اتفاق التحكيم / عدم جواز التحكيم فيما يتعلق بالنظام العام / الكتب / أثر النظام العام في الحد من اللجوء إلى التحكيم / النظام العام الدولى أمام قضاء التحكيم
إذا كان النظام العام الداخلى هو نسبى مرتبط بالمصلحة العليا الاجتماعية والاقتصادية والخلقية، لمجتمع ودولة ما، فإن النظام العام الدولى هو المصلحة العليا الاجتماعية والاقتصادية والخلقية للمجتمع الدولي، فرشوة المحكمين هي من النظام العام الدولى، وشراء ضمير الشاهد ليعطى شهادة زور تتعلق بالنظام العام الدولي، وبيع المخدرات من النظام العام الدولي.
فما يتطلبه النظام العام الداخلى لكل بلد ولكل مجتمع هو نسبى ويختلف من بلد إلى آخر، أما النظام العام الدولي فهو مشترك بين كل دول العالم. من هنا فإن هناك نظامين عامين النظام العام الداخلي و النظام العام الدولى والحكم التحكيمى الدولى يبطل إذا خالف النظام العام الدولى ولا يبطل حتماً إذا خالف النظام العام الداخلي، أما الحكـــم التحكيمي الداخلي فيبطله النظام العام الداخلى ولا حاجة لإدخال النظام العام الدولي في الموضوع لأن ما يتضمنه النظام العام الداخلي لا شأن له بأحكام النظام العام الدولي.
فالنظام العام الدولى نظرته شاملة وأحكامه عامة تشمل العالم بأسره. فالبغاء وتجارة المخدرات وتجارة الرقيق والرشوة واستغلال النفوذ من النظام العام الدولى. والعقد الذى ظاهره عمولة وباطنة رشوة واستغلال نفوذ هو مخالف للنظام العام الدولي. وليس الأمر ذلك في عقد احتكار مخالف لحرية المنافسة الذي يعتبره القانون الأمريكي في النظام العام الداخلى الأمريكي، وهو ليس من النظام العام الدولي لأن أحكام حرية المنافسة ليست من النظام العام في كل دول العالم.
وقد اتخذ القضاء الفرنسى موقفاً من موضوع النظام العام الدولي عندما طلب من محكمة النقض الفرنسية إبطال حكم تحكيمي سبق حسم النزاع الذى كان عالقاً بين الشركة طالبة الإبطال وبين شركة متضامنة معها شركة أخرى فى التحكيم الثاني وذلك أنه بزعم بموجب حكم تحكيمي سابق تقرر بموجبه تعويضات وعطل وضرر للشركة الأولى والشركة الطرف فى الحكم التحكيمي الثاني المطلوب إبطاله هي شركة متضامنة مع الشركة التى كانت في التحكيم الأول وتذرعت الشركة طالبة الإبطال بأثر القضية المقضية في الحكم السابق الذي تتأثر به الشركة الطرف فى التحكيم الثاني بالتعويضات المقررة في الحكم الأول بحكم تضامنها مع الشركة التي كانت ماثلة في التحكيم الأول. وإن الشركة التي هي مدينة في الحكم الثاني بفعل تضامنها في الحكم الأول والحكم الثانى يجعل منها دائنة متضامنة الأمر الذى يصطدم بقوة القضية المقضية إذ أن النزاع سبق أن حسم في التحكيم الأول، وأن الحكم الثاني يصطدم بقوة القضية المقضية الأمر الذي يخالف النظام العام الدولي..
تطبيق فكرة النظام العام بمفهومه الدولى
ففي قضية عرضت على غرفة التجارة الدولية بباريس، تتلخص وقائعها في أن اتفاقاً تم بين شركة مقاولات فرنسية وأحد كبار الموظفين العموميين في دولة إيران، بمقتضاه تعهد الأخير يبذل مجهوداته و استخدام نفوذه لدى السلطات الإيرانية لترسية تنفيذ أحد عقود الأشغال العامة عليها، وذلك مقابل حصوله على عمولة يدفع نصفها عند الاتفاق والباقي عند إتمام الفوز بالصفقة. وعلى أثر نجاح الوسيط الإيراني فيما وعد به ومطالبته الطرف الفرنسي بدفع باقي مبلغ الصولة، والذي رفض المطالبة الخذ إجراءات التحكيم لدى غرفة التجارة الدولية بباريس، إعمالاً لشرط التحكيم الوارد بالاتفاق المبرم مع الشركة الفرنسية انتهت هيئة التحكيم إلى القضاء ببطلان ذلك الاتفاق لارتطامه ومقتضيات النظام العام الدولي، وجاء بالحكم "على الرغم من أن المدعى (الوسيط) رفض الكشف عن طبيعة مهمته لدى الحكومة الإيرانية، الا أنه يستخلص من وقائع الدعوى أنه كان أحد الموظفين العموميين الكبار آنذاك، وكان تأثيره كبيراً على صناع القرار مما أدى الى تعاقد الشركة الفرنسية واستبعاد مشروعات أخرى منافسة .... وحيث أن العقد محل النزاع يخالف النظام العام الدولي فإن محكمة التحكيم تقضى ببطلاته وترفض طلب المدعى إلزام الشركة الفرنسية بدفع الصولة المستحقة له".