الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اتفاق التحكيم / مفهوم النظام العام وعلاقته بعدم القابلية للتحكيم / الكتب / التحكيم والنظام العام / ماهية قواعد النظام العام الوطنية

  • الاسم

    د. إياد محمد بردان
  • تاريخ النشر

    2004-01-01
  • اسم دار النشر

    منشورات الحلبي الحقوقية
  • عدد الصفحات

    793
  • رقم الصفحة

    389

التفاصيل طباعة نسخ

ماهية قواعد النظام العام الوطنية

   ينبغي التمييز هنا بين أنواع ثلاث من هذه القواعد، يختلف نطاق تطبيقها باختلاف ما إذا كانت العلاقة التحكيمية ذات طابع داخلي أم دولي. وهذه الأنواع هي:

   - قواعد النظام العام بمفهوم قانون الموجبات والعقود في لبنان أي القانون المدني في الدول الأخرى.

   - قواعد النظام العام الداخلية - الوطنية بمفهوم القانون الدولي الخاص والتي يقتصر نطاق إعمالها على العلاقات ذات الطبيعة الخاصة الدولية .

  - قواعد النظام العام الداخلية - الوطنية بمعنى قواعد البوليس أو الأمن المدني أو القواعد ذات التطبيق الضروري.

 قواعد النظام العام بمفهوم القانون الدولي الخاص

مفهومها إمكانية تطبيقها

الفرع الأول: المفهوم

   في نطاق العلاقات القانونية الداخلية يستهدف النظام العام ضمان عدم خروج أطرافها عن القواعد والأحكام القانونية الأخرى. وفي نطاق العلاقات الخاصة الدولية يستهدف النظام العام استبعاد القانون الأجنبي الذي تشير قواعد الإسناد بتطبيقه . وهذه الوظيفة الأخيرة تعطي لإعمال النظام العام في نطاق العلاقات الخاصة الدولية طابعاً استثنائياً يتجسد باستبعاد القاضي للقانون الأجنبي وتطبيقه لقانونه الوطني بصورة استثنائية خروجاً عن المبدأ العام الذي يقضي بوجوب تطبيق القانون الذي تشير إليه قواعد التنازع، وذلك عكس ما هي عليه الحال في تطبيق قواعد النظام العام في العلاقات الداخلية . فلئن كان النظام العام يستبعد الإرادة الفردية التي خالفته فإن ذلك لا يكسب إعمال قواعده الطابع الاستثنائي. إذ أن المبدأ العام في العلاقات القانونية الداخلية هو أن حرية الإرادة ونطاقها يكونان ضمن الحدود التي يقررها المشرع .

   ويترتب على مجمل ما تقدم نتيجة هامة هي أن نطاق النظام العام في إطار العلاقات الخاصة الدولية يضيق عنه فى إطار العلاقات القانونية الداخلية. ذلك أنه إذا كان القانون الأجنبي مخالفاً للنظام العام في بلد القاضي، فإن ذلك لا يستتبع بالضرورة استبعاده لأنه مخالف للنظام العام والقول بعكس ذلك سيؤدي إلى شل وتعطيل منهجية التنازع في كل مرة يكون فيها القانون الأجنبي مخالفاً للنظام العام في قانون القاضي، لذلك يجب لاستبعاد القانون الأجنبي، أن يكون التصادم والتعارض بين أحكام القانون الأجنبي والنظام العام في قانون القاضي موصوفاً بحيث يكون من شأن إعمال قانون أجنبي المساس بالأسس الجوهرية التي يقوم عليها مجتمع القاضي وتطبيقاً لما تقدم فقد قضي بأن القانون الأجنبي الذي يعطي  أفضلية لبعض دائني شركات الضمان يخالف الانتظام العام اللبناني والمتمثل هنا بمبدأ المساواة بين الدائنين.

التطبيقات العملية: مادة الإجراءات الجماعية

الفرع الأول : التطبيقات التحكيمية

  انطلاقاً من الموجب الملقى على عاتقهم والمتمثل بوجوب إصدار قرار تحكيمي يمكن تنفيذه عمد المحكمون إلى التقيد بمضمون المبادى الأساسية في قانون الإجراءات الجماعية والمتمثلة بصورة خاصة بمبدأي وقف الملاحقات الفردية والمساواة بين الدائنين   فمبدأ المساواة بين الدائنين هو إذن الذي برر رفض المحكمين منح المدعي الكفالة المصرفية التي يطالب بها والتي ستؤدي في حال تقريرها إلى تفضيل دائن على آخر .

الفرع الثاني : التطبيقات القضائية

   على خلاف المحكمين، فإن القضاة ملزمون باحترام وتطبيق قواعد النظام العام السائدة في بلدانهم عند البحث في النزاع المعروض عليهم، سواء كان ذلك في إطار العلاقات الداخلية أو الدولية وإن كانت أضيق نطاقاً في هذه الأخيرة. ولا تشذ قواعد قانون الإفلاس أو الإجراءات الجماعية ذات طابع النظام العام عما تقدم، ذلك أن القضاء الفرنسي اعتبر منذ فترة أن المبادى الأساسية التي ترعى قانون الإجراءات الجماعية ذات طابع نظام عام داخلي ودولي .

  وفي قرار حديث نسبياً قضت محكمة الدرجة الأولى في باريس بصدد طلب تنفيذ قرار تحكيمي أدان طرفاً في التحكيم كان خاضعاً لإجراء تقويم قضائي في فرنسا، بأن «قاعدة وقف الملاحقات الفردية في إجراء الإفلاس هي قاعدة ذات  طابع نظام عام دولي واجبة التطبيق في كل مرة يكون فيها طلب إدانة المدين مرتكزاً على سبب سابق لافتتاح الإجراء الجماعي .

   لم يقتصر اجتهاد القضاء الفرنسي على اعتبار قاعدة وقف الملاحقات الفردية من النظام العام الداخلي والدولي، إذ لم يمض إلا القليل من الوقت حتى عمدت محكمة التمييز الفرنسية إلى تقرير هذه الصفة لقاعدة المساواة بين الدائنين ، والذي اعتبرته المحكمة من قواعد النظام العام الداخلي والدولي .

   مما تقدم يتبين استقرار الاجتهاد الفرنسي على وجهته القاضية باعتبار المبادى الأساسية في مادة الإجراءات الجماعية من قواعد النظام العام الداخلية والدولية. إلا أن السؤال الذي يُطرح يدور حول نطاق هذه الوجهة ؟ بتعبير آخر . هل يقتصر هذا الاعتبار على قواعد الإجراءات الجماعية الفرنسية التي تكون واجبة التطبيق استناداً إلى اختيار الأطراف أو المحكم أو لكون التحكيم تم إجراؤه في فرنسا، أو انطلاقاً من افتتاح الإجراء الجماعي بحق شخص من قبل المحاكم الفرنسية؟

   بالنسبة للحالتين الأولين لا توجد أية صعوبة، إذ من المنطقي تطبيق مبادىء الإجراءات الجماعية على كل تحكيم خاضع لقانون الإجراءات الجماعية الفرنسي، انطلاقاً من طابع النظام العام الداخلي الذي يلازم هذه المبادى والتي لا يجوز استبعادها متى تم اختياره لحكم المسألة المطروحة. وهذا يستفاد من قرار محكمة التمييز الفرنسية الصادر سنة ۱۹۹۱ الذي جاء فيه إن هذه المبادىء تفرض حتى في الحالة التي يكون فيها التحكيم الجاري في فرنسا غير خاضع للقانون الفرنسي .

  ويطبق بعض القضاء الفرنسي بدوره هذه الوجهة، رغم أنه لا يتبين من مضمون القرار ماهية القانون الواجب التطبيق، فقد قضت محكمة الدرجة الأولى في باريس سنة ١٩٩٦ برفض تنفيذ القرار التحكيمي الصادر في لندن بسبب مخالفته لقواعد النظام العام الدولي الفرنسي والمتمثلة في القضية برفض المحكم وقف المحاكمة التحكيمية ومتابعتها وإصدار قرار فيها رغم إعلامه بافتتاح الإجراء الجماعي في فرنسا .

  ويشير الفقه بدوره إلى آلية أخرى من شأنها التخفيف من قسوة الأخذ المطلق بمبادىء قانون الإفلاس أو الإجراءات الجماعية وتتمثل هذه الآلية بقيام المحاكم عند عرض قرارات المحكمين عليها بإبطالها جزئياً وإعطاء الصيغة التنفيذية للجزء الآخر .

قواعد النظام العام بمفهوم القواعد ذات التطبيق الضروري

ماهية القواعد ذات التطبيق الضروري

الفرع الأول : المقصود بها

    يعرف بأنها : "القواعد التي يتعين مراعاتها لأجل حماية التنظيم السياسي والاجتماعي والاقتصادي للدولة. ويعرفها غيره بأنها القواعد القانونية التي تطبق دون حاجة إلى إعمال قواعد الإسناد.

   يبدو من هذين التعريفين أن للقواعد ذات التطبيق الضروري وظيفتين : الأولى غائية . انطلاقاً من هدفها إذ تعتبر من قواعد التنظيم التي تستهدف حماية النظم  السياسية والاجتماعية والاقتصادية في الدولة والثانية فنية كونها تفرض استبعاد القوانين الأجنبية دونما حاجة لإعمال قواعد الإسناد.

الفرع الثاني : : أسباب ظهورها

  في الواقع يوجد سببان وراء تكاثر الكلام عن القوانين ذات التطبيق الضروري :

 

بالنسبة للسبب الأول: أن الدور الإيجابي للدولة استدعى ولا يزال تدخلها في المجالات الاجتماعية والاقتصادية لحماية الطرف الضعيف ولتأمين المصلحة العامة عن طريق إصدار قوانين متضمنة لقواعد آمرة تستهدف تحقيق مثل هذه الغاية .

   وعلى الصعيد الاقتصادي، ظهر ما يسمى بقوانين التوجيه الاقتصادية، وفق ما رأته كل دولة مناسباً لها كالقوانين المتعلقة بالرقابة على النقد وسعر الصرف والفائدة وقيود الاستيراد والتصدير والجمارك والمنافسة وعمليات المصارف والبنوك .

  فإن خضوع العقد الدولي لقانون الدولة الذي اختارته إرادة المتعاقدين بمقتضى منهج التنازع، لا يمنع من خضوع هذا العقد للقواعد الآمرة التي تقررها دولة أخرى تنفيذاً لسياستها الاقتصادية والاجتماعية والتي تتسم بصفة قواعد البوليس، والتي هي عبارة عن قواعد محض داخلية يبلغ طابعها الامر حداً يستوجب تطبيقها على المسائل التي تدخل في نطاق سريانها المكاني، ولو كانت العلاقة المطروحة تتسم بالطابع الدولي، الذي لا يكفي لاستبعاد تطبيق قواعد البوليس. فمصالح المجموع والطرف الضعيف أولى وأجدر بالحماية من مصالح الطرف القوي .

  السبب الثاني لظهور القواعد ذات التطبيق الضروري يتمثل بقصور منهجية التنازع عن مواجهة بعض الحالات وعلى وجه التحديد قصور آلية الدفع بالنظام العام المعمول بها في إطار هذه المنهجية .

   ففي منهجية التنازع قد تشير قواعد الإسناد إلى تطبيق قانون أجنبي على النزاع أمام القاضي الوطني، فيعمد هذا الأخير إلى تطبيق القانون الأجنبي ما لم يظهر له أنه مخالف للنظام العام في دولته فيقرر في هذه الحالة استبعاده عن طريق الدفع بالنظام العام وتطبيق أحكام قانونه الخاص بدلاً من القانون الأجنبي الواجب التطبيق أصلاً .

  فتطبيق قانون القاضي هنا لم يكن لأن القانون الوطني بحد ذاته يريد الانطباق، وإنما كان لسد الفراغ الناتج عن استبعاد القانون المختص أصلا. وذلك على عكس قواعد البوليس أو القواعد ذات التطبيق الضروري التي تطبق استناداً إلى إرادة مشرعها بالانطباق بصورة أحادية ودونما حاجة إلى إعمال قواعد الإسناد وكذلك دونما ضرورة للقول بسد فراغ ناتج عن استبعاد ناشيء عن تزاحم بين قاعدتين قانونيتين، تتمتع إحداهما بميزة التطبيق المباشر ومن شأنها إقصاء القواعد القانونية الأجنبية الأخرى مباشرة وبصورة تلقائية بمجرد وجود الحالة التي تنطبق عليها .

   ففي منهجية التنازع يكون للنظام العام دور استبعادي بينما في منهجية قوانين البوليس يكون لهذه القوانين ذاتها صفة النظام العام بما يوجب تدخل هذه القوانين بصورة مباشرة لفرض التطبيق الآمر لبعض الأحكام التي تحفظ تماسك النظام القانوني وفاعليته .

  وهكذا يمكن القول بأن أسباباً جوهرية هي التي دفعت إلى ظهور القوانين ذات التطبيق الضروري، والتي تجسدت بالدور التدخلي للدولة في تنظيم الحياة الاقتصادية والاجتماعية بموجب أحكام ،آمرة، وكذلك ضرورة تبني مفاهيم و مضامين جديدة لهذه الأحكام تساعد على تكملة النقص الذي يوسم منهجية قواعد الإسناد.

الفرع الثالث : معايير تحديد القواعد ذات التطبيق الضروري

  تعددت معايير تحديد القواعد ذات التطبيق الضروري أو قواعد البوليس وانقسم الفقه في ذلك إلى عدة اتجاهات .

  بالنسبة للمعيار الشكلي، فإنه يتخذ من إرادة المشرع أساساً لتمييز القوانين ذات التطبيق الضروري أو قوانين البوليس عن غيرها من القوانين. القانون الذي يحرص المشرع فيه على تحديد نطاق التطبيق المكاني له ، أي نطاق السريان المكاني للقاعدة القانونية الصادرة عنه .

ثمة ملاحظتان على هذا المعيار : -

  الأولى : هى أنه يوقف اكتساب القاعدة القانونية لوصف القاعدة ذات التطبيق الضروري أو قاعدة البوليس على تفسير تنجيمي لإرادة المشرع .

   والثانية : هي أن آلية إعمال قواعد البوليس أو القواعد ذات التطبيق الضروري قد تتعارض ومضمون المعيار الشكلي.

  وبالنسبة للمعيار الوظيفي أو الغائي، فإن القواعد ذات التطبيق الضروري أو قواعد البوليس تعرف وفقاً لوظيفتها وباعتبارها قاعدة من قواعد التنظيم، وكونها كذلك فإنه يتحتم تطبيقها دون تزاحم لأن طابع التنظيم فيها لا يتقبل تدخل القانون الأجنبي .

ثمة ملاحظتان على هذا المعيار:

الأولى: تتعلق باتساع مضمونه

الثانية : تتعلق بتأثيره على قواعد التنازع .

 بخصوص المعيار الفني، فإنه يُميز في إطاره بين فكرتي الإقليمية والنظام العام .

  فيما يتعلق بفكرة الإقليمية، فإنه يعد من قواعد البوليس، القواعد ذات الطبيعة الإقليمية في قانون القاضي.

  يؤخذ على هذا المعيار عدم دقته، إذ ليس كل قانون إقليمي يُعد من قوانين البوليس. فقانون موقع المال مثلاً يُعد قانوناً إقليمياً إلا أنه لا يعد من قوانين البوليس .

   الملاحظة الوحيدة على هذا المعيار هي عجزه عن تبرير التطبيق الآحادي للقواعد ذات التطبيق الضروري أو البوليس الأجنبية المنتمية إلى قانون غير مختص بمقتضى قواعد الإسناد في دولة القاضي .

   ولئن كان الأمر كذلك على صعيد القضاء، فإن الأمر مختلف إلى حد ما أمام المحكمين حيث لا يوجد لديهم قانون اختصاص داخلي يلتزمون بقواعد البوليس أو ذات التطبيق الضروري المنتمية له.