الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اتفاق التحكيم / صلاحية الحق المتنازع عليه كمحل للتحكيم / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / اتفاق التحكيم وفقاً لقانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية رقم 27 لسنة 1994 / القابلية وعدم القابلية في مسائل التحكيم في قانون التحكيم الجديد

  • الاسم

    نريمان عبدالقادر
  • تاريخ النشر

    1994-01-01
  • عدد الصفحات

    542
  • رقم الصفحة

    240

التفاصيل طباعة نسخ

القابلية وعدم القابلية في مسائل التحكيم في قانون التحكيم الجديد:

   يعد موضوع القابلية للتحكيم وعدم القابلية من الأمور الهامة التي استرعت انتباه المهتمين بالتحكيم علي المستوي الوطني وانتباه أكبر علي المستوى الدولي، وذلك للتوفيق بين مواقف مختلف الدول في هذا الخصوص وضرورة الوصول الى حل يسمح للتحكيم أن يؤدي دوره على أفضل وجـه وبـأقل قدر ممكن من تدخل المحاكم الوطنية لابطال اتفاقات التحكيم بدعوى أن الموضوع المطروح على التحكيم يدخل في عداد المسائل التي لا يجوز تسويتها عن طريق التحكيم.

أولا : محل اتفاق التحكيم

   هو تلك المنازعة التي يراد حسمها عن طريق التحكيم من المسائل التي يجوز فيها الصلح.

   لذلك يجب أن يتوافر في محل اتفاق التحكيـم الشـروط العامة، ومن ثم يجب أن يكون موجوداً وممكنا ومعيناً أو قابلاً للتعيين وأن يكون مشروعاً. ونظراً لأن محل اتفاق التحكيـم هـو المنازعة التي يراد حسمها عن طريق التحكيم فانه يوجد بوجودها. فمحل اتفاق التحكيم (شرط التحكيم) يوجد مستقبلا في اتفاق التحكيم عند حدوث النزاع، ويكون موجوداً دائما في حالة اتفاق التحكيم (المشارطة) الذي يتم بسبب نزاع قائم بالفعل.

ثانيا : ماهية مسألة القابلية للتحكيم

  تستهدف مسألة القابلية للتحكيم معرفة ما إذا كان من الممكن اللجوء الى طريق التحكيم في سائر المنازعات التي قد تثور بين أطراف التحكيم، أم أن هذا الطريق محظور بالنسبة إلى نوعية أو نوعيات من المنازعات.

ثالثا: نظرة تاريخية لمسألة القابلية للتحكيم

أ- القابلية للتحكيم عند العرب في الجاهلية.

   كما سبق القول لقد عرف العرب قبل الاسلام نظامين للفصل في المنازعات: نظام القضاء ونظام التحكيم.

   كان التنظيم القائم في زمن الجاهلية يعهد إلى محكمين بإختصاص شامل في فض جميع المنازعات، وهو ما يعني أن مسألة قابلية النزاع للتحكيم من عدمه لم تكن قائمة ولم تثر بحثاً يذكر في هذا الصدد. وقد عبر البعض عن هذا الاختصاص الشامل للمحكمين بقوله "وكان للعرب حكـام ترجع اليها في أمورها وتتحاكم في مناقضاتها بموارثيها ومياهها ودمائها".

ب- القابلية للتحكيم في ظل الإسلام والشريعة الإسلامية

   كما سبق القول ان جمهور فقهاء المسلمين قد قالوا بجواز التحكيـم فـي الحـقـوق التي يملك الأفراد التصرف فيها، وهي في الغالب الأموال، أما الأمور التي تتعلق بحقوق الله أو الغير فقد اختلفوا بشأنها.

رابعاً: القابلية وعدم القابلية في مسائل التحكيم في قانون التحكيم الجديد

    الأصل أن يتحدد المحـل بالاتفاق بحيث يكون التحكيم صحيحاً في أي منازعة. وينص المشرع صراحة بالمادة الأولى من هذا القانون على أن يسرى قانون التحكيم الجديـد علـى كـل تحكيم يجـرى فـي مصـر أو كان تحكيماً تجارياً دولياً يجرى في الخارج واتفق أطرافه على اخضاعه لأحكام هذا القانون أيا كانت طبيعة العلاقة القانونية التي يدور حولها النزاع. كما يؤكد ذات المعنى نص (المادة ١٠) من هذا القانون.

   وفي ظل هذا الاتساع والشمول لنظام التحكيم يقدر المشرع أن بعض المنازعات لا يصح تكون محلا للتحكيم، فيكون الاتفاق باطلا اذا ورد عليها لأن محله يكون غير مشروع. ويكون المحل كذلك اذا انصب التحكيم على منازعة تولدت عن حق لا يجوز التصرف فيه.

  فينص صراحة بالمادة الحادية عشر في شقها الثالث والأخير بأنه:

   "لا يجوز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح"

ويتضح من هذا النص ما يأتي:

    يمثل النص الأساس الفقهي والقانوني لما يعرف في التشريعات بفكرة قابلية المنازعات للتحكيم، والتي بمقتضاها يتحدد الإطار الذي يمكـن فـي داخلـه اللجوء الى نظام التحكيم وبحيث تكون المنازعات الخارجة عن هذا الإطار غير قابلة للتحكيم.

   ويجرى المشرع على إستبعاد نوعيات معينة مـن المنازعات من إطار التحكيم. ويحرصر على ابراز المسائل التي لا يجوز فيها التحكيم.

  ونرى أن هذا التحفظ كان ضرورياً لمواجهة ما تضمنته المادة الأولى من هذا القانون سابقة الذكر.

   وهناك ثمة تطابق بين محل التحكيم ومحل الصلح. فما يجوز فيه الصلح يجوز فيه التحكيم، وما لا يجوز فيه الصلح لا يجوز فيه التحكيـم. وهذا تأكيد للمبدأ العـام تـم بـه الربط بيـن قـواعـد التحكيم وقواعد الصلح الموجودة في القانون المدني. وخيراً فعل المشرع المصرى.

   ويؤكد النص ما إستكر في التشريع المصرى من قبل وهو ترديد حرفي وعين نص المادة 4/501 من قانون المرافعات المصري والتي كانت واردة في باب التحكيم والغيت مع غيرها من المواد الخاصة بالتحكيم في هذا الباب بعد نفاذ القانون الجديد (المادة 3) من مواد إصدار هذا القانون.

   وعلة اخراج المنازعات التي لا يجوز الصلح فيها، هي رغبة المشرع في بسط ولاية قضاء الدولة على هذه المنازعات. وهو ما يقتضى أيضاً منع التحكيم بشأنها.

   وقد حددت (المادة 551) مدنى مصرى الحالات التي لا يجوز فيها الصلح بأنها المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية أو بالنظام العام، وأجـاز النص الصلح على المصالح المالية المترتبة على الحالة الشخصية أو التي تنشأ عن ارتكاب احدى الجرائم.

   وتأسيساً على ذلك فانه يشترط لكي يكون محل التحكيم مشروعاً ألا يتم في مسألة تتعلق بالنظام العام أو تتعلق بالحالة الشخصية للفرد.

خامساً: يثور السؤال هل عدم قابلية النزاع للتحكيم أصـل أم إستثناء في قانون التحكيم الجديد؟

   يتفق الفقه المصرى مع ما تواترات به أحكام محكمة النقض المصرية على الأخذ بعبارة أصبحت شهيرة هي أن "التحكيم هو طريق إستثنائي لفض الخصومات قوامه الخروج علـى طـرق التقاضي العادية وما تكفله من ضمانات".

   وخطورة التمسك بالمفهوم الإستثنائي لطريق التحكيـم قـد تبرز في مجال مسألة القابلية للتحكيم، اذ قد يجعل من عدم القابلية للتحكيم الأساس أو الأصل ومن جواز التحكيم الاستثناء على هذا الأصل مع كل ما قد يترتب على هذا التفسير من آثار تهدد نظام التحكيم ذاته.

   ونرى أن الأصل هو جواز التحكيم والاستثناء هو عدم القابلية للتحكيـم فـي قـانون التحكيـم لجديد. وآية ذلك ما يأتي:

- تعبر (المادة ١١) من هذا القانون عن عدم القابلية للتحكيم في مجال منازعات بعينها بقولهـا أنـه لايجوز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح".

- الأصل العام في القابلية للتحكيم قد ردده نص المادة الأولى من هذا القانون بقوله "تسرى أحكام هذا القانون على كل تحكيم بين أطراف من أشخاص القانون العام أو القانون الخاص أيا كانت طبيعة العلاقة القانونية التي يدور حولها النزاع".

- ويردد أيضاً الأصل العام في القابلية للتحكيـم نـص المادة العاشرة من ذات القانون فيقول إن "اتفاق التحكيم هو اتفاق الطرفين على الالتجاء الى التحكيم لتسوية كل أو بعض المنازعات التي نشأت أو يمكن أن تنشأ بينهما بمناسبة علاقة قانونية معينة عقدية كانت أوغير عقدية".

- جاءت نصوص قانون التحكيم الجديد قاطعة في هذا المعنى وعلى غرار ما كانت تجرى عليه (المادة 4/501) من قانون المرافعات الملغي بإعتبارهم قيـداً على الأصـل العـام فـي جـواز التحكيم في سائر المنازعات.

- ويترتب على ذلك عدة نتائج هي:

1- يقع عبء اثبات عدم القابلية للتحكيم على عاتق الطرف الذي يسعى لإستبعاد التحكيم أو إبطاله وليس على عاتق الطرف الذي يتمسك بصحة التحكيم.

2- لا يجوز التوسع في تفسير المسائل التي لا يجوز فيها التحكيم بإعتبار أن عدم القابلية للتحكيم هي إستثناء والقول بغير ذلك مـن شـأنه أن يهدد نظام التحكيم ذاتـه وبـالأقل شـل فاعلية إتفاقات التحكيم والتقليل من إمكانات تنفيذ أحكام المحكمين.

3- يجب أن يتم تفسير فكرة النظام العام ، والتي يحظر القانون المصرى اللجوء الى التحكيم فيهـا - كما سيأتي لاحقا – على نحو مقيد وليس على أساس التوسع في التفسير. ذلك أن قاضي الدولة، اذا كان مناهضا لنظام التحكيم، سوف يمكنه بسهولة لأي سبب قد يراه وجيها أن يربط أية مسألة كانت بالنظام العام كي يستبعدها من نطاق التحكيم، ومـن ثـم يصل إلى تقرير اختصاصـه بهـذه المسألة. ونتفق د. قسمت الجداوي فيما ذهب اليه في هذا الصدد ونقول ان كل من فكرة مع القابلية للتحكيم وفكرة النظام العام في هذا المقام باعتبارهما من المفاهيم القانونية وليستا من مجرد مسائل الواقع، لا يمكن في خضوعهما لتقدير قاضي الدولة أن تفلتـا مـن رقابة ومراجعة محكمة  النقض.

سادساً: القانون الواجب التطبيق على مسألة القابلية للتحكيم في القانون المصري

   تعد مشكلة تنازع القوانين وتحديد القانون الواجب التطبيق في مجال التحكيم من الأمور المعقدة التي اختلف فيها الفقه والقضاء في القانون المقارن إختلافاً كبيراً. ولعل مرجع ذلك في البداية إلى اتسام التحكيم بطبيعة مركبة أو مختلطة كما سبق القول. فيقول أستاذنا د. محسن شفيق "التحكيم ليس اتفاقاً محضاً ولا قضاء محضاً وانما هو نظام يمر في مراحل متعددة ...... فهو في أوله اتفاق وفي وسطه اجراء وفي آخره حكم وينبغي مراعـاة إختلاف هذه الصـور عند تعيين القانون الواجب التطبيق".

   وتبنى القانون المصري في مجال تحديد القانون الواجب التطبيق على المسائل والتصرفات القانونية المختلفة، منهجية تنازع القوانين فأورد في شأنها مجموعة من قواعد الإسناد تضمنتها المواد من 10 إلى 28 من القانون المدني المصري.

   وقواعد الإسناد بحسب المتعارف عليه هي الأداة التقليدية التي بمقتضاها يمكن التوصل إلى تعيين القانون الواجب التطبيق على المسألة محل البحث، وقواعد الإسناد هذه قد تكون مزدوجه الجانب بحيث يمكن أن تعين القانون الوطني أو قانوناً أجنبياً، كما أنهـا قـد تكون مفردة الجانب حيث تقتصر في حالات معينة على تعيين القانون الوطني فقط. غير أن إختيار قاعدة الإسناد الواجبة التطبيق على المسألة محل البحث يسبقه في القانون المصرى ضرورة تكييف هذه المسألة او تحديد نوع العلاقة المراد تعيين القانون الواجب التطبيق عليها.

   وفي ضوء ما سبق سوف نعرض لموضوع تنازع القوانين فـي مجـال القابلية للتحكيـم فـي القانون المصرى، كما يلي: (أ) تكييف مسألة القابلية للتحكيم و(ب) تحديد القانون الواجب التطبيق على هذه المسألة بالنسبة للتحكيم التجاري الدولي.

( أ ) تكييف مسألة القابلية للتحكيم في القانون المصرى

    القاعدة العامة في القانون المضري هي خضوع مسألة التكييف في القانون المصرى كلما كانت هذه المسألة محل بحث بواسطة المحاكم المصرية، وفي هذا الشأن تنص (المادة ١٠) مـن القانون المدني المصري على أن "القانون المصري هو المرجع في تكييف العلاقات في قضية تتنازع فيها القوانين ، لمعرفة القانون الواجب تطبيقه من بينها".

   ويثور السؤال ما هو تكييف مسألة القابلية للتحكيم من وجهة نظر القانون المصرى؟

    الواقع أن هذا التساؤل لم يحظ بعناية خاصة من الفقه المصرى، رغم أنه كان محـل إهتمام من جانب الفقه المقارن الذي إختلف كثيراً في هذا الصدد نظراً لأن عدم القابلية للتحكيـم، منظوراً اليه من زاوية الأثر المترتب عليه، من الممكن أن يـؤدي إلى نتائج مختلفة. فعدم قابلية النزاع للتحكيم يعتبر في عدد من الأنظمة القانونية المقارنة سبباً لبطلان التحكيم أو بالأصح سبباً لبطـلان إتفاق التحكيم ، ومن زاوية أخرى فان عدم القابلية للتحكيم اذا ما تقرر أو قضى به من شأنه على وجه التأكيد أن يجرد اتفاق التحكيم من أثره السالب للإختصاص القضائي لمحاكم الدولة. وكذلك نعدم القابلية للتحكيم يمكن أيضاً أن يكون سبباً لبطلان حكم التحكيم، واذا كان هذا الحكم أجنبياً نعدم القابلية للتحكيم يمكن أن تكون سبباً لرفض تنفيذ هذا الحكم في الدولة المستقبلة له.

   بالنسبة للفقه المصرى نجد أن الذين عرضوا لتكييف مسألة القابلية للتحكيـم قـد مـالوا إلى اعتبار هذه المسألة من شروط صحة إتفاق التحكيم، بحيث يبطل هذا الإتفاق اذا كان النزاع محل إتفاق التحكيم غير قابل للحسم بواسطة التحكيم.

   ويتبنى هذا التكييف قانون التحكيم الجديد بمقتضى نص (المادة ١١) من هذا القانون والذي تضمن حظر التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح، وقد ورد داخل الباب الخاص بإتفاق التحكيم في القانون المذكور وضمن الشروط المستلزمة في هذا الإتفاق، وذلك تعبير واضـح مـن جانب المشرع المصرى على الأخذ في تكييف مسألة القابلية للتحكيم بإعتبارها شرطاً من شروط صحة إتفاق التحكيم.

   ويثور السؤال حول تحديد مدى إلزامية هذا التكييف لكـل مـن القاضي المصري والمحكم عند بحث مسألة القابلية للتحكيم.

1- تكييف مسألة القابلية للتحكيم أمام القاضي المصري

   يقول د.قسمت الجداوي في هذا الصدد ونحن نتفق معه أنه "مما لا شك فيه أن القاضي المصرى يتقيد بالتكييف الذي اعتنقه قانون التحكيم الجديد لمسألة القابلية للتحكيم وذلك بإعتباره مخاطباً بأحكام هذا القانون وملزماً لتطبيق أحكامه.

    غير أنه تجدر الاشارة الى أن تقيد القاضي المصري بهذا التكييف يقوم في سائر الفروض التي يمكن أن تثار فيها مسألة القابلية للتحكيم أمام هذا القاضي.

   فلا شبهة في التقيد بهذا التكييف إذا ما أثيرت مسألة عدم القابلية للتحكيم بصدد تحكيم يجرى في مصر او بصدد تحكيم يجري في الخارج واتفق أطرافه على اخضاعه لأحكـام قـانـون التحكيم المصرى الجديد. ويستوى الأمر في كون الدعوى المرفوعة أمام القاضي المصري في  دعوى مبتدأة بطلب إبطال اتفاق التحكيم تأسيساً على عدم قابلية النزاع للفصل فيه بطريق التحكيم، أو كانت دعوى مرفوعة إلى هذا القاضي في منازعة يوجد بشأنها إتفاق للتحكيم فيدفع فيها ببطلان اتفاق التحكيم تأسيساً على عدم قابلية هذه المنازعة للتحكيم، ومن ثم يطلب من المحكمة الوطنية الفصل في موضوع النزاع ورفض الدفع بعدم قبول الدعوى تأسيساً على (المادة 13) مـن قـانـون التحكيم الجديد ، وهو الدفع الذي كان من الواجب الاستجابة اليه لو كان اتفاق التحكيم صحيحاً.

   كذلك يتقيد القاضي الوطني بالتكييف المذكور كلمـا طـلـب منـه إيطـال حكم التحكيم الذي يصدر طبقاً لأحكام قانون التحكيم الجديد ، ذلك أن أحد أسباب قبول دعوى بطلان حكم التحكيم هو كون الاتفاق على التحكيم باطلاً (المادة 1/53) من هذا القانون. وأن مسألة : عدم القابلية للتحكيم تعتبر سبباً لبطلان اتفاق التحكيم وفقاً للقانون المصرى الجديد.

   أما في مجال تنفيذ القاضي المصرى لأحكام المحكميـن فـانـه يـلزم فـي ظـل القـانون الجديد التفرقة بين وضعين:

- أحكام التحكيم الصادرة في إطار هذا القانون والخاضعة لأحكامه وهي وفقاً لما تقضى به المـادة الأولى من القانون الجديد وهي الأحكام التي صدرت في تحكيم جرى في مصر أو في تحكيم جرى في الخارج واتفق أطرافه على إخضاعه لأحكام قانون التحكيم المصرى. وقد خص هـذا القانون أحكام التحكيم المذكورة بنصوص (المواد من 55 إلى 58) وهو إن لم يذكر صراحة مسألة القابلية للتحكيم ضمن الشروط التي تطلبها للأمر بتنفيذ تلك الأحكام، فإنه لا شبهة في ضرورة تقيد القاضي الأمر لمسألة القابلية للتحكيم وتكييفها وفقاً للقانون المصرى عند النظـر في إصدار الأمر بالتنفيذ، طالما أن عدم القابلية للتحكيم يؤدى الى ابطال اتفاق التحكيم وهو ما يؤدي بالتبعية الى اعتبار حكم التحكيم باطلاً ، اذ أن ما يبنى على الباطل فهو باطل، ومن غير المنطقي أن يستلزم المشرع المصرى قابلية النزاع للتحكيم كشرط لصحة اتفاق التحكيـم ولا يستلزمه عند الأمر بتنفيذ حكم المحكمين، وكأنه يسقط باليسار ما استلزمه باليمين.

- أما أحكام التحكيم الصادرة في الخارج ولم يخضعها الأطراف لأحكام قانون التحكيم المصرى فهذه لا تدخل في مجال سريان هذا القانون حسبما يستفاد من نص المادة الأولى منه. ومع ذلك تظل هذه الأحكام خاضعة لمفهوم التكييف المقرر في القانون المصرى بالنسبة لمسألة القابلية للتحكيم. ويؤكد ذلك نص المادة ٢٩٩ من قانون المرافعات المصرى وهي التي تعتبر سارية على أحكام المحكمين المذكورة والتي فلتت من سريان قانون التحكيم الجديد، وهـي مـادة مـا زالت قائمة ولم تلغ بنفاذ هذا القانون الجديد، حيث تستلزم هذه المادة صراحة أن يكون حكـم التحكيم الصادر في الخارج قد صدر في مسألة يجوز التحكيـم فيهـا. كل ذلك فضلا عن أن اتفاقية نيويورك لسنة 1958 في شأن الإعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية وهي الإتفاقيـة التي تعتبر جزءاً من التشريع المصرى وتكون من ثم واجبة الاعمال وفقاً لنص (المادة 301 من قانون المرافعات المصرى والمادة الأولى من قانون التحكيـم الجديد) فقد نصت الاتفاقيـة صراحة على حق القاضي المصري في رفض الاعتراف وتنفيذ حكم المحكمين الصادر في الخارج اذا كان قد صدر في نزاع لا يجوز تسويته عن طريق التحكيم (مادة ١/٢/٥) مـن الإتفاقية وهو ذات الأمر الذي أخذت به اتفاقيات دولية تعتبر جزءا من التشريع المصري، ومن بينها مثلا اتفاقية تنفيذ الأحكام بين دول الجامعة العربية لسنة 1953 (مادة 1/3) من هذه الاتفاقية.

2 - تكييف مسألة القابلية للتحكيم أمام المحكمين ونعتقد في هذا المقام بملائمة التفرقة بين التحكيمات التي تدخل في نطاق سريان أحكام قانون التحكيم المصرى، وتلك التي تفلت من هذا النطاق.

- ففي التحكيمات التي تخضع لقانون التحكيم المصري، وهي على ما سبقت الاشارة التحكيمـات التي تجري في مصر أو التي تجرى في الخارج ويتفق على خضوعها لهذا القانون، نعتقد بوجوب تقيد المحكيمن بالتكييف السائد بالقانون المصرى لمسألة القابلية للتحكيم بإعتبارها من شروط صحة إتفاق التحكيم. ذلك أن المحكم في هذا النطاق انما يستمد اختصاصـه مـن ذات الاتفاق على التحكيم، وهو الاتفاق الذي جعل قانون التحكيم المصرى صحته مرهونة بقابلية النزاع للفصل فيه عن طريق التحكيم. فإهدار المحكم لتكييف القابلية للتحكيم بوصفها شرطا من شروط صحة اتفاق التحكيم واتباعه لتكييف آخر في هذا المجال قد يؤدى به الى تطبيـق قـانون آخر غير القانون المصرى الواجب التطبيق على مسألة القابلية للتحكيم، وهو ما قد يعصف في النهاية بإختصاصه في نظر التحكيم والفصل فيه.

  وتجدر الاشارة في هذا المقام الى أن قانون التحكيم الجديد قد حرص على النظر إلى مسألة بطلان اتفاق التحكيم باعتبارها من المسائل المؤثرة على اختصاص هيئة التحكيم بنظر النزاع، وعلى هذا الأساس نصت (المادة ١/٢٢) من هذا القانون على أن تفصل هيئة التحكيم في الدفوع المتعلقة بعدم اختصاصها بما في ذلك الدفوع المبنية على بطلان اتفاق التحكيم.

(ب) القانون الواجب التطبيق على مسألة القابلية للتحكيم في القانون المصرى

    يخضع قانون التحكيم الجديد وجوباً في مجال التحكيمـات التـي يسـرى عليهـا هـذا القانون بمقتضى نص المادة الأولى منه، مسألة القابلية للتحكيم لأحكام القانون المصرى طالما أنه قد نظم القواعد التي تسرى على اتفاق التحكيم في تلك التحكيمات (مادة 10 وما بعدها)، كما حظر الاتفاق على التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح، ولا يتصور منطقيا أن يخضع ، هذا الحظر أي عدم القابلية للتحكيم، لقانون آخر غير القانون المصرى، بينمـا أن تلك التحكيمـات قد خضعت بالنص الصريح لأحكام قانون التحكيم المصرى.

   لذا يمكـن القـول بـان قـانون التحكيـم يـأخذ بقاعدة اسناد مفردة الجانب أو بقاعدة فورية التطبيق، بمقتضاها تخضع التحكيمات التي يسرى عليها هذا القانون، وهي تلك التي تجرى في مصر أو تجري في الخارج واتفق الأطراف على اخضاعها لأحكام القانون المذكور، لقواعد القانون المصرى وحده التي تنظم مسألة قابلية النزاع للتحكيم من عدمه،وذلك دون أية مزاحمة من قانون آخر.

   أما التحكيمات التي لا يسرى عليها قانون التحكيم الجديد وهي التي تجرى في الخارج ولا يتفق فيها على تطبيق هذا القانون، فهي تخرج بحسب الأصل عن مجال تطبيق القانون المصري. ومع ذلك فأحكام التحكيم التي تصدر في هذه التحكيمـات باعتبارها بالنسبة لمصر أحكاماً أجنبية فانها في حالة استقابلها في مصر، أي في حالة طلب تنفيذها فيها، يلزم بمقتضى حكم كل من (المادة ٢٩٩) مرافعات، وهي التي تنص على أن أحكام المحكمين الصادرة في بلد أجنبي يجب أن تكـون صـادرة في مسألة يجوز التحكيم فيها طبقاً للقانون المصرى، (والمـادة ١/٢/٥) من اتفاقية نيويورك لسنة ١٩٥٨، وهي التي تنص على امكانة رفض الدولة المستقبلة لتنفيذ حكم التحكيم الأجنبي اذا ما تبين أن النزاع الذي صدر فيه هذا الحكـم لا يـجـوز تسويته عـن طريق التحكيم وفقا لقانون هذه الدولة المستقبلة.

سابعا: تعداد المسائل التي لا يجوز فيها التحكيم " تعداد فقهى ":

   حاول الفقه المصرى منذ فترات غير قصيرة أن يضـرب الأمثلـة أو يضـع تـعداداً لهذه المسائل التي لا يجوز فيها التحكيم بحكم كونها غير قابلة للصلح وهذا التعداد ليس تعداداً نهائياً أو غير قابل للمراجعة. وانما هو مجرد اجتهاد فقهى من جانب الفقه المصري في تفسير الحالتين الرئيستين التي يمتنع فيهما التحكيم، وهما حالة المسائل المتعلقة با لحالة الشخصية وحالة المسائل المتعلقة بالنظام العام).ونذكر منها:

( أ ) عدم جواز التحكيم في المسائل ذات الطابع الاجرائي البحت

    يشترط بطبيعة الحال ألا تكون المسألة المعروضة على التحكيم ذات طابع اجرائي بحـث ومثال ذلك أنه لا يجوز التحكيم حول ما اذا كانت الخصومة أمام محكمة الدولة قد زالت بسبب اجرائي كالسقوط أو الترك أو اعتبارها كأن لم تكن أم لا، ولا يجوز التحكيم حول ما اذا كان حكم قاضي يقبل الطعن أو لا يقبلـه أو اعتبار الخصوم حـاضرين أو غائبين في الجلسـة أمـام قـضـاء الدولة. ولا يجوز التحكيم فيما اذا كانت دعوى رد القاضي قائمة على أساس أو على غير أساس حيث ينظم القانون الاجرائي هذه المسألة تنظيماً خاصا يتعلق بالنظام العام.