اتفاق التحكيم / مفهوم النظام العام وعلاقته بعدم القابلية للتحكيم / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / أثر فكرة النظام العام على حكم التحكيم في منازعات العقود الإدارية / النظام العام الدولي الحقيقي
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الفقه الحديث يؤكد على وجود قواعد قانونية مشتركة بين الدول وتحديداً في مجال التجارة الدولية أنشأتها الأعراف التجارية الدولية والمبادئ المنبثقة من نصوص العقود النموذجية، كما أن الاتفاقيات الدولية ساهمت في تشكيل مجموعة من القواعد القانونية المشتركة بين جميع الدول.
كما اتجه القضاء الفرنسي الى إقرار سلطة تطبيق القواعد القانونية المتعلقة بالنظام العام ومعانية السلوك والتصرفات المخالفة لمبدأ حسن النية الذي يجب أن يسمو في العلاقات التجارية الدولية، حيث اعترفت محكمة باريس في حكمها الصادر في 13 أكتوبر من العام 1984 بالنظام العام الدولى الحقيقي وأعتبرت أن تأمين العلاقات التجارية والمالية الدولية تتطلب الاعتراف بنظام عام يحكم العلاقات الدولية، وإذا لم يكن نظاما عامة دولية فهو على أقل تقدير نظام مشترك بين الأنظمة القانونية المختلفة، فمن غير المقبول في مجال التجارة الدولية والتي ترتبط أغلب العقود الدولية بها التحجج بالنظام العام حسب مفهوم القانون الدولي الخاص لمنع تنفيذ العقد او إلغائه، حيث ان الاستقرار في مجال التجارة الدولية مهم جدا لجميع الدول ولاقتصاداتها ولضمان استمرارها بتوفير المتطلبات والحاجات الأساسية.
ويعتبر الدفع بالنظام العام الوسيلة القانونية التي يستبعد بها القاضي في النزاع المطروح أمامه اختصاص القانون الأجنبي متى تعارضت أحكامه مع المبادئ الأساسية والمصلحة العليا التي يقوم عليها المجتمع في دولة القاضي، أو يدفع به لعدم تنفيذ الحكم في دولته سواء أكان حكماً قضائياً أو حكماً تحكيمياً، الا انه وفي مجال العقود الدولية تتمثل مهمة الدفع بالنظام العام في استبعاد القواعد القانونية واجبة التطبيق والتي أختارها الاطراف، بالاضافة إلى استبعاد النظام العام حسب مفهوم القانون الدولي الخاص في حال تعارض مع النظام العام الدولي الحقيقي أو القواعد المشتركة ليتم تطبيق المبادئ الأساسية الدولية كعادات والأعراف التجارية الدولية وما تقضي به المبادئ العامة للقانون والاتفاقيات الدولية، على أعتبار ان النظام العام الدولي الحقيقي يستمد مصادره من القوانين الوطنية وأحكام القضاء الوطني والدولي وكذلك من الأعراف الدولية والمنظمات الدولية المختلفة.
وعليه نستطيع القول أنه وفي مجال العقود الدولية لابد من الحفاظ على مجتمع التجارة الدولية وضمان استقرره والحفاظ عليه، وعدم تعطيل العقود التجارية الدولية سواء أكانت عقوداً خاصة أو إدارية استناداً الى الدفع بالنظام العام، ونعتقد أن ضمان حماية مجتمع التجارة الدولية أولى بالحماية من قواعد القانون الداخلي على اعتبار أن العقود الدولية الشريان الرئيسي لاقتصاد الدول ولتأمينها بأحتياجاتها وتنفيذ مشاريعها الاستثمارية، كما يفترض تطبيق مبدأ حسن النية في العقود الدولية خصوصاً الإدارية منها، فمن غير المقبول أن تتعاقد دولة معينة حسب الأعراف التجارية الدولية والاتفاقيات الدولية، وبعد ذلك تقوم بالدفع بالنظام العام.
والأمر نفسه ينطبق على أحكام المحكمين خصوصاً أن أغلب عقود التجارة الدولية ما لم تكن جميعها تفضل اللجوء الى التحكيم لحل المنازعات بدلاً من القضاء العادي، فحكم المحكم يجب أن يخضع للأعراف التجارية الدولية والاتفاقيات الدولية ويكون الدفع فيه بموجب النظام العام الدولي الحقيقي او القواعد المشتركة الدولية وليس الدفع بالنظام العام حسب مفهومه التقليدي.