الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اتفاق التحكيم / المسائل المتعلقة بالتجريم والعقاب / الكتب / شروط اتفاق التحكيم وأثاره / المسائل المتعلقة بالتجريم والعقاب

  • الاسم

    د. باسمة لطفي دباس
  • تاريخ النشر

    2005-01-01
  • اسم دار النشر

    دار النهضة العربية
  • عدد الصفحات

    602
  • رقم الصفحة

    150

التفاصيل طباعة نسخ

المسائل المتعلقة بالتجريم والعقاب

   فالنصوص القانونية المنظمة لهذه المسائل هي نصوص قانونية آمرة تتعلق بالنظام العام، ومن ثم لا يجوز الاتفاق على مخالفتها، كما لا يجوز التصالح عليها. وعليه فإنها تخرج من نطاق القابلية للتحكيم لتعلقها بالنظام العام.

   فمسائل التجريم والعقاب لا  تتعلق بالأفراد فحسب، وإنمـا تخــص المجتمع ككل. فالمجتمع ممثلا بالنيابة العامة هو الذي يقوم بتحريك الدعوى العامة في الجريمة. فالنيابة العامة بوصفها الأمينة على الدعوى العامة، تتلقى الواقعة الجرمية وتقوم بالتحقيق فيها ، وجمع الأدلة، وتعطي للواقعة الجرمية الوصف القانوني الذي ينطبق عليها ، ثم تحيل القضية إلى المحكمة التي تتابع نظر الدعوى في سبيل الوصول للحقيقة.

   هذا وقد أحاط المشرع نصوص قانون العقوبات، والتشريعات الجنائية الخاصة، بعناية خاصة وبكثير من الاهتمام، نظرا لأنها تمثل الضمانة الأكيدة لأمن واستقرار المجتمع ضد أي عدوان .

   وهذا ما أكدته محكمة النقض المصرية في العديد من أحكامها، إذ قضت بأنه: "لا يجوز التحكيم بصدد تحديد مسؤولية الجاني عن الجريمة الجنائية، وإلا غد باطلا لمخالفته للنظام العام، ولما كان من البيّن من محضر التحكيم والصلح محل التداعي، أنه فصل في مسألة جنائية، وهي ما أسند لشقيق الطاعن الثاني من اتهام قبل شقيق المطعون عليه الأول منتهيا إلى ثبوت هذا الاتهام في حقه، بمقولة أنه تبيّن للمحكمين أن شقيق الطاعن الثاني هو القاتل الحقيقي للمجني عليه، وأن باقى المتهمين لم يثبت لديهم اشتراكهم في الجريمة، إذ نفى شقيق المجني عليه إشتراكهم في قتله أو اتهامه لهم ، وأنهم تأسيساً على ذلك حكموا على الطاعنين بدفع مبلغ عشرين ألف جنيه للمطعون عليه الأول، بشرط ألا يرد الاعتداء، مما مؤداه أن التحكيم انصب على جريمة القتل العمد ذاتها، واستهدف تحديد المتهم بالقتل وثبوت الاتهام في حقه، وأنها كانت سبباً للإلزام بالمبلغ المحكوم به على نحو ما أورده حكم التحكيم، وإذ كانت هذه المسألة تتعلق بالنظام العام لا يجوز أن يرد الصلح عليها"، وبالتالي لا يصح أن تكون موضوعاً لتحكيم، مما لازمه بطلان الالتزام الذي تضمنه حكم المحكمين لعدم مشروعية سببه، وإذ خالف الحكم المطعون عليه هذا النظر، فإنه يتعين نقض وبطلان حكم المحكمين . 

   كما قضت أيضاً بأنه: "وإذا كان دفاع المطعون عليه، الذي عول عليه الحكم المطعون فيه في قضائه، أنه اتفق مع الطاعن على الاحتكام إلى شخص طلب من كل واحد منهما أن يحرر على نفسه سندا بمبلغ 1000 احتفظ  بهما ليسلمهما إلى من يثبت أنه له الحق قبل الآخر، وأن الحكم استبان له أن المطعون عليه هو صاحب الحق بعد أن ظهر له أن الطاعن قد حرض على سرقة مواشي المطعون عليه ، فسلمه السند موضوع المطالبة، مما مفاده أن المسألة التي انصب عليها التحكيم، وبالتالي كانت سبباً للالتزام في السند إنما تتناول الجريمة ذاتها وتستهدف تحديد المسؤول عنها ، وهي من المسائل المتعلقة بالنظام العام، فلا يجوز أن يرد الصلح عليها، وبالتالي لا يصح أن تكون موضوعاً لتحكيم، وهو ما يستتبع أن يكون الالتزام المثبت في السند باطلاً لعدم مشروعية سببه، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر، فإنه يكون معيباً بالخطأ في تطبيق القانون بما يوجب نقضه لهذا السبب، دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن"

   الطعن رقم ٧٩٥ لسنة ٦٠ قضائية، الصادر بجلسة ١٩٩٦/٥/٢٦، مجموعة الأحكام الصادرة عن المكتب الفني لمحكمة النقض، السنة السابعة والأربعون الجزء الأول، ص ٨٦٣. 

   الطعن رقم ٥٦٢ لسنة ٤٧ قضائية، الصادر بجلسة ۱۲/۲/ ۱۹۸۰ .مجموعة الأحكام الصادرة عن المكتب الفني لمحكمة النقض، السنة الحادية والثلاثون، الجزء الثاني، ص ۱۹۸۹ .

القضاء المصري والفرنسي، أقر هذا القضاء أن اتفاق التحكيم الذي ينصب محله على تحديد المسؤولية الجنائية للجاني وتقدير التعويض المستحق للمجني عليه، يكون باطلاً في الشق المتعلق بتحديد المسؤولية الجنائية للجاني، أما الشق المتعلق بتقدير التعويض المستحق للمجني عليـه يكون صحيحا. وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض المصرية عندما قضت: لئن كان من غير الجائز التحكيم بصدد تحديد مسؤولية الجاني عن الجريمة الجنائية وإلا عُد باطلاً لمخالفته النظام العام، إلا أنه إذا اشتمل الاتفاق على التحكيم بالقصاء في منازعات لا يجوز فيها ، فإن شأنه شأن سائر العقود، يصح بالنسبة إلى ما يجوز فيه التحكيم، ويقتصر البطلان على الشق الباطل وحده، ما لم يقدم من يدعي البطلان الدليل على أن الشق الباطل أو القابل للإبطال لا ينفصل عن جملة التعاقد.

   لقد أجاز المشرع الصلح في بعض الجرائم مثل الضرب البسيط، نظراً لعدم أهميتها، إضافة إلى أن المدعى عليه في هذه الجرائم لا يشكل خطورة بالغة على المجتمع الذي يعيش فيه، ومع ذلك فإننا نذهب مع ما ذهب إليه البعض، بعدم جواز التحكيم في مثل هذه الجرائم لعدة أسباب أهمها: أن تحديد مسؤولية الجاني وفيما إذا كان فعله يشكل جريمة أم لا، يدخل في اختصاص النيابة العامة على ما ذهبت إليه محكمة النقض. ومن ناحية أخرى إن المشرع وهو بصدد النص على جواز اتفاق الأفراد على الصلح في مثل هذه الجرائم قد حدد الكيفية التي يجب أن يتم بها هذا الصلح، وفي أي وقت يتم حتى يُعتد به، ومن ثم لا يجوز مخالفة هذه القواعد وإلا كان الصلح غيـر منتج لأثره.