنع عن الأخذ بالاعتبار الدين الضريبي المنازع فيه .
وبالرغم مما تقدم فإن المراجعة أمام القضاء التابع للدولة يمكن تقديمها، مع العلم أنه لا يمكن ترتيب أية نتائج ، لأن الدين الضريبي منازع فيه ولأن المحكم غير ذي صلاحية للبت بهذه المسألة، إذ أن تحديد الدين الضريبي لجهة استحقاقه وكميته، هو مسألة متعلقة بالاختصاص الحصري للقضاء التابع للدولة .
ب - في حال عدم التصفية
في هذه الحالة استحقاق أو كمية الضريبة يكون منازعاً فيهما، وإن لم تتم بعد تصفية الضريبة. ومن باب أولى وضعها قيد الجبابة. ذلك أنه في بعض الحالات ينازع أحد الأطراف أمام المحكم بأن الضريبة موضوع النزاع سيكون واجباً أو ينازع مقدماً في قيمتها كما.
ولكن ذلك لا يخلو من المساوىء وأهمها أنه يتعين على المحكم أن يعلق إجراءات التحكيم في كل مرة تثور فيها مسألة ذات طبيعة ضريبية ويكون واجباً وضع حل لها بصورة مسبقة من قبل القضاء الضريبي، أو يستبعد أخذ القاعدة الضريبية بالاعتبار بمجرد أن تطبيقها غير أكيد او مشكوك فيه من قبل الأطراف .
ثانياً : في العلاقات بین الدول والأشخاص الخصوصين -
شرط الثبات التشريعي
الاجتهاد التحكيمي يقر لنفسه سلطة النظر في المنازعات الضريبية الدولية التي تتضمن شرط الثبات التشريعي، ففي قرار تحكيم خاص ad hoc) صدر سنة ۱۹۸۷ في سويسرا قضى المحكمون رداً على دفع الدولة الطرف في النزاع والمنتهي إلى اعتباره غير قابل للتحكيم، بحجة اختصاص المحاكم الإدارية التابعة لها، بأنه بتطبيق المادة . من قانون التحكيم المنازعات الناتجة بوجه خاص عن التشريع الضريبي أو الجمركي تفلت من حيث المبدأ من التحكيم.
فاستناداً إلى هذا القرار يكون للمحكمين سلطة البت بالمسائل الناشئة عن شرط الثبات التشريعي الخاص بالضرائب، وبتعبير آخر بالمنازعات الضريبية الناشئة عن عقد دولى يربط بين دولة وشخص خاص .