اتفاق التحكيم / عدم جواز التحكيم فيما يتعلق بالنظام العام / الكتب / التحكيم الدولي في تسوية المنازعات التجارية / عدم جواز التحكيم فيما يتعلق بالنظام العام
المرحلة الأولى:
استبعاد أي مسألة تتعلق بالنظام العام أي يحكمها قواعد آمرة في نطاق التحكيم، فالتحكيم لا يجوز إذا كان النزاع يثير تطبيق قاعدة أو أكثر من القواعد القانونية الآمرة فيكون النزاع غير قابل للتحكيم متى ما تعلق بتفسير أو تطبيق نص من النصوص القانونية الإمرة... كما لو تعلق بتسعير إحدى السلع أو المنافسة التجارية والاقتصادية ولما كانت المسائل المتعلقة بالأحوال الشخصية تتعلق بالنظام العام فلا يتصور أن يفصل المحكم في مسائل تتعلق بالطلاق أو البنوة، وفي المسائل المالية المتعلقة بالنظام العام فإنه من غير المؤكد أن يتوصل المحكم إلى حلول مثلا تتعلق بظروف المجتمع اقتصاديا واجتماعيا ولذا يجب استبعاد مثل هذه المسائل من نطاق التحكيم وأبرز مثال على ذلك مسائل المنافسة.
وهذا الاتجاه تأثر بفكرة ربط المحكم بين المسائل التي لا يجوز فيها الصلح حيث لا يجوز فيها التحكيم حيث يؤخذ النظام العام في التحكيم بمفهوم النظام العام في الصلح والنظام العام في التحكيم عانى من هذا الربط. فالصلح يقتضي التنازل عن جزء من الحق ولهذا فمن المنطقي إلا يجوز الصلح إلا حين يكون للأطراف حرية الاتفاق وتعد الحرية غير متوافرة إذا ما وجدت قاعدة آمرة تتعلق بالنظام العام أو الاتفاق المخالف القاعدة أمرة بل قد يقوم على التمسك بكامل الحق، وبهذا الأعمال للربط بين النظام العام في مفهوم الصلح والنظام العام في مفهوم التحكيم وطبق المحكم القواعد الأمرة وغيرها كما لا يتغير إذا كان التحكيم بالصلح فهذا الحكم يكون مقيدا بالقواعد المتعلقة بالنظام العام، وقد أخذ على هذا الاتجاه عدم تقديمه تفسيرا مقنعا للصلة بين القاعدة القانونية الأمرة المتعلقة بالنظام العام وعدم القابلية للتحكيم فالقواعد الأمرة تنوعت ما بين أمره مرتبطة بالمصلحة العامة وأمره مرتبطة بالنظام الاجتماعي.
المرحلة الثانية:
يستبعد من نطاق التحكيم المسائل التي لم يحددها احترام الأطراف للقاعدة الأمرة فلا يكفي لعدم القابلية للتحكيم مجرد قيام صلة بين التحكيم وقاعدة أمره متعلقة بالنظام العام بل يجب أن يستهدف اتفاق التحكيم النقدي المحافظة على النظام العام مثل التحكيم المتعلق بتنفيذ عقد بيع سلعة مسعرة وكان الثمن متجاوزا بالفعل التسعيرة أو العقد الذي فيه مخالفة للقواعد المنافسة فيخشى في هذه الحالة أن يكون الحكم منتميا إلى نظام قانوني لا يعرف التسعيرة أو لا يعطي الأهمية المطلوبة لقواعد المنافسة. ويؤخذ على هذه المرحلة أن القول بأن التحكيم يستهدف مخالفة النظام العام لا يأتى إلا بعد دراسة كاملة لجوانب النزاع موضوعا وقانونا. ومن غير المستحب أن تتوقف القابلية للتحكيم على تحليل موضوع النزاع من كافة جوانبه بل يجب أن يكون المعيار واضحا ومبسطا يمكن إعماله في المرحلة الأولى.
ويقوم على معاملة التحكيم معاملة القضاء بمعنى أن يسمح للمحكمين بنظر النزاع الذي يتعلق بمسائل تتصل بالنظام العام سواء أكان العقد محل النزاع قد خالف أو لم يخالف النظام العام ولكن تكون الرقابة لاحقة أي بعد صدور الحكم أو عند طلب تنفيذه حيث يبطل الحكم الذي لا يحترم القواعد الآمرة وحماية المجتمع والرقابة على احترامها. والبين أن المحكم في التحكيم الداخلي لا بد وأن يطبق أحكام القانون واجب التطبيق وعلى الأخص تلك المتعلقة بالنظام الداخلي.
ولا بد من أن نشير أن نظام التحكيم في القانون السويسري لا يفرق في النزاعات ذات الطبيعة المالية محل التحكيم وبين نزاع يتصل بمسألة تتعلق بالنظام العام. ولا يجوز التحكيم في المسائل التي تتعلق بالأموال العامة للدولة لأنها تخرج عن دائرة التعامل ولا يجوز التصرف فيها ما دامت مخصصة للمنفعة العامة وذلك على خلاف الأموال الخاصة للدولة حيث تخضع لقواعد القانون الخاص وتتميز يقابليتها للتصرف وكذلك لا يجوز التحكيم بشأن تصرف پيرمه القاضي في حق من الحقوق المتنازع عليها فالمنع يستهدف الحفاظ على نزاهة القضاء ومن ثم يكون التصرف المخالف باطلا ويكون الالتجاء إلى التحكيم من قبيل الانتقاص من هذا الضمان. ويمكن القول أن المسائل التي تستبعد من التحكيم هي التي تتصل مباشرة بسلطة الدولة أو المسائل غير المالية التي لا يتصور خضوعها للتحكيم لذلك فإن عدم القابلية للتحكيم ترتبط بوجود الفصل في النزاع عن طريق قضاء الدولة وحده دون مشاركة من قضاء آخر.
فلابد من وجود قواعد أو مبادئ من شأنها أن تلزم طرفي النزاع بعرض خلافهما على قضاء الدولة وحده وتحرم عليها الاتفاق على التحكيم يشأنه.
وهذه المبادئ تتعلق بأداء الوظيفة القضائية، إذ هي لا توجد في القواعد الموضوعية التي تحكم محل النزاع مباشرة وإنما تنتمي أساسا إلى قوانين تنظر أداء الوظيفة القضائية وارتباطها بسيادة الدولة وسلطتها وغيرها من الاعتبارات التي قد تقتضي منع التحكيم بشأن بعض المسائل لذلك فإن النظام العام لا يقصد به مجرد وجود قاعدة آمرة وإنما تلك المبادئ التي تتعلق باعتبارات قصر نظر النزاع على قضاء الدولة دون غيره.