اتفاق التحكيم / مفهوم النظام العام وعلاقته بعدم القابلية للتحكيم / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / أثر فكرة النظام العام على حكم التحكيم في منازعات العقود الإدارية / خصائص النظام العام
كما هو معلوم فأن من أهداف النظام العام المحافظة على استقرار المجتمع وعلي قيمه العليا في زمان ومكان محددين، وبالتالي فأن فكرة النظام العام تتغير وتتبدل بما ينسجم مع واقع الحال وبما يحقق المصلحة العليا للمجتمع ويضمن استقراره وتماسكه.
اولا : النظام العام نسبي ومرن
وبما أن النظام العام يمتاز بالاستمرارية والتطور فأن كل ما يمكن عمله وضع معيار مرن لتحديد ما يعتبر من النظام العام، وأفضل معیار يتماشى مع فكرة النظام العام يمكن أن يتجسد بالمصلحة العامة، لأن الأسس التي يقوم عليها المجتمع في دولة ما تختلف من دولة الى دولة اخرى وهذا الاختلاف في الأساس يكسب النظام العام مفهوما نسبية مرنة يتغير من وقت إلى آخر ومن دولة الى اخرى، وبما يعكس التغيرات التي تطرأ على المجتمع والنظام الأيديولوجي والقانوني السائد به.
وعليه فإن النظام العام فكرة مرنة تعبر عن التغيير الذي يحدث في مجتمع معين ويتطور وفقاً لتغيير المفاهيم الاجتماعية والاقتصادية والاخلاقية والسياسية السائدة في المجتمع في زمان معين ومكان محدد، فمثلا تعدد الزوجات يعتبر مقبولا في مجموعة من الدول وفي الوقت ذاته تعتبر مرفوضاً في دول أخرى
ثانيا : الشمولية والعمومية
ويقصد بالعمومية والشمولية هنا أن قواعد النظام العام موجوده بجميع فروع القانون سواء في القانون العام أو القانون الخاص، وتستخدم فكرة النظام العام حسب النصوص القانونية التي تنظمها ويكون أثرها مختلف في كل فرع من الفروع.
والأمر نفسه ينطبق فيما يخص القانون العام فقواعد القانون الدستوري كلها تعتبر من النظام العام مثل القواعد التي تحكم الحريات العامة وحقوق الإنسان أو تلك التي ترسم النظام السياسي للدولة، وينطبق الأمر نفسه على قواعد القانون الجنائي فلا يجوز مثلا فرض جريمة لم ينص عليها القانون.
ويشمل النظام العام قواعد القانون الإداري أيضا، ويتمثل ذلك في صورتين : إحداهما الاجراءات الادارية وهي عبارة عن الطريقة التي تستخدمها السلطة الادارية للتعبير عن إرادتها من حيث تكوين التصرف الاداري وآليات تنفيذه وفصل المنازعات الناشئة، وتنشأ صفة النظام العام للإجراءات الإدارية نظراً لارتباطها بالمصلحة العامة، حيث أن هذه الإجراءات هي التي تضمن حماية المصلحة العامة المرتبطة بها بعد قيام الإدارة باتخاذ القرارات الادارية اللازمة.
هذه هي الصورة الأولى للنظام العام في قواعد القانون الإداري، ويمكننا تسميتها بالنظام العام الإجرائي في مجالات الاجراءات الادارية والقضائية المتعلقة بالدعوى.
أما الصورة الثانية للنظام العام في قواعد القانون الإداري فتمثل بالنظام العام الإجرائي في مجال الإجراءات الإدارية غير القضائية، وتوجد هذه الصورة في مجال الضبط الإداري والذي يمكن تعريفه بأنه مجموعة القواعد والإجراءات التي تتخذها الإدارة انطلاقا من امتيازات السلطة العامة وهدفها الحفاظ على النظام العام في الدولة. وتمكين الافراد من التمتع بحقوقهم وحفظ حرياتهم.
ثالثا : النظام العام يمثل القواعد الآمرة في القانون
وهذه الميزة للنظام العام تعد من المسائل التي يتفق فيها القانون الخاص مع القانون العام، إلا أنها في القانون الخاص تعد سبباً من أسباب المنع وكذلك تسري على ما سبق من وقائع، أما في مجال القانون العام فتظهر فكرة النظام العام كقيد على سلطات الادارة وحريات الأفراد، كما أن فكرة النظام العام تسمح بتوسيع سلطات الضبط الإداري بما يحقق الصالح العام.
وبناء على ما سبق نستطيع القول أن النصوص القانونية ترتبط أساساً بالغايات التي ترغب الجماعات بتحقيقها ويعد القانون الوسيلة التي توصلنا إلى ما نريد، وبطبيعة الحال فأن هذه الغايات هي القيم العليا التي تمنح القانون قيمته ووجوده المنطقي. .