الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اتفاق التحكيم / صلاحية الحق المتنازع عليه كمحل للتحكيم / الكتب / قضاء التحكيم / قابلية النزاع لأن يكون محلا لاتفاق التحكيم

  • الاسم

    م.د محمد ماهر ابو العنين
  • تاريخ النشر

    2010-01-01
  • اسم دار النشر

    مؤسسة دار الكتب
  • عدد الصفحات

    1156
  • رقم الصفحة

    423

التفاصيل طباعة نسخ

قابلية النزاع لأن يكون محلا لاتفاق التحكيم

     لا يكفي لصحة اتفاق التحكيم أن يكون محله معيناً ومحدداً وخالياً من العيوب، بل يجب بالإضافة إلى ذلك أن يرد الاتفاق على مسألة تقبل الفصل فيها عن طريق التحكيم، وهذا الموضوع يعنى بالدرجة الأولى بالمصلحة العامة، التي أحاطها المشرع بسياج من الأمن، بحيث لا يجوز للأطراف الاتفاق على المساس بها بالتعرض لها في اتفاقهم على التحكيم.

     والأصل أن التحكيم جائز فى كافة المنازعات التجارية والمدنية والعقود الإدارية، سواء أكانت المنازعة ذات طبيعة عقدية كعقود البيع والشراء والمقاولات واستغلال النفط، أو ذات طبيعة غير عقدية كالتصرف الفردى والمنافسة غير المشروعة والتعويض الناتج عن المسئولية التقصيرية، إلا أن المشرع قيد هذا التوسع الذي يرد على محل التحكيم بما قرره في المادة الحادية عشر من قانون التحكيم بأنه لا يجوز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح، وهذه المسائل تتعلق بداهة بقواعد النظام العام والمسئولية الجنائية والحالة الشخصية كالجنسية والأهلية وغيرها من المسائل التي تستطيع القول عنها بأنها تلك المسائل التي يرجح فيها المصلحة العامة عن مصلحة الأفراد، نظراً لتعلقها المباشر بالأمن الاجتماعي والسياسي والشريعة الغراء.

    وهنا يظهر الفارق الكبير بين القضاء والتحكيم إذ أننا نجد أن القضاء يختص بالنظر في كافة أنواع المنازعات نظراً لعدم إمكانية تطرق القاضي الوطني لأى قانون آخر غير القوانين التي وضعها المشرع المصرى، والتي وضع فيها كافة المقومات الشرعية والاجتماعية والسياسية للمجتمع، بعكس التحكيم، الذي لا يستطيع أن يتطرق إلا للموضوعات التي أجاز له القانون أن ينظرها، ويكون للمحكم هنا مطلق الحرية فى الاستعانة بأي قانون أخر اتفق عليه الأطراف بكامل حريتهم .

    وهنا وفي مجال التحكيم لا يستطيع المشرع أن يسيطر على هذه التحكيمات إلا من خلال النص على عدم جواز المساس بمسائل معينة يرى فيها آنها توازن بين حرية الأطراف في إبرام ما يشاءون من تصرفات، وبين تقييد هذه الحرية بعدم مساسها بالنظام العام، وبكافة المسائل التي تتعلق بالقواعد الأمرة التي لا يجوز الاتفاق على مخالفتها، أو تطبيق قواعد قانونية لبلد أخر داخل المجتمع غير تلك القواعد الأمرة التي نص عليها القانون الوطني، والتي تحمي أمنه ومستقبله.

    وعندما جاء الإسلام اختلف الفقهاء فى آرائهم حول مسألة القابلية، فذهب الحنابلة إلى أن التحكيم جائز في سائر الحقوق سواء ما كان منها متعلقا بحقوق العباد أو كان متعلقا بحقوق الله، أما الحنفية فقد ذهبوا إلى أن التحكيم جائز في سائر المجتهدات كالطلاق والنكاح وغيرها، وغير جائز فى الحدود والقصاص وقد أجاز الشافعية التحكيم في الأموال فقط ومنعوه فى النكاح والقصاص القذف أما المالكية فقد أجازوا التحكيم في الأموال والجروح دون الحدود والقصاص في النفس والنسب والطلاق والرشد، لأن هذه الحقوق لا تتعلق بالعباد.

     وذهبت المادة ٥٥١ من القانون المدنى المصرى والتي نصت على أنه "لا يجوز في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية أو بالنظام العام، ولكن يجوز الصلح على المصالح المالية التي تترتب على الحالة الشخصية، أو التي تنشأ عن ارتكاب احدى الجرائم".

    أما اتفاقية نيويورك فتنص فى مادتها الخامسة بأنه يجوز للسلطة المختصة في البلد المطلوب إليها الاعتراف وتنفيذ حكم المحكمين أن ترفض الاعتراف والتنفيذ إذا تبين لها أن قانون البلد لا يجيز تسوية النزاع عن طريق التحكيم.

    أما القانون النموذجي فقد نص فى المادة ٣٤ على أنه لا يجوز للمحكمة المسماة أن تلغى أى قرار تحكيم إلا إذا وجدت المحكمة أن موضوع النزاع لا يقبل التسوية بالتحكيم وفقاً لقانون هذه الدولة".

     وتأتى أهمية تحديد المسائل المتعلقة بالقابلية من عدمه نظراً للنتائج الخطيرة التي تترتب على عدم احترام تلك القواعد وأهمها:

     أولا: أنه إذا ما اتفق الأطراف على التحكيم فى أى مسألة تتعلق بالنظام العام أو في مخالفة أى قاعدة آمرة لا يجوز الاتفاق على مخالفتها، فإنه يكون مال هذا الاتفاق البطلان المطلق، ويستطيع أى طرف أو كل من له مصلحة أن يطلب إيطال هذا الاتفاق أو الحكم الصادر فيه بل ويستطيع القاضي الوطني أن يتصدى من تلقاء نفسه لإبطال هذا الاتفاق أو الحكم الصادر بناء على هذا الاتفاق.

     ثانيا: أنه سواء أكان التحكيم داخليا أو دوليا ويراد تنفيذه داخل بلد القاضي، فإنه إذا ما استشعر القاضى أن هذا الاتفاق أو الحكم بحسب الأحوال مخالف للنظام العام أو للقواعد الآمرة داخل بلدة فإنه يجوز له أن يرفض تنفيذ هذا الحكم لمخالفته للنظام العام.

    ثالثاً: أن المحكم عند بحثه لمسألة عدم القابلية بناء على الدفع المقدم من أحد الأطراف تأسيساً على مبدأ الاختصاص بالاختصاص أن يضع في اعتباره قانون البلد المراد تنفيذ الحكم فيها، حتى لا يكون حكمه معرضاً للبطلان المطلق فإذا كان حكمه فاصلاً في مسألة تتعلق بالنظام العام فى هذه الدولة، فإنه يجب عليه أن يفصل ببطلان اتفاق التحكيم وإنهاء الخصومة المترتبة عليه لتعلقها بمحل غير قابل للتحكيم فيه.

    والقواعد القانونية المتعلقة بالأحوال الشخصية تهتم بالمسائل المالية التي تنتج عنها وهى مما يجوز فيها الصلح وبالتالي يجوز فيها التحكيم.

     أما في القانون السعودى فقد نصت المادة الأولى من لائحة نظام التحكيم السعودي على عدم جواز التحكيم فى المسائل التي لا يجوز فيها الصلح كالحدود واللعان بين الزوجين وكل ما هو متعلق بالنظام العام، وكذلك الحال أيضا بالنسبة للقانون التونسى فقد نصت المادة ٢٦٠ من القانون رقم ١٣٠ لسنة ١٩٥٩. نصوص التحكيم فى قانون المرافعات التونسى على أنه لا يجوز التحكيم في المنازعات المتعلقة بالحالة الشخصية باستثناء الخلافات المالية الناشئة عنها".