الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اتفاق التحكيم / عدم جواز التحكيم فيما يتعلق بالنظام العام / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / أثر النظام العام عل اتفاق التحكيم ( دراسة مقارنة ) / قيد النظام العام وجزاء الاتفاق على التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها

  • الاسم

    مناحي خالد محمد الهاجري
  • تاريخ النشر

    2012-01-01
  • عدد الصفحات

    639
  • رقم الصفحة

    181

التفاصيل طباعة نسخ

قيد النظام العام وجزاء الاتفاق على التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها

قيد النظام العام في اتفاق التحكيم

   تعتبر فكرة النظام العام من أكثر الأفكار صعوبة في عالم القانون ، ولذلك كان تحديد كنهها ومضمونها أمراً بالغ التعقيد ، والمشقة . ومن هنا كانت صعوبة الوصول في شأنه إلى تعريف محدد. ولقد حاول الفقه أن يجد تعريفاً للنظام العام في إطار صياغات متعددة ومتنوعة . فهو عنـد الـبعض مجموعـة المبـادئ الأساسية التي يقوم عليها النظام العام الاجتماعي واللازمـة لممارسـة الدولـة لوظائفها وترتيب مؤسساتها ، أو مجموعة من الأطر التي يستند إليها المجتمع في بنيته الأساسية .

   أما فكرة النظام العام في التحكيم الدولي مجالاً يختلف كلية عن مجالها في التحكيم الوطني . فهي أضيق نطاق في النوع الأول من التحكيم عنه في النـوع الثاني . إذ يختلف مدى مساس موضع واحد بالنظام العام تبعـاً لتعلـق الأمـر بالتحكيم الوطني أم الدولي . فمسألة قابلية النزاع للحل بالتحكيم يمكن ألا تكـون  مبرراً لعدم تنفيذ حكم التحكيم إذا لم يكن بالحكم مساس واضح وجـدي بالنظـام العام . وذلك بصدد أحكام التحكيم الأجنبية .

    وقد تم تعريف النظام العام في مجال القانون الدولي الخـاص باعتبـاره دفعاً لاستبعاد القانون الواجب التطبيق . فحين يكون القـانون الأجنبـي واجـب التطبيق وفقاً لقاعدة الإسناد الواردة في القانون الوطني مخالفاً للنظام العام ، فإن على القاضي الوطني أن يستبعد هذا القانون من التطبيق في دولته وعلـى هـذا الحكم نصت صراحة المادة 20 من القانون المدني المصري : " لا يجوز تطبيق أحكام قانون أجنبي عينته النصوص السابقة إذا كانت هذه الأحكام مخالفة للنظام العام أو الآداب العامة في مصر "

     أما النظام العام في مجال القانون الداخلي ، فهو أوسع مدى إذ يصب أثره في استبعاد تعاقد ، وكل شرط ورد في العقود ، إذا اصطدم بالنظام العام الـوطني أى أنه يعد قيداً على حرية الإرادة وعلى حدود سلطانها . وهو أمر طبيعي فـي النظام الداخلي ، حيث تتقيد مشروعية العقود ومشروعية شروطها بقيـود عـدم مخالفة القواعد الآمرة في القوانين الداخلية ، وينبني على الاختلاف النسبي بـين وظيفة النظام العام في القانون الدولي الخاص عنها في نظام القانون الداخلي . أن الأول أكثر ضيقاً ، بحكم الطابع الاستثنائي للأخذ به . في حين أن الثـانـي فـي القانون الداخلي أكثر اتساعاً بحكم أنه يعبر عن مبدأ عام وليس عن حالة استثنائية لذلك فإن مخالفة القانون الأجنبي للقواعد الآمرة في القانون الداخلي ( قـانون القاضي ) لا يؤدى بالضرورة إلى استبعاده سواء في مجال القضاء العادي أو في مجال التحكيم .

   وهناك مسائل تدخل في اختصاص محاكم الدولة ولا يجوز الاتفاق على التحكيم لحسمها لاعتبارات المصلحة العامة مثل ( علاقات العمل ) فقـد حـدد المشرع حماية خاصة لطرف علاقة العمل وجعل قواعد العمل حداً أدني لمصلحة العامل يجوز تجاوزه لمصلحته ولا يجوز النزول عن هذا الحد الأدنـي وهـذه الحماية يوفرها قضاء الدولة ولا يجوز اللجوء إلى التحكيم لحسمها . ومن  أمثلة ذلك أيضاً دعوى صحة ونفاذ عقد بيع العقار .

   وهناك الكثير من الأحكام الصادرة عن هيئات تحكيم دولية وضعت صياغة تقرر التفرقة بين النظام العام الدولي والنظام العام الداخلي في علاقة كل منهمـا بمبدأ قابلية النزاع للتحكيم ومن ذلك ما قضى به من أن مبدأ استبعاد المـسـائل التي تتعلق بالنظام العام لا تعنى ، ولم تكن تعنى في أي وقت من الأوقات أن كل نزاع يتعلق بعقد أو عملية يخضع في بعض جوانبه لقواعد النظام العام يخـرج بالضرورة عن القابلية للتحكيم ، وفي نزاع عرض سنة 1991 في  باريس علـى هيئة التحكيم وكان يتعلق بدعوى تحكيمية رفعها تاجر سوري ضد تجار إيطاليين حول تنفيذ عقد بيع معدات حربية للعراق بالمخالفة للحظر المفروض من الأمـم المتحدة . وقد تمسك المحتكم ضدهم بأن النزاع غير قابل للتحكيم عملاً بالنظـام العام الدولي الذي يجعل من الحقوق المتنازع عليها غير قابلة للتصرف فيهـا وبالتالي يستبعد النزاع حولها من نطاق التحكيم . غير أن هيئة التحكــم أقـرت قابلية النزاع للتحكيم مقررة أنه لا يجوز الخلط بين النظام العام الدولي من ناحية ، وقابلية النزاع للتحكيم من ناحية أخرى وأن مجرد قابلية النزاع لتطبيق بعـض قواعد النظام العام لا يعني أن هذا النزاع قد أصبح ، لهذا السبب ، غيـر قابـل للتحكيم . وأن المحكم في احترامه لقواعد النظام العام لا يضحي بالضرورة غير مختص بالفصل فيه ، بل هو يعكس فقط التوسع في اختصاص هيئة التحكيم ، فلا يكون النظام العام مانعاً مبتدأ يحول دون اختصاص هيئة التحكيم ، ولكـن يبقى بالضرورة رقيباً نهائياً بعد صدور الحكم، حيث يراقب القضاء مدى مطابقة أو مخالفة حكم المحكمين للنظام العام . وفي هذا الخصوص ، قد يتطابق منظور القاضي من منظور هيئة التحكيم وقد يختلف معه .

   وفي مصر فإن احترام التحكيم للنظام العام هو الإطار الذي يحمى الصالح. العام الاقتصادي والاجتماعي والديني للمجتمع من شطط الاتفاق أو تجاوز هيئـة التحكيم عندما يكون من حقها اختيار القانون الواجب التطبيق على النزاع وسواء تعلق الأمر بمخالفة قاعدة موضوعية أو إجرائية .

    كذلك نصت المادة 575 من القانون المدني القطرى علـى أنـه : " لا يجوز الصلح في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية أو بالنظام العام ولكن يجوز الصلح على الحقوق المالية التي تترتب على الحالة الشخصية أو التي تنشأ عـن ارتكاب إحدى الجرائم .

   والملاحظ أن من الشروط التي تؤدى إلى صحة اتفاق التحكيم ، أن يكـون موضوع النزاع قابلاً لأن يسند أمر حسمه للتحكيم . وهي مسألة تصب مباشـرة في مدى صلاحية هيئة التحكيم بالفصل في موضوع النزاع ، فإذا كـان الأمـر غير قابل للتحكيم فإن الاختصاص بالفصل فيه يعود إلى القضاء العادي ، وهناك العديد من الموضوعات غير القابلة للتحكيم تصب من حيث المبـدأ فـي حـمـى النظام العام منها المسائل الدستورية ، ومسائل الأحوال الشخصية ، والمـسـائل المتعلقة بالجرائم والعقوبات ، فلا يجوز أن ينصرف أي تحكيم إلى الفصل فـي دستورية قانون أو لائحة أو تفسيره . ولا يجوز التحكيم فـي مـشكلات حالـة الشخص من حيث جنسيته أو أهليته وجوداً أو كمالاً أو نقصاناً ، أو مـن حيـث صفته ذكراً أو أنثى متزوجاً أو أعزباً أو مطلقاً أو أرملاً ، أبا أو ابناً أو مفقوداً ، كما لا يجوز التحكيم في مسائل أو إثبات النسب أو نفيـه ، ومسائل الحضانة والولاية على النفس والولاية على المال كما لا يجوز التحكيم في ثبوت حقـوق الزوجية من حيث وجوب الطاعة ومبدأ الحق في النفقة أو الحق في الطلاق أو الخلع ، كل هذه الأمور لا يصح التحكيم فيها لأنها متعلقة بالنظام العام .