وما قد يعد من النظام العام في دولة معينة، قد لا يعد كذلك في دولة أخرى لذلك يختلف النظام العام بین نظام علمانی و نظام ديني.
فإذا كان مصطلح النظام العام في القانون الداخلي يدل على مجموعة من القواعد الأمرة التى لا يجوز للأفراد الاتفاق على مخالفتها وإلا كانت تصرفاتهم المخالفة بها باطلة.
لذلك فإن دور النظام العام هنا يقتصر على الحد من مبدأ سلطان الإرادة وتقييده، غير أنه في إطار العلاقات الدولية الخاصة يكون له دور مغاير حيث يستخدم كوسيلة يتمكن القاضي بفضلها من استبعاد القانون الأجنبي الذي تشير إليه قاعدة الإسناد الوطنية لمخالفته للمبادئ الأساسية التي يقوم عليها مجتمع القاضي سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو أخلاقية أو الدينية.
التعريف الفقهي للنظام العام :
هناك إذن علاقة تبادلية بين مفهوم النظام العام وبين القواعد الآمرة، فالنظام العام هو السبب في اكتساب بعض قواعد القانون صفتها الآمرة، وهو ما يبرر من ناحية وجود قواعد تصف بأنها قواعد أو نصوص أمرة بقانون التحكيم، كما أنه يبرر البطلان كجزاء وأثر على مخالفة ما يتعلق بالنظام العام.
فمثل المصلحة السياسية ما تقوم عليه روابط القانون العام من دستورية وإدارية ومالية، فإن أكثر روابط هذا القانون تعتبر من النظام العام. وكذلك المصلحة الاجتماعية وما تقوم عليه قواعد القانون الجنائي، ومن هذه القواعد أيضاً ما يحقق مصلحة عامة خلقية. وهناك من روابط القانون الخاص ما يحقق مصلحة عامة اجتماعية كما في كثير من القواعد القانونية المتعلقة بالعمل، أو مصلحة عامة اقتصادية كما في القواعد التي تجعل التنافس حراً مفتوحاً بابه للمجتمع.
ونرى من ذلك أن النظام العام والآداب هما الباب الذي تدخل منه العوامل الاجتماعية والاقتصادية والخلقية، فتؤثر في القانون روابطه وتجعله يتماشى مع التطورات الاجتماعية والاقتصادية والخلقية. وتتسع دائرة النظام العام والآداب أو تضيق تبعاً لهذه التطورات وطريقة فهم الناس تنظم عصرهم وما توافقوا عليه من آداب وتبعاً لتقدم العلوم الاجتماعية.
كل هذا يترك للقاضى، يفسره التفسير الملائم لروح عصره؛ فالقاضي يكاد إذا أن يكون مشرعاً في هذه الدائرة المرنة، بل هو مشرع يتقيد بآداب عصره ونظم أمته الأساسية ومصالحها العامة.
التعريف القضائى للنظام العام :
على أن ما يلفت النظر أن التشريعات التي نصت على فكرة النظام العام كوسيلة للحماية ضد جموح مبدأ سلطان الإرادة أو ضد القوانين الأجنبية التي قد تمس بالمصالح العليا للبلاد، ومنها التشريعات المصرى والإماراتى والكويتي، قد اكتفت بتقريرها دون أن تعرض لمفهومها.
فالدفع بالنظام العام هو استثناء يعطل تطبيق قاعدة الإسناد وهو بهذه المثابة مسألة قانون تخضع بالضرورة لرقابة المحكمة العليا (التمييز أو النقض).