يجب أن يتعلق اتفاق التحكيم بنزاع معين بين أطراف الاتفاق أو بعضهم، وإحالة هذا النزاع إلى التحكيم بدلاً من القضاء. لذلك، حيث لا يكون هناك نزاع أصلاً، أو يكون هناك نزاع تمت تسويته ، بـل وتنفيذ التسوية كما هو منصوص عليها بلا خلاف فلا يكون هناك موضوع لطرحه على هيئة التحكيم، ويكون اتفاق التحكيم بإحالة أي مسألة لا خلاف حولها إلى التحكيم، غير ذي موضوع مما يترتب عليه بطلان الاتفاق). ومثال ذلك أن يتفق (أ) مع (ب) على أن الأول له في ذمة الثاني مبلغاً من المال، واتفقا على إحالة هذا الاتفاق على التحكيم أمام محكم منفرد لتثبيته من قبله. في هذا المثال، يجب تكييف الاتفاق على أنه ليس اتفاق تحكيم بالرغم من تسميته كذلك. فمهمة المحكم تسوية النزاع وليس غير ذلك، وحيث لا نزاع بين الأطراف فلا تحكيم.
ويؤخذ النزاع هنا بالمعنى الواسع، بحيث يشمل أي مطالبة أو ادعاء من أحد الطرفين، ضد الطرف الآخر الذي يرفض هذا الادعاء كلياً أو جزئياً ، أو يقبله كلياً ويقر به، إلا أنه يرفض الوفاء بموضوع الادعاء ولا يقوم بتنفيذه (3) . فقد يدعي (أ) بأن له في ذمة (ب) مبلغاً من المال ويرسل له كتاباً بذلك. فيقر (ب) بالدين ،واستحقاقه، إلا أنه ممتنع عن الدفع بالرغم من مطالبته. أو يكون موضوع العلاقة بينهما سند سحب، يتعهد فيه (ب) بدفع المبلغ الوارد في السند لـ (أ) في تاريخ معين. ولما حلّ هذا التاريخ، لم يوف (ب) بالتزامه بالرغم من عدم منازعته فيه، فطالبه (أ) بدفعه إلا أنه بقي ممتنعاً عن الدفع. في هذين الفرضين، إذا كان هناك اتفاق تحكيم، يكون الاتفاق ذي موضوع وهو صحيح. ويكون من مصلحة (أ) في هذه الحالة، استصدار حكم تحكيمي بالدفع ضد (ب) الذي هو بمثابة حكم قضائي، حتى لو أقر المدين صراحة وبوضوح أمام المحكم بالدين في أول جلسة. وبمعنى آخر، فإن امتناع أحد أطراف العلاقة التعاقدية عن الوفاء بالدين المترتب بذمته، يشكل نزاعاً بحد ذاته لغايات الاتفاق على التحكيم والإحالة له بالرغم من عدم وجود منازعة جدية حول هذا الدين .
حتى أن بعض أحكام القضاء اتجهت إلى القول بجواز التحكيم في موضوع سبق وصدر به حكم قضائي اكتسب الدرجة القطعية . ويفترض في هذه الحالة أن المحكوم له لم يشأ أن ينفذ الحكم القضائي، وبالتالي لم يطرحه للتنفيذ الجبري لسبب أو لآخر، وفضل طرح النزاع ثانية، ولكن عن طريق التحكيم هذه المرة. فإذا أبرم اتفاق تحكيم بهذا الخصوص، يفترض فيه أنه تنازل عن حقه بالحكم القضائي، وهذا جائز. وفي هذه الحالة، ليس له بعد أن أبرم اتفاق التحكيم بمحض اختياره أن يتمسك بالحكم القضائي. ويمكن القول بتطبيق المبدأ ذاته على النزاع الذي سبق طرحه على التحكيم وصدر بشأنه حكم تحكيم نهائي. إذ يمكن للطرفين في هذا الفرض التنازل عن حكم التحكيم، وعرض النزاع ثانية على القضاء أو التحكيم بعد إبرام اتفاق تحكيم جديد بشأنه.
وفي جميع الأحوال، يجب أن ينشأ النزاع المالي المحال للتحكيم، عن علاقة أو مجموعة علاقات محددة، سواءً ورد اتفاق التحكيم في صيغة شرط التحكيم، أو مشارطة تحكيم أو في أي صيغة أخرى مما بيناه سابقاً، وإلا كان الاتفاق باطلاً. ومثال ذلك، أن تكون علاقة (أ) و (ب) ناجمة عن عقد بيع واحد ، أو يبرم (أ) مجموعة عقود بيع تتضمن توريد سلع مختلفة لـ (ب)، فيتفقان بعد إبرام العقود، على أن أي نزاع ينشأ عن أي منها تتم إحالته للتحكيم. وقد تكون العلاقة أو العلاقات غير محددة على هذا النحو، ومثال ذلك أن يتفق (أ) مع (ب) مسبقاً على أن النزاعات الناشئة عن أي عقد يبرمانه في المستقبل تحال للتحكيم، أو يحصران ذلك بطائفة من العقود المستقبلية مثل عقود البيع أو عقود المقاولة، أو يتفقان على أن الأفعال الضارة (الأعمال غير المشروعة التي يلحقها أحدهما بالآخر في المستقبل تحال للتحكيم. في هذه الأحوال، لا تكون لديهما علاقة أو مجموعة علاقات محددة، وإنما مجموعة علاقات مستقبلية لم تنشأ بعد ، مما يبعد عنها صفة التحديد. وعلى ذلك، يمكن القول أن العلاقة المحددة هي المعروفة للطرفين عند إبرام اتفاق التحكيم. أما إذا كانت مجهولة، فيكون الاتفاق مرتبطاً بعلاقة أو علاقات غير محددة، مما يؤدي إلى بطلان هذا الاتفاق وفق القواعد العامة.
ويعتبر من قبيل النزاع المحدد، النزاع المنظور أمام المحكمة في حال الاتفاق على إحالته للتحكيم، وتدوين ذلك في محاضر المحاكمة كما سبق القول.
ولا يعني هذا القول، أن النزاع ذاته المتفق على تسويته تحكيماً، يجب أن يكون معروفاً أو محدداً عند إبرام اتفاق التحكيم، إذ كما ذكرنا ، لا خلاف على أنه يجوز الاتفاق على التحكيم بالنسبة لنزاع مستقبلي محتمل، ربما لا يقع بتاتاً . بل أن أغلب النزاعات التي تحال إلى التحكيم عملاً، نجد أنها أحيلت بموجب شرط تحكيم وارد في العقد ذاته موضوع العلاقة الأصلية. في هذه الحالة يكون النزاع غير معروف مسبقاً، ولكنه ناشئ عن علاقة محددة، هي العلاقة التعاقدية بينهما الناجمة عن عقد معين.
وموضوع النزاع ذاته، يجب أن يكون المطالبة بأي حق مالي في إطار القانون الخاص، أي القانون المدني بالمعنى الواسع، بحيث يشمل المنازعات التجارية بالمعنى الضيق، أو في إطار القانون التجاري بالمعنى الواسع، بحيث يشمل ذلك المنازعات المدنية بالمفهوم الضيق. بل نرى أنه يجوز الاتفاق على التحكيم بين الإدارة والمتضرر من القرار الإداري الذي تم سحبه ، أو تم إلغاؤه قضائياً، حول التعويض عن الضرر الناجم عن ذلك القرار، ما دام لم يصدر حكم قضائي قطعي بالتعويض .
ومثال التصرف الإنفرادي، أن تعلن إحدى الشركات عن جائزة لمن يجد لوحة فنية مفقودة. ومثال الفعل الضار، ارتطام سفينتين داخل المياه الإقليمية لدولة الإمارات، أو ارتطام سفينة بميناء دبي. ومثال الفعل النافع، أن يدفع أحد الأشخاص مبلغاً من المال لشخص آخر، معتقداً أنه واجب بذمته، ويتبين له غير ذلك. ومثال القانون أن يفرض نص قانوني وجوب قيام الزوج بدفع مهر لزوجته وفق أسس معينة دون بيان مقدار المهر. في هذه الأمثلة، إذا حصل نزاع مالي بين أحد طرفي العلاقة القانونية حول حقوقه، أو مقدار هذه الحقوق في مواجهة الآخر، فإنه يجوز لهما الاتفاق على إحالة هذا النزاع للتحكيم .
والحق المالي يشمل أي مطالبة مالية أجازها القانون المدني أو التجاري لأحد طرفي العلاقة في مواجهة الآخر. وعلى سبيل المثال، يشمل ذلك في العقود ، المطالبة بالتنفيذ العيني، سواء بالقيام بعمل أو الامتناع عن عمل، والمطالبة بالفسخ أو التعويض، أو باعتبار العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه أو منفسخاً بحكم القانون، وترتيب الآثار القانونية على أي من هذه الأوضاع، وتحديد مدة ممارسة خيار الشرط في حال عدم الاتفاق عليها، وتعيين مدة خيار التعيين وتحديد محل التصرف في هذا الخيار عند عدم الاتفاق وتفسير العقد. وفي التصرف الانفرادي، يشمل ذلك المطالبة بالجائزة التي تم الوعد بها ، أو التعويض عن عدم القيام بذلك. وفي الفعل الضار يشمل الحق المالي المطالبة بالتعويض النقدي عن الضرر، أو بإعادة الحال إلى ما كان عليه، مثل إعادة المال المغصوب إلى صاحبه ، أو بأداء أمر معين متصل بالفعل الضار أو ضمان مثل الشيء الذي تم إتلافه، أو نقص القيمة. ومن أوجه المطالبة في إطار الفعل النافع، إسترداد ما تم قبضه بغير حق، وكذلك إسترداد مكاسبه ومنافعه المقبوضة، والتعويض إذا كان له مقتضى.