الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اتفاق التحكيم / صلاحية الحق المتنازع عليه كمحل للتحكيم / الكتب / التحكيم في القوانين العربية / الحقوق المالية

  • الاسم

    د. حمزة أحمد حداد
  • تاريخ النشر

    2014-01-01
  • اسم دار النشر

    دار الثقافة للنشر والتوزيع
  • عدد الصفحات

    528
  • رقم الصفحة

    168

التفاصيل طباعة نسخ

الحقوق المالية

     إذا كان الحق مالياً، ولكن لا تجوز المساومة عليه بالتنازل عنه كلياً أو جزئياً، فلا يكون قابلاً للصلح، لأن الصلح يتضمن بالضرورة مثل هذا التنازل ونستدل على عدم جواز التنازل عن الحق المالي وبالتالي الصلح عليه، إما من النصوص القانونية، أو المبادئ القانونية العامة التي يستدل منها ،ذلك لحماية مصلحة هي أقرب للمصلحة العامة، منها للمصلحة الخاصة في رأي المشرّع .

     ومثال ذلك ما تقضي به القواعد العامة في القوانين المدنية العربية، من أنه لا يجوز التصرف بالأموال العامة المخصصة لمنفعة عامة، أو الحجز عليها ، أو تملكها بمرور الزمان . ومثاله أيضاً، أن حصص الورثة في التركة محددة في القانون، فلا يجوز الاتفاق على خلافها، أو تغيير هذه الحصص بالاتفاق زيادة أو نقصاً ، أو الاتفاق على إعطاء نصيب من التركة لغير الوارث على أنه وارث ومثاله كذلك الرسوم المقررة قانوناً لجهة معينة مقابل خدمة تقدمها تلك الجهة للآخرين، والتي يحظر القانون التنازل عنها أو المساومة بشأنها ، مثل رسوم النقابات المفروضة على المنتسبين لها كالمحامين والأطباء والمهندسين والصيادلة. ومن ذلك أيضاً، حق الامتياز العام للدائن على جميع أموال المدين، وحقوق الامتياز للضرائب والرسوم المستحقة للحكومة.

   ويستدل من النصوص القانونية المنظمة لهذه الحقوق، بأنها مقررة بنصوص آمرة لا يجوز الاتفاق على خلافها. ويعني ذلك أنه لا يجوز الصلح فيها، وبالتالي لا يجوز التحكيم بشأنها.

   ومن الحقوق المالية الأخرى التي لا يجوز الصلح فيها، الحق بطلب بطلان العقد، وهو من النظام العام . فلا تجوز المصالحة على عقد باطل بالتنازل مثلاً، عن البطلان من قبل أحد الطرفين مقابل عوض معين يأخذه من الآخر. ومثال ذلك أيضاً ، الحجز التحفظي أو التنفيذي على مال لا يجوز الحجز عليه.

    يمكن أن نقرر إذن ، كمبدأ عام بأنه إذا كانت المسألة المالية من النظام العام، فإنه لا يجوز الصلح عليها ، ومن ثم لا يجوز الاتفاق على التحكيم فيها ، وإلا كان الاتفاق باطلاً. ولكن ليس بالضرورة أن يكون العكس صحيحاً. بمعنى أنه ليس كل مسألة قابلة للصلح، يجوز أن تكون محلاً أو موضوعاً للتحكيم. فالمشرع قد يرى، لسبب أو لآخر، عدم جواز التحكيم في بعض المسائل بالرغم من جواز الصلح فيها. ومثال ذلك عدم جواز الاتفاق على التحكيم في المنازعات بين الموكل والوكيل في الوكالة التجارية وفق ما نص عليه القانون الإماراتي على النحو الذي سبق ذكره. وكما تقدم، استقر الاجتهاد القضائي بالنسبة لهذه المسألة على عدم جواز الإحالة للتحكيم في العلاقة بين الموكل والوكيل وفق شروط معينة، حيث ينحصر الاختصاص للقضاء الوطني حصراً، بالرغم من أن هذه العلاقة، يجوز أن تكون موضوع مصالحة بين الطرفين .

   ولكن، كما نرى إذا كان للمشرع مبرر لحظر التحكيم بالصلح في المسائل المالية الخاصة التي لا يجوز الصلح فيها، فلا مبرر لذلك في التحكيم بالقانون فالمحكم في التحكيم بالقانون، مثله مثل المحكمة ، سيقضي بحكم القانون، وليس وفق قواعد العدل والإنصاف، وإلا كان حكمه معيباً يعرضه للطعن في حدود ما ينص عليه القانون على الأقل لمخالفته للنظام العام وبمعنى آخر، حبذا لو أجاز المشرّع التحكيم بالقانون في المسائل المالية التي لا يجوز فيها الصلح، وقصر الحظر فقط على التحكيم بالصلح في تلك المسائل. 

   ولتوضيح ذلك، نضرب مثلاً خاصاً بالمسألة الإرثية. فلو كانت حصة كل من (أ) و (ب) و (ج) في الميراث هي الثلث لكل منهم حسب القانون.

    إلا أنهم اتفقوا بعد وفاة مورثهم على تعديل هذه الحصص، بحيث يعطى (أ) نصف الميراث وكل من (ب) و (ج) الربع ، وأن أي خلاف بينهم تتم تسويته عن طريق التحكيم، بواسطة محكم منفرد (د). حصل الخلاف بينهم حول هذا الاتفاق، فأحيل إلى ( د ) لتسويته. الأصل في هذا المثال، أن يقضي (د) بحكم القانون، فيتوجب عليه الحكم ببطلان الاتفاق، وأن الحصص الإرثية يجب توزيعها حسب القانون، أي الثلث لكل منهم. ولو رفع النزاع أمام المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع، فلن تقضي بغير ذلك. أما لو اتفق الأطراف على تسوية النزاع عن طريق التحكيم بالصلح، فإن من صلاحية المحكم تعديل الحصص الإرثية بحيث يعطي، مثلاً، لـ (أ) الربع ويعطي لـ (ب) الخمس، والباقي لـ (ج) وهذا غير جائز. في حين لو قدم النزاع ذاته للمحكمة، فإنها لن تقضي إلا بما يقضي به القانون، ولا يجوز لها الصلح أو المساومة على مقدار الحصص الإرثية. ومن هذا المنطلق، نكرر القول بأنه حبذا لو منع القانون الاتفاق على التحكيم بالصلح في المسائل التي لا تقبل الصلح، وأجاز التحكيم بالقانون في هذه المسائل.