اتفاق التحكيم / بيان المسائل المتعلقة بالنظام العام / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / أثر فكرة النظام العام على حكم التحكيم في منازعات العقود الإدارية / المصدر القضائي للنظام العام
تحدثنا في النقطة الأولى أن المشرع ينص بشكل صريح على النظام العام في القواعد القانونية وينص كذلك على عدم جواز مخالفتها مع تعرض التصرفات المخالفة للبطلان، إلا أن هناك نصوص قانونية اخرى غامضة ولا يعرف هل تعتبر من النظام العام أم لا.
ويتوجب على القاضي تحديد هل ترتبط القواعد الموضوعية بالنظام العام ومدى أهمية هذه القواعد وأثرها على الوضع القانوني العام في حال غموض النص القانوني وعدم وجود ما يدل على أن هذه القواعد من النظام العام.
ومع هذا فقد انقسم الفقه إلى إتجاهين بشأن دور القاضي في تحديد محتوى النظام العام، الاتجاه الأول يرى ارتباط النظام العام بالنص القانوني ولا يمكن بأي حال أن يكون مستقلاً عنه، حيث أنه لا يجوز للقاضي أن يمارس دور المشرع وبالتالي حصر النظام العام بالنص المكتوب تجنباً للتشريع القضائي، كما أن دور القاضي يأتي عند نشوء الخلاف ونظر الدعوى مما يعني عدم معرفة المكلفين بأن الأفعال التي يقومون بها يترتب عليها الاخلال بالنظام العام وتوجب البطلان والعقاب، وهذا على خلاف النص المكتوب الذي ينبه المكلفين بعدم إتيان المخالفة فيكونوا على علم مسبق بها، كما وان دور القاضي في تحديد القواعد التي تعتبر من النظام العام بشكل إخلالا بمبدأ الفصل بين السلطات حيث أن القاضي يأخذ دور المشرع في هذه الحالة.
أما الاتجاه الاخر يرى أن دور القاضي في تحديد مضمون النظام العام في القواعد القانونية التي لم ينص المشرع انها من النظام العام ما هو إلا الدور الطبيعي للقاضي، حيث يقع ضمن مسؤوليات القاضي معرفة المفاهيم العامة للنظام العام والآداب العامة التي لم يحدد القانون محتواها بالنص المكتوب، وذهب أنصار هذا الرأي إلى أن "النظام العام بالأصل ليس مفهوماً تشريعياً لأن القانون يعتبر معياراً غير دقيق لتحديد محتواه كذلك فالنظام العام مستقل عن التشريع، وبناء عليه لا يكون ضرورياً معرفة ما إذا كانت القاعدة القانونية مخالفة للنظام العام أم لا، ولكن المهم هو معرفة ما إذا كان التصرف القانوني مخالفا للنظام العام أم لا، لأن ذلك يعطي مفهوم النظام العام طابعاً نسبياً واقعياً، ويعطى القاضي دوراً ضرورياً في تحديد نطاقة".