يمكن القول بوجه عام، بأن الحقوق غير المالية تخرج عن إطار التحكيم عموماً ، تقصر نطاق تطبيقها على الحقوق المالية، أي التي تقوم بالمال من جهة، وفي إطار القانون الخاص من جهة أخرى ، إلا حيث ينص القانون صراحة على غير ذلك . ويكون الحق مالياً في إطار القانون الخاص، إذا كان مصدره، كما تقدم، يرجع لأحد مصادر الالتزام التقليدية الخمسة، وهي العقد، والتصرف الانفرادي أو الإرادة المنفردة، والفعل الضار أو العمل غير المشروع، والفعل النافع أو الإثراء بلا سبب، والقانون. فإذا لم يكن الحق مالياً على هذا النحو، فلا يجوز التحكيم فيه.
وكقاعدة عامة، نستدل على كون الحق غير مالي من طبيعة هذا الحق، وأحياناً يؤكد القانون على مثل ذلك، كالنص في القوانين العربية عموماً بأنه ليس لأحد أن يتنازل عن حريته الشخصية، أو أهليته أو التعديل في أحكامها. ومثال ذلك أيضاً ، الحقوق الخاصة بالاسم الشخصي أو اللقب العائلي، والحقوق السياسية والعامة عموماً، والحقوق اللصيقة بالشخص دون غيره مثل المواطنة والجنسية وصلة القربى، وحقوق وصلاحيات سلطات الدولة وعلاقتها مع بعضها ، والأحكام المتعلقة بالميلاد والوفاة، والحقوق (غير المالية) الخاصة بالأحوال الشخصية، مثل الزواج والطلاق والنسب والبنوة، وأيضاً الحقوق المعطاة لشخص معين بصفته الشخصية دون غيره، حتى لو ارتبطت أحياناً بمسائل مالية، مثل الشهادات المدرسية والجامعية، ورخص قيادة السيارات والسفن والطائرات، والإجازة الممنوحة لممارسة مهنه معينة، مثل المحاماة والطب والهندسة والمحاسبة والصيدلة.
وعلى سبيل المثال لو حصل نزاع بين الزوج وزوجته فيما إذا كان يحق للزوج الزواج بامرأة ثانية أم لا، أو حول تطليقها منه، أو حول حضانة ابنهما ، أو كان النزاع حول حق شخص ما في أن يكون موظفاً عاماً ، أو حقه بالترشيح للانتخابات النيابية، أو كان النزاع يتعلق بجريمة، فلا يجوز إحالة النزاع في أي من هذه المسائل للتحكيم، إما لأنها ليست حقوقاً مالية، أو لأنها من مسائل النظام العام .
ولكن يجوز الصلح على الحقوق المالية الخاصة التي تترتب على الحالة الشخصية، أو التي تنشأ عن ارتكاب إحدى الجرائم. وهو مبدأ عام يمكن القول بأنه مقبول ومطبق في مختلف القوانين محل البحث. ومثال ذلك، انتحال (أ ) لاسم وصفة (ب) ، مما يشكل جريمة توجب العقوبة الجزائية من جانب، وعملاً غير مشروع ( فعلاً ضاراً)، موجباً لمسؤولية (أ) المدنية بالتعويض في مواجهة (ب) من جانب آخر. ففي حين لا يجوز الاتفاق بين (أ) و (ب) على إحالة النزاع الخاص بالجريمة للتحكيم وإنما للقضاء الرسمي، سواء عن طريق النيابة العامة أو غير ذلك، يجوز لهما الاتفاق على إحالة حق (ب) المدني بالتعويض في مواجهة (أ) للتحكيم، على أساس المسؤولية التقصيرية، بحيث يتم تسوية هذا النزاع تحكيماً وليس عن طريق القضاء .