اتفاق التحكيم / صلاحية الحق المتنازع عليه كمحل للتحكيم / الكتب / الوسيلة الفنية لإعمال الأثر السلبي للإتفاق علي التحكيم، ونطاقه / مسائل الاحوال الشخصية البحته
تحديد مسائل الأحوال الشخصية كان مثارا لخلاف شديد بين الشراح ، والمحاكم في مصر : كماعاني نفسه التشريع الوضعي المصري ، فلم يكن هذا الإصطلاح " الأحوال الشخصية معروفا لدى فقهاء الشريعة الإسلامية الغراء (1) ، ولم يذكر المشرع الوضعي المصري هذا الإصطلاح في لائحة ترتيب المحاكم الشرعية ، عند بيانه الاختصاص تلك المحاكم ، وإنما استعمل عبارة " المواد الشرعية " .
يختلف تحديد المقصود بالأحوال الشخصية من دولة إلى أخرى ، فبعض الدول تضيق من نطاق مفهوم الأحوال الشخصية . والبعض الآخر منها يوسع من نطاق مفهومها . ففي فرنسا، يدخل في مدلول الأحوال الشخصية : الحالة ، والأهلية ، ولكن هذا الإصطلاح يكون له محلولا أوسع في إيطاليا ، حيث يشمل إلى جانب الحالة ، والأهلية : المواريث ، الوصايا ، والهبات ، إستنادا إلى مابين نظام الإرث ، والروابط العائلية من وثيق الصلات .
محاولات القضاء المصري لتحديد المقصود بالأحوال الشخصية : عرفت محكمة النقض المصرية الأحوال الشخصية ، في الحكم القضائي الصادر منها في الحادي ، والعشرين من شهر يونية سنة 1934 ، حيث قررت فيه أنه : " المقصود بالأحوال الشخصية : هي مجموعة مايتميز به الإنسان عن غيره من الصفات الطبيعية ، أو العائلية التي رتب القانون الوضعي المصري عليها أثرا قانونيا في حياته الإجتماعية ، ككونه نگرا ، أو أنثى ، وكونه زوجا ، أو أرملا ، أو مطلقا ، أو إبنا شرعيا ، أو أبا وكونه تام الأهلية ، أو ناقصها ، لصغر سن ، أو عته ، أو جنون ، وكونه مطلق الأهلية ، أو مقيدها بسبب من أسبابها القانونية.
ويلاحظ على حكم محكمة النقض المصرية المتقدم ذكره ، تأثره في ذلك بتعريف الفقه الفرنسي للحالة ، حيث أنه لم يميز بطريقة ظاهرة بين الحالة ، والأهلية ، إذ اعتبر الأخيرة ض من الأولى ، مع أنها في الواقع نتيجة لها (). أما الأمور المتعلقة بالمسائل المالية ، فكلها - بحسب الأصل - من الأحوال العينية . فالوقف ، الهبة ، الوصية ، والنفقات - وعلى اختلاف أنواعها - ومناشئها من الأحوال العينية ، غير أن المشرع الوضعي المصري وجد أن الوقف ، الهبة ، والوصية كلها من عقود التبرعات ، وتقوم غالبا على فكرة التصدق المندوب إليه ديانة ، فألجأه هذا إلى اعتبارها من قبيل مسائل الأحوال الشخصية .
محاولات المشرع الوضعي المصري لتحديد المقصود بالأحوال الشخصية :. حاول المشرع الوضعي المصري تحديد المقصود بالأحوال الشخصية مرتين :
المرة الأولى : في نص المادة ( 28) من لائحة التنظيم القضائي للمحاكم المختلطة - والصادرة سنة ۱۹۳۷ - والتي صدرت بعد توقيع اتفاقية منترو عام 1937، والتي اعطت المحاكم المختلطة الإختصاص بنظر مسائل الأحوال الشخصية للأجانب ، إلى جانب المحاكم القنصلية ، وتنص المادة ( 28) من لائحة التنظيم القضائي للمحاكم على أنه :
تشمل الأحوال الشخصية المنازعات والمسائل المتعلقة بحالة الأشخاص ، وأهليتهم ، أو المنطقة بنظام الأسرة . وعلى الأخص ، الخطبة والزواج ، وواجباتهما المتبادلة ، والمهر ، والدوطة ، ونظام الأموال بين الزوجين ، والتطليق ، والطلاق ، والتفريق ، والبنوة ، والإقرار بالأبوة وإنكارها ، والعلاقات بين الأصول ، والفروع ، والإلتزام بالنفقة للأقارب والأصهار ، وتصحيح النسب ، والتبني ، والولاية ، والوصاية ، والقوامة ، والحجر ، والإذن بالإدارة ، والغيبة ، واعتبار المفقود ميتا ، وكذلك المنازعات ، والمسائل المتعلقة بالمواريث ، والوصايا ، وغيرها من التصرفات المضافة إلى مابعد الموت".
تقسم مسائل الأحوال الشخصية إلى مواد متصلة بالأحوال الشخصية البحتة ، ومواد تصل بالمصالح المالية - أي تتصل بالمال - والأولى : وهي مسائل تتعلق بالنظام العام ، . ومنها : المسائل المتعلقة بالنسب ، الزواج ، الطلاق ، البنوة ، الحضانة ، ثبوت الوراثة ، تحديد سن الولد ، وما إذا كان قد بلغ سن الرشد ، أو لم يبلغه بعد ، وغيرها من المسائل المتعلقة بالحالة .
لايجوز التحكيم في المواد المتصلة بمسائل الأحوال الشخصية البحتة ، فلايجوز التحكيم في خصومة تتصل بما إذا كان الولد شرعيا ، أم متبني ، أم لاينتسب إلى أسرة ما ؟ ، أو خصومة تتصل بما إذا كان عقد الزواج صحيحا ، أم باطلا ؟ . أو خصومة تتصل بما إذا كان شخص ما يعتبر وارثا ، أم غير وارث ؟. أو في خصومة تتعلق بحضانة طفل رضيع ، أو بحقوقه على والديه ؟ . أو في خصومة تتعلق بالحجر على شخص ، باعتبار أن أحكام الحجر تكون متعلقة بالنظام العام ، وكل اتفاق يخالف أحكامه بشأنها يقع باطلا ، تطبيقا لنص المادة ( 48 ) من القانون المدني المصري ، والتي تنص على أنه :
" ليس لأحد النزول عن أهليته ولا التعديل في أحكامها ..
يجوز الإلتجاء إلى نظام التحكيم ، للفصل في المنازعات الناشئة عن الآثار المالية لمسائل الأحوال الشخصية ، كالإتفاق بين الورثة على التحكيم ، لحصر ، وتوزيع التركة ، أو بالنسبة للنفقة بين الزوجين ، والأقارب ، أو التعويض عن فسخ الخطبة ، أو فيما يترتب على عقد الزواج الباطل من آثار ، أو في تنظيم إدارة التركة قبل تقسيمها ، إلى غير ذلك من المصالح المالية المتعلقة بالأحوال الشخصية .
فالمصالح المالية التي تترتب على الحالة الشخصية - كالحق في النفقة ، أو الميراث - يصح الإتفاق على التحكيم في نزاع يتصل بها ، لأنه يجوز الصلح عليها . إذ أن حظر الإتفاق على التحكيم إنما يكون قاصرا على الحالة الشخصية في ذاتها ، دون ما يترتب عليها من آثار مالية . .