ومن ثم فإن هناك مسائل غير قابله للتحكيم وهي محدده وفقاً للنصوص التشريعية وتختلف فلسفة هذه المسائل من دولة لأخرى، حيث أنها تخضع لفلسفة النظام العام لكل دولة.
وقد تناول المشرع المصري مسألة قابلية النزاع للتحكيم من عدمه فوضع قاعدة عامة في هذا الشأن حيث نص في م١١ تحكيم على أنه"...لا يجوز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح" وقد سبق أن وضحت م٥٥١مدني مصري المسائل التي لا يجوز فيها الصلح حيث نصت على أنه لا يجوز الصلح في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية أو بالنظام العام ولكن يجوز الصلح على المصالح المالية التي تترتب على الحالة الشخصية أو التي تنشأ عن ارتكاب إحدى الجرائم".
أنه يجوز للسلطة المختصة في البلد المطلوب إليها الاعتراف وتنفيذ حكم المحكمين أن ترفض الاعتراف أو التنفيذ إذا تبين لها:
1- أن قانون ذلك البلد لا يجيز تسوية النزاع عن طريق التحكيم.
2- أن في الاعتراف بحكم المحكمين أو تنفيذه ما يخالف النظام العام في هذا البلد.
فمثلاً جريمة الاختلاس من أموال البنك لايجوز فيها التحكيم، والاستحالة قد ترجع إلى طبيعة المحل أو إلى حكم القانون . ولا يقصد بلفظ موجوداً أن يكون المحل الخاضع لاتفاق التحكيم موجوداً وقت التعاقد، فالمحل الذي سيكون موجوداً في المستقبل يجوز أن يخضع لاتفاق التحكيم، فقد نصت م۱/۱۳۱على أنه يجوز أن يكون محل الالتزام شيئاً مستقبلاً". كما يجب أن يكون المحل الوارد عليه اتفاق التحكيم مشروعا، ومن ثم فإنه لا يجوز التحكيم في المسائل المتعلقة بالنظام العام، وفقاً لما نصت عليه م ٢/١١ تحكيم مصري وكذا ما أوضحه الشارع في نص م ١٣٥مدني مصري حيث أشار إلى أنه إذا كان محل الالتزام مخالفاً للنظام العام أو الآداب كان العقد باطلاً".
كما أنه لا يجوز التحكيم حول منازعة تتضمن مخالفة لتشريعات الصرف الأجنبي، حيث ذهبت محكمة النقض الفرنسية إلى أنه يجب التفرقة بين شرط التحكيم في اتفاق باطل لمخالفته تشريع الصرف الأجنبي وذلك الذي يتضمنه اتفاق صحيح وإنما يتوقف نفاذه على ترخيص الجهة المختصة .
والتصالح في جرائم البنوك يمثل للجاني أو المخالف فرصة لاستئناف نشاطه الاقتصادي، مستفيداً من سلبية الخطأ الذي وقع فيه، وبالتالي سيحرص كل الحرص على عدم الوقوع فيه، كما أن هذا النظام يعتبر مؤشر استقرار للحياة الاقتصادية بما يرتبه من إصلاح للخلل الذي وقع فيه الطرف الآخر نتيجة قيام هذا الإصلاح على شكل ودي يكفل لكل طرف حقوقه، ونتيجة أن هذه المؤسسات تهتم كثيراً بسمعتها الاقتصادية، فدخول بنك بوابة القضاء في جريمة ستشكل له نقطة سوداء في مسيرته، وسيترتب عليها تخوف الكثير من العملاء، كون الجميع يعلم أن البدايات الخاطئة ستعطي نهايات خاطئة، وأيضا ما يترتب على سلوك المسلك القضائي من آثار إعلاميه ستكون لها نتائج سلبية على مسيرة البنك، بعكس التحكيم أو الصلح الذي يغلب عليه الطابع الودي، ويتم فيه معالجة الخطأ بشكل سريع .فالحبس والإيقاف والشطب عقوبات قد تؤدي في نهايتها إلى القضاء على مردود اقتصادي كبير، نتيجة خطأ يمكن تلافيه وحل إشكاليته بشكل سهل ومرن، بعيداً عن غلو القضاء وتعقيداته ومما لاشك فيه أن نظام الصلح والتحكيم يراعي ظروف المتهم ويحقق مصلحته.
ومن ثم فإن على أطراف النزاع أن يعوا نقطة هامة، وهي بما أن هذا النزاع قابل للصلح فإنه بالإمكان تسويته عن طريق التحكيم ومن ثم فأنه يجب على هيئات التحكيم في مثل هذه القضايا ان تكون حريصة على مصالح الدولة ورعايتها.
وقد نص المشرع المصري على التصالح في جرائم البنوك من خلال نص م۱۳۳ من قانون البنوك بموجب القانون رقم ١٦٢ لسنة ٢٠٠٤ حيث نص على أن" للبنوك الخاضعة لأحكام هذا القانون التصالح في الجرائم المشار إليها في المادة (۱۳۱) منه ولو كان قد صدر بشأنها الطلب المنصوص عليه في هذه المادة، وذلك في أية حالة تكون عليها الدعوى فإذا تم التصالح قبل صدور حكم بات فيها يشترط لنفاذه إتمام الوفاء بحقوق البنك وفقاً لشروط التصالح، وفي حالة صيرورة الحكم باتا لا يكون التصالح نافذاً إلا إذا قام المحكوم عليه بالوفاء المسبق بمستحقات البنك. ويحرر عن التصالح محضراً موثقاً يوقعه أطرافه وتكون له قوة السند التنفيذي، وتخطر به جهات التحقيق أو المحكمة المختصة، ويعتبر التصالح بمثابة تنازل عن الطلب ويترتب عليه انقضاء الدعوى الجنائية عن الواقعة محل التصالح بجميع أوصافها ويحصل عن التوثيق رسم تحدده اللائحة التنفيذية لهذا القانون بما لا يجاوز النصف في المائة من قيمة الحقوق المتفق على الوفاء بها وفقاً لشروط التصالح. فمن خلال هذا النص نجد أن المشرع المصري قد أجاز التصالح للبنوك الخاضعة لهذا القانون أي قانون البنوك رقم ٨٨ لسنة ٢٠٠٣م والمعدل بالقانون رقم ١٦٢ لسنة 2004 وقد حدد المشرع المصري البنوك الخاضعة لهذا القانون من خلال نص م ۳۰ والتي نصت على " مع عدم الإخلال بالاتفاقيات والقوانين الخاصة بإنشاء بعض البنوك تخضع جميع البنوك التي تمارس عملياتها داخل جمهورية مصر العربية وفروعها في الخارج لأحكام هذا القانون."
وبالعودة لنص م۱۳۱ نجد أن المجني عليه في الجرائم التي يجوز فيها التصالح هو أحد البنوك الخاضعة لقانون البنوك، ومحل التصالح يتمثل في الحقوق المالية للبنك.
وقد انتقد بعض الفقه هذا النص من خلال أن التصالح وفقاً له يكاد يكون مستحيلاً في بعض القضايا، كون المشرع اشترط الوفاء بجميع حقوق البنك بما فيها الفوائد، وهذا مخالف لطبيعة الصلح طبقاً للقانون المدني،حيث ينزل كل طرف عن جانب من إدعاءاته في مقابل الحصول على ما تبقى له من حقوق . إلا أن هذا الرأي قد خالف الصواب حيث أننا نتفق مع الرأي الآخر الذي فسر النص بشكل واسع، فبما أن المشرع قد نص على "الوفاء بحقوق البنك وفقاً لشروط التصالح فمن هذه العبارة نستنتج أن التصالح قام على شروط، فالمتهمون وفقاً لهذا الفرض لا يوفون بحقوق البنك كاملة، فطالما هناك شروط للتصالح، فإن البنك يكون قد تنازل عن جزء من دينه لأن هذا هو جوهر التصالح. فالقول بالتزام أطراف التصالح بالوفاء بكامل حقوق البنك يستلزم منا القول أنه لا يوجد مجال هنا للحديث عن تصالح. ونحن نتفق مع الرأي الثاني كون أن هذا الرأي يتوافق مع هدف المشرع من التصالح، فالهدف هو استعادة الأموال حتى لو أدى الأمر إلى التنازل عن الفوائد الباهظة التي تفرضها البنوك، مما أدى إلى تعثر العملاء في السداد وعندئذ فبالإمكان أن يكون محور التصالح حول هذه الفوائد.
ومن باب تسليط الضوء على نظام التصالح الذي استحدثه المشرع المصري في قانون البنوك فإننا سنشير إليه مجملاً حيث أن الإضافة فتحت المجال أمام التحكيم في جرائم البنوك المنصوص عليها وفقاً للمادة ۱۳۳. وفقاً للقاعدة القانونية التي تحدد المسائل التي يجوز فيها التحكيم حيث تقضي بأن التحكيم يجوز في المسائل التي يجوز فيها الصلح م ١١ من قانون التحكيم المصري وبالتالي فإننا سنتطرق إلى شروط التصالح التي نص عليها المشرع المصري بشيء من التفصيل من خلال الفرعين التاليين بحيث نتناول في الفرع الأول الشروط الموضوعية للتصالح، ونتناول في الفرع الثاني الشروط الشكلية للتصالح.