الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اتفاق التحكيم / مفهوم النظام العام وعلاقته بعدم القابلية للتحكيم / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / أثر فكرة النظام العام على حكم التحكيم في منازعات العقود الإدارية / مضمون فكرة النظام العام 

  • الاسم

    عبدالرزاق هاني عبدالرزاق المحتسب
  • تاريخ النشر

    2021-01-01
  • عدد الصفحات

    591
  • رقم الصفحة

    24

التفاصيل طباعة نسخ

مضمون فكرة النظام العام 

   حاول العديد من الفقهاء في ظل عدم وجود تعریف جامع مانع للنظام العام سواءا فقهية أو قضائية تحديد مضمون فكرة النظام العام، خصوصا ان ما يعتبر من النظام العام او ما لا يعتبر من النظام العام يخضع في نهاية المطاف الى السلطة التقديرية للقضاء، ولكن الفقه اختلف في الجوانب التي يشملها النظام العام، فهل تقتصر على الجانب المادي فقط أم انها تمتد لتشمل الجانب المعنوي ايضا والذي تتجسد فيه روح المصلحة العامة سواء من الناحية الاجتماعية أو السياسية أو الأقتصادية.

  ذهب الفقة التقليدي الى ان مضمون النظام العام يجب أن يقتصر على العناصر التقليدية المتمثلة بالأمن العام والسكينة العامة والصحة العامة، وبالتالي تكون حماية النظام العام في الجانب المادي فقط ، بمعني ان تتدخل سلطات الضبط الاداري في منع الاضطرابات الملموسة دون أن تتدخل في حماية النظام العام المعنوي ، كما ذهب بعض الفقه المؤيد لهذه الفكرة الى ان النظام العام الذي يستهدف الضبط الحفاظ عليه يتحدد بطابعه المادي أساسا فهو يتعلق بتجنب الاضطرابات الظاهرة، الا ان حصر مضمون النظام العام بالجانب المادي فقط فيه كثيرة من القصور ولا يحقق المصلحة العامة إلا في جوانب ضيقة ويتجالها في جوانب كثيرة خصوصا بعد التطور الكبير في دور الدولة وانتقالها من الريعية إلى الانتاج بالاضافة الى تدخلها بالحياة الاقتصادية بشكل كبير .

   أضف الى ذلك أن فكرة النظام العام فكرة غامضة وواسعة لا يمكن حصرها بالجانب المادي فقط، لذلك اتجه جانب من الفقة إلى أن فكرة النظام العام تشمل الجانب المادي والأدبي والاقتصادي وتمتد لتغطي كافة صور النشاط الاجتماعي، وكان هذا الاتجاه محل اجماع فقهي لاحق.

  وحسم التشريع المصري والأردني هذا الخلاف حيث اشارة النصوص التشريعية الى الجانب المعنوي صراحة وبأكثر من نص

   أما فيما يتعلق بالقضاء، فقد اتجه مجلس الدولة الفرنسي في بداية الأمر إلى تبني الاتجاه الفقهي الذي ذهب إلى الأخذ بالمفهوم الضيق للنظام العام، ومن ثم لم يعتد مجلس الدولة الفرنسي إلا بالنظام العام المادي مفسرة بذلك فكرة النظام العام تفسيراً ضيقاً . الا أن مجلس الدولة الفرنسي عاد وعدل من موقفة السابق آخذا بالتفسير الواسع للنظام العام، حيث اعترف مجلس الدولة الفرنسي بأن النظام العام في مجال الضبط الاداري يشتمل على النظامين المادي والأدبي في وقت واحد.

وتطبيقاً لذلك قضى مجلس الدولة الفرنسي بمشروعية لائحة ضبط حرمت على النساء ارتداء أي زي للرجال ، وجاء في حيثيات هذا الحكم: " أن من واجب سلطة الضبط الاداري أن تحافظ على الآداب العامة التي اصطلح الأفراد على تقبلها في وقت من الأوقات".

  ومما سبق يتضح لنا أن مجلس الدولة الفرنسي قد أخذ بالمضمون الواسع للنظام العام، وجعله يشمل النظامين المادي والأدبي على حد سواء.

   وقد أكد مجلس الدولة المصري في حكم لاحق صادر في 13 يونيو 1989 برفض الطعن المقدم ضد القرار الصادر من مدير عام الادارة العامة للرقابة على المصنفات الفنية بسحب الترخيص السابق بعرض فيلم "خمسة باب" وكانت الادارة العامة للرقابة قد اتخذت هذا القرار حرصاً على حماية الاداب العامة والمحافظة على الأمن والنظام العام ومصالح الدولة العليا، وذلك نظرا لما يتضمنه الفيلم من مشاهد فاضحة وعبارات ساقطة تصریحاً وتلميحاً، ومن ثم فان القرار الصادر بسحب الترخيص المطعون فيه يكون قراراً صائباً قانونا سواء فيما قام عليه من أسباب او فيما استهدفه من غايات، الأمر الذي يجعل الطعن عليه مفتقرأ سنده القانوني الصحيح ځليقا بالرفض .

   الا انه يجب الملاحظة هنا ان مضمون فكرة النظام العام تختلف بأختلاف فروع القانون حيث أن جميع القواعد القانونية المنصوص عليها بفروع القانون العام تعتبر قواعد قانونية متعلقة بالنظام العام، الا أن القواعد القانونية المنصوص عليها بفروع القانون الخاص لا تعتبر قواعد مرتبطة بالنظام العام إلا تلك القواعد التي ترتبط بالمصلحة العامة.

   اما في مجال القانون الدولي الخاص فيكون الهدف من استخدام فكرة النظام العام استبعاد تطبيق القانون الأجنبي الذي أشارت إليه قواعد الإسناد الوطنية، حيث أن فكرة النظام العام متغيرة من مكان لآخر ومن زمان لآخر بسبب مرونتها ونسبيتها، وبالتالي ما يعتبر مخالفا للنظام العام في دولة معينة لا يعد كذلك في دولة أخرى.

قانون الإجراءات اما في مجال القانون العام فأن جميع القواعد القانونية مرتبطة بفكرة النظام العام سواء في مجال القانون الدستوري الذي يرسم السياسة العامة للدولة ويمثل نظامها العام السياسي فلا يجوز بأي حال من الأحوال الاتفاق على مخالفة القواعد القانونية المتعلقة بالعملية الانتخابية وكذلك الأمر في القواعد القانونية التي تنظم الحريات .