اتفاق التحكيم / صلاحية الحق المتنازع عليه كمحل للتحكيم / الكتب / شروط اتفاق التحكيم وأثاره / محل التحكيم في الأنظمة القانونية الوضعية ومعيار القابلية للتحكـيم
محل التحكيم في الأنظمة القانونية الوضعية ومعيار القابلية للتحكـيم
لا يكفي أن يكون محل التحكيم موجوداً ومعيناً، بل يجب فوق ذلك أن يكون مشروعاً غير مخالف للنظام العام، أو الآداب العامة، بمعنى أن يكون المحل من المسائل القابلة للتحكيم وإلا كان الاتفاق باطلا.
ولا يوجد أي قيد على عملية التحكيم. سوى ما نص عليه المشرع المصري في المادة (۱۱) من قانون التحكيم المصري رقم (۲۷) لسنة ۱۹۹٤: من عدم جواز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح.
ونخلص مما تقدم وفيما يخص القابلية للتحكيم أن المشرع الفرنسي:
1- أخرج المعاملات الداخلية من نطاق القابلية للتحكيم، وذلك فيما يخص معاملات الدولة والأشخاص الاعتبارية العامة، وذلك عندما نص على عدم جواز لجوء الدولة، والأشخاص العامة إلى إبرام اتفاقات تحكيم في مجال المعاملات الداخلية، وقصر ذلك - أي جواز اللجوء إلى التحكيم - علـى المعاملات الدولية، وذلك من خلال ربطه القابلية للتحكيم بفكرة سيادة الدولة.
2-حظر إبرام شرط التحكيم في المعاملات المدنية، فبقيت هذه المعاملات خارج نطاق القابلية للتحكيم، في حين أنه أجاز إبرام شرط التحكـیم في المسائل التجارية فقط، ولكنه استطاع أخيراً وبموجب القانون الصادر في ١٥مايو ۲۰۰۱ أن يوسع من نطاق شرط التحكيم فأصبح هذا الشرط جائزا إذا تعلق بنشاط مهني (المادة ٢٠٦١ بعد تعديلها) .
3- أخيراً ربط القابلية للتحكيم ، بفكرة النظام العام، وذلك بالنص على عدم جواز التحكيم في المسائل المتعلقة بالنظام العام (المادة ٢٠٦٠ من القانون المدني الفرنسي).
وأما عن موقف المشرع المصري من مسألة القابلية للتحكيم:
فقد نصت المادة الأولى من قانون التحكيم المصري رقم (٢٧) لسنة ١٩٩٤ على أنه: "مع عدم الإخلال بأحكام الاتفاقيات الدولية المعمول بهـا في جمهورية مصر العربية ، تسري أحكام هذا القانون على كل تحكيم بين أطراف من أشخاص القانون العام أو القانون الخاص أيا كانت طبيعة العلاقات القانونية التي يدور حولها النزاع إذا كان هذا التحكيم يجري في مصر، أو كان تحكيماً تجارياً دولياً يجري في الخارج واتفق أطرافه علـى إخضاعه لنظام هذا القانون".
كما نصت المادة (۱۱) من ذات القانون على أنه: "لا يجوز الاتفاق على التحكيم إلا للشخص الطبيعي أو الاعتباري الذي يملك التصرف في حقوقه".
من النصين آنفي الذكر يتضح لنا : أن المشرع المصري – وكما سبق القول- قد أجاز للدولة ومؤسساتها وهيئاتها العامة ولكافة الأشخاص الاعتبارية العامة، الدخول في اتفاقات تحكيم تبرم بينها وبين الأشخاص العامة أو بينها وبين أشخاص القانون الخاص. ولم يقيد هذه الأشخاص الاعتبارية العامة بأي قيد، فقد أجاز لها اللجوء إلى إبرام اتفاقات تحكيم سواء على صعيد المعاملات الداخلية أو على صعيد المعاملات الدولية.
وهذا ما نصت عليه الفقرة الثانية المضافة للمادة الأولى من قانون التحكيم المصري رقم (۲۷) لسنة ١٩٩٤ بموجب القانون رقم (۹) لسنة۱۹۹۷ الخاص بتعديل بعض أحكام قانون التحكيم رقم (٢٧) لسنة ١٩٩٤ : "بالنسبة إلى المنازعات الإدارية يكون الاتفاق على التحكيم بموافقة الوزير المختص أو من يتولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة، ولا يجوز التفويض في ذلك.
كما نلاحظ أن المشرع المصري حدد نطاق القابلية للتحكيم من خلال نص المادة (۱۱) من قانون التحكيم رقم (۲۷) لسنة ١٩٩٤: " لا يجوز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح. وحددت المادة (٥٥١) من القانون المدني المصري المسائل التي لا يجوز فيها الصلح بأنها تلك المتعلقة بالحالة الشخصية، أو بالنظام العام.
نخلص مما تقدم إلى ما يلي:
1- إن المشرع المصري نفى أي علاقة بين القابلية للتحكيم وفكرة السيادة . بدليل أنه أجاز للدولة ومؤسساتها، وهيئاتها العامة، ولكافة الأشخاص الاعتبارية العامة، الدخول في اتفاقات تحكيم تبرم، سواء بينها وبين أشخاص القانون العام، أو بينها وبين أشخاص القانون الخاص، وسواء علـى صعيد المعاملات الدولية، أو حتى على صعيد المعاملات الداخلية، مما مفاده أن معاملات الأشخاص الاعتبارية العامة لا تخرج عن نطاق القابلية للتحكيم، وسواء أكانت معاملات دولية أم داخلية. وهنا يتبدى لنا الفارق مع التشريع الفرنسي الذي ربط القابلية للتحكيم بفكرة السيادة، ولم يسمح للدولة والأشخاص العامة الدخول في اتفاقات تحكيم على صعيد المعاملات الداخلية، وإن كان قد أجاز لها ذلك على صعيد المعاملات الدولية تحت تأثير الظروف الاقتصادية والدولية.
2- لا تخرج المنازعات الإدارية المتعلقة بالعقود الإدارية عن نطاق القابلية للتحكيم، ولكن ضمن قيد وحيد وهو أنه يلزم الحصول على موافقة الوزير المختص أو من يتولى اختصاصه، من أجل إبرام اتفاقات تحكـیم بشأن المنازعات المتعلقة بالعقود الإدارية. على أنه لا يجوز التفويض بإعطاء الموافقة.
3- وأخيراً فقد ربط المشرع المصري القابلية للتحكيم بفكرة القابلية للصلح، وهذه بدورها تؤدي بشكل أو بآخر إلى ربط القابلية للتحكيم بفكرة النظام العام، حيث لا يجوز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح، وقد حدد القانون المدني الحالات التي لا يجوز فيها الصلح بأنها المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية أو بالنظام العام.
توصلنا من دراسة مواقف الدول من مسألة القابلية للتحكيم، إلى أن هناك دولا ضيقت من نطاق القابلية للتحكيم، وأن دولاً أخرى وسعت من هذا النطاق، في حين أن هناك مجموعة من الدول اتخذت موقفاً توفيقياً وسطاً بين الاتجاهين السابقين ... نصت عليه المادة الثانية، الفقرة الأولى من اتفاقية نيويورك لعام ١٩٥٨: " تعترف كل دولة متعاقدة بالاتفاق المكتوب الذي يلتزم بمقتضاه الأطراف بأن يخضعوا للتحكيم كل أو بعض المنازعات الناشئة أو التي قد تنشأ بينهم بشأن علاقة قانونية معينة، سواء أكانت علاقة تعاقدية أم غير تعاقدية متى تعلقت بمسألة يجوز تسويتها بطريق التحكيم".
فيشترط لكي ينتج اتفاق التحكيم أثره طبقاً لاتفاقية نيويورك لعام ١٩٥٨، أن يرد على محل قابل للتحكيم، أي على مسألة يجوز تسويتها بطريق التحكيم.
فقد ربطت الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالتحكيم، التزام الدول بالاعتراف باتفاق التحكيم بكونه يرد على محل قابل للتحكيم، أي على مسألة يجوز تسويتها بطريق التحكيم ، ومن ثم لم تحاول وضع قاعدة موضوعية تلتزم بها كل الدول الأعضاء.
وهنا يُطرح التساؤل عن القانون الواجب التطبيق على مسألة القابلية للتحكيم؟
أن معيار القابلية للتحكيم يرتبط بشكل عام بفكرة القابلية للصلح، فما لا يجوز فيه الصلح لا يجوز في التحكيم. ولا يجوز الصلح في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية والنظام العام.
وعليه إذا كانت المنازعات المراد الاتفاق على التحكيم بشأنها، تتعلق بالحالة الشخصية، أو النظام العام، فإنها تخرج عن نطاق القابلية للتحكيم، والعكس بالعكس.
ولذلك يتعين علينا بيان المقصود بكل من المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية، والنظام العام. وهنا يثور التساؤل التالي:
هل مجرد تعلق النزاع بقواعد النظام العام يشكل عائقاً أمام اللجوء إلى التحكيم، أم لابدَّ أن يكون هناك تعد صارخ على هذه القواعد، حتى يمكن القول بعدم القابلية للتحكيم؟