تتعدد التصرفات التي قد تصدر عن القاصر، ومن ثم يختلف حكم كل منها.
-الحالة الأولى: القاصر غير المأذون له بالإدارة أو التجارة:
يتمتع الصبي المميز بأهلية الاتفاق على التحكيم في بعض الحالات:
اعترف المشرع للقاصر في بعض الأحوال بأهلية التصرف في أمواله المسلمة إليه لأغراض نفقته.
- الحالة الثانية: القاصر المأذون بالإدارة والتجارة :
نميز بين حالتين
* الإذن بالإدارة: أن المشرع أجاز للقاصر الذي بلغ الثامنة عشرة من عمره تسلم أمواله كلها أو بعضها لإدارتها، ويصدر الإذن إما من الولي (المادة ٥٤ من قانون الولاية على المال أو من المحكمة بعد سماع أقوال الوصي (المادة ٥٥ من ذات القانون). وفي كلتا الحالتين أعطاه الحرية الكاملة في إدارة أمواله، ومن ثم يحق له القيام بجميع التصرفات اللازمة لأعمال الإدارة ضمن الحدود المقررة قانوناً.
الإذن بالتجارة: كذلك أجاز المشرع للقاصر الذي بلغ الثامنة عشرة مــن عمره، الإتجار متى صدر له الإذن بذلك من المحكمة ، وسواء أكان الإذن مطلقاً أم مقيداً (المادة ٥٧) من قانون الولاية على المال)، وهنا يحق له القيام بجميع الأعمال اللازمة لتجارته ، فله أن يبيع ويشتري، وأن يقرض ويقترض...، ويجوز له أيضاً اللجوء إلى التحكيم، أي أنه يملك أهلية التصرف اللازمة لمباشرة التجارة التي أذن له بمباشرتها، وكذلك للقيام بكافة الأعمال اللازمة لتجارته.
ب - في القانون السوري
بالنسبة للقاصر - الصبي المميز - لا يجوز له أن يكون طرفاً اتفاق تحكيم، لأن التحكيم يُعَدُّ من التصرفات الدائرة بين النفع والضرر.
جـ - في القانون الفرنسي:
بالنسبة للقاصر نميز بين حالتين:
- الإذن بالإدارة : فإنه يجوز للقاصر الذي بلغ سن السادسة عشرة من عمره - وأذن له بتسلم أمواله لإدارتها - القيام بجميع التصرفات اللازمة لإدارة أمواله ومن ثم فإن اتفاق التحكـ يبرمه القاصر والمتعلق بإدارة أمواله - يكون صحيحاً.
-الإذن بالتجارة : إن المشرع الفرنسي - بعكس المشرع المصري - وبموجب قانون ٥ يوليو لسنة ۱۹۷۲ ، لم يأذن للقاصر بالتجارة، ومن ثم لا يحق له إكتساب صفة التاجر. وعليه لا يجوز له الاتفاق على التحكيم بشأن كافة الأعمال التجارية.
حكم اتفاق التحكيم الذي يبرمه التاجر المفلس
أ - في القانون المصري
محكمة النقض المصرية عندما قضت بأن: "السنديك يمثل جماعة الدائنين، ويعمل باسمها في كل ماله علاقة بأموال التفليسة، كما يمثلهم في الدعاوى التي ترفع على هذه التفليسة.
وإذا كانت دعوى الاعتراض التي أقامها المطعون عليه بطلب عدم الإعتداد بالحكم الصادر بإشهار إفلاس الشركة - بالنسبة إليه شخصيا - تعتبر من الدعاوى التي تمس أموال تفليسة الشركة المذكورة، لأن الهدف منها إنما هو إقصاء الأموال الخاصة لرافعها عن أموال التفليسة التي يشملها حق الضمان العام المقرر لجماعة دائنيها، تلك الجماعة التي تضم الشركة طالبة الإفلاس باعتبارها دائنة عادية للشركة المفلسة، فإن اختصام السنديك في دعوى الاعتراض يكون مغنيا عن اختصام أي من دائني التفليسة ومن بينهم تلك الشركة، وبالتالي فهو يمثلها في الطعن الذي رفعه بوصفه وكيلاً لدائني التفليسة، عن الحكم الصادر في دعوى الاعتراض، وتفيد هي بذلك من هذا الطعن، ولها أن تحتج به على المطعون عليه .
الطعن رقم ۲۳ لسنة ۲۹ قضائية، الصادر بجلسة ١٩٦٣/١٢/٢٦، مجموعة الأحكام الصادرة عن المكتب الفني لمحكمة النقض السنة الرابعة عشرة، العدد الثالث من أكتوبر إلى ديسمبر سنة ١٩٦٣، ص ١٢٠٢.
أما فيما يتعلق بالتصرفات التي يجريها بخصوص الأموال التي لم يحجز عليها ، أي الأموال الخارجة عن التفليسة فإنها تكون صحيحة، ومن ثم فإن اتفاق التحكيم الذي يبرمه هذا التاجر يكون صحيحا. وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض المصرية في حكم حديث لها مفاده: "حكم" الإفلاس لئن كان يترتب عليه غل يد المفلس عن إدارة أمواله، ويصبح السنديك صاحب الصفة في الإدارة والتقاضي نيابة عن المفلس وجماعة الدائنين عملا بالمادة (٢١٦) من قانون التجارة، إلا أن ذلك الأمر يتعلق بالصفة في الإدارة والتقاضي، ولا يؤدي البتة إلى تطبيق الأحكام الواردة في القانون التجاري والمتعلقة بالإفلاس على جميع المنازعات التي تخرج عن هذا النطاق.
الطعن رقم ٦٩٥ لسنة ٥٦ قضائية، الصادر بجلسة ۱۹۹۰/۷/۱۲، مجموعة الأحكام الصادرة عن المكتب الفني لمحكمة النقض، السنة الحادية والأربعون الجزء الثاني، من مايو حتى ديسمبر سنة ١٩٩٠، ص ٤٢٦.
تحدثنا عن التصرفات التي يجريها التاجر المفلس بعد صدور الحكم بشهر الإفلاس إلا أنه قد يسبق صدور الحكم بشهر الإفلاس مرحلتين:
- مرحلة ما قبل فترة الريبة.
- فترة الريبة.
فإن الحكم بشهر الإفلاس لا يؤثر على صحة اتفاق التحكيم المبرم قبل فترة الريبة، خلافاً لما يراه البعض من أن الحكم بشهر الإفلاس يؤدي إلـ انقضاء اتفاق التحكيم المبرم قبل فترة الريبة.
حظر المشرع المصري وبموجب المادة (٥٩٨) مــن قانون التجارة رقم (۱۷) لسنة ۱۹۹۹- على المدين القيام ببعض التصرفات، وذلك بعد تاريخ التوقف عن الدفع وقبل الحكم بشهر الإفلاس، بحيث لا يجوز التمسك في مواجهة جماعة الدائنين بالتصرفات التالية :
وعليه فإن اتفاق التحكيم الذي يبرمه التاجر المفلس في فترة الريبة عن منازعات تتعلق بتصرف من التصرفات التي أوردتها المادة (٥٩٨) من قانون التجارة، لا يكون نافذا في حق الدائنين شأنه شأن العقد المتعلق به.
أما إذا كان التصرف الذي قام به المدين خلال فترة الريبة من غيـر التصرفات التي أتت على ذكرها المادة (٥۹۸) ، فإن للمحكمة أن تحكم بعدم نفاذه في مواجهة جماعة الدائنين، بشرط أن يكون التصرف ضـ ضاراً، وأن يكون المتصرف إليه على علم وقت وقوع التصرف بتوقف المفلـس عـن الدفع
وعليه إذا أبرم التاجر المفلس اتفاق تحكيم في فترة الريبة، بصدد تصرف من غير التصرفات المنصوص عليها في المادة (٥۹۸) من قانون التجارة، فهنا يمكن القول إن للمحكمة سلطة تقديرية في الحكم بنفاذه أو عدم نفاذه فـــي مواجهة جماعة الدائنين، وذلك بعد التحقق من علم الطرف الآخر المتعاقد مع المدين المفلس بحالته، أي بتوقفه عن الدفع.
وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض المصرية بقولها: "لا يُقضى بالبطلان طبقا للمادة (۲۲۸) من قانون التجارة، إلا إذا ثبت علم المتعاقد مع المفلس باضطراب أحواله المالية اضطرابا يمكن معه افتراض شعور هذا المتعاقد بقيام حالة التوقف عن الدفع .
الطعن رقم ۸۸ لسنة ۳۳ قضائية، الصادر بجلسة ١٩٦٧/٣/٣٠، مجموعة الأحكام الصادرة عن المكتب الفني لمحكمة النقض، السنة الثامنة عشرة، العدد الثاني، مارس - أبريل سنة ١٩٦٧،ص ۷۲۵.
موقف اتفاقية نيويورك من أهلية الاتفاق على التحكيم:
لقد تطلبت اتفاقية نيويورك لعام ١٩٥٨ توافر الأهلية لإبرام اتفاق التحكيم وهذا ما نصت عليه المادة {١/٥ (أ) } بقولها: "لا يجوز رفض الاعتراف وتنفيذ الحكم بناء على طلب الخصم الذي يحتج عليه بالحكم إلا إذا قدم هذا الخصم للسلطة المختصة في البلد المطلوب إليها الاعتراف والتنفيذ الدليل على أن أطراف الاتفاق كانوا طبقا للقانون الذي ينطبق عليهم عديمي الأهلية".
فقد افترضت اتفاقية نيويورك بموجب هذه المادة، توافر الأهلية لإبرام اتفاق التحكيم أي افترضت أن أطراف الاتفاق على التحكيم يتمتعون بالأهلية اللازمة لإبرامه، ومن ثم يتعين على الطرف الذي يُحْتج عليه بالحكم، إذا كان يدعي أنه عديم الأهلية، أن يقدم الدليل على ما يدعيه إلى السلطة المختصة في البلد المطلوب إليها الاعتراف وتنفيذ حكم المحكمين. وبموجب اتفاقية نيويورك، فإن انعدام الأهلية يترتب عليه امتناع الاعتراف وتنفيذ الحكم المطلوب تنفيذه.
وعليه إذا عُرض الحكم المطلوب تنفيذه على قاضي مصري أو فرنسي، فإنه في سبيل تحديد فيما إذا كان الأطراف يتمتعون بالأهلية وقت إبرام اتفاق التحكيم، فإنه سوف يطبق قانون الجنسية، أي القانون الذي ينتمـــي إليـه الأطراف بجنسيتهم، فإذا كان من بين هؤلاء الأطراف طرف فرنسي، فالمرجع في تحديد أهليته هو القانون الفرنسي، حيث إن الأهلية في القانون الفرنسي تكتمل ببلوغ الشخص ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة، وذلك وفقــــاً للمادة (٤٨٨) من القانون المدني الفرنسي الصادر في 5 يوليو لسنة ١٩٧٢. أما إذا كان من بين الأطراف طرف ،مصري، فإن أهليته تتحدد وفقاً للقانون المصري، وكما هو معروف إن سن الرشد القانوني في القانون المصري هي إحدى وعشرون سنة ميلادية كاملة.
أما إذا عُرض الحكم المطلوب تنفيذه على قاضي إنكليزي، فإن القانون الذي يحكم الأهلية في القانون الإنكليزي هو قانون الموطن، وعليه إذا كان الطرف في اتفاق التحكيم متوطنا في إنكلترا، فالقانون الإنكليزي هو الذي سيطبق، وستتحدد أهليته طبقاً لهذا القانون، وإذا كان متوطناً في اليونان، فإن القانون اليوناني هو الذي سيطبق في سبيل تحديد أهليته.
مما تقدم ونظراً لعدم تحديد اتفاقية نيويورك قاعدة إسناد موحدة دولياً في سبيل تحديد القانون الواجب التطبيق على الأهلية، فإن ذلك سيؤدي إلى تناقض الأحكام واختلافها بين الدول، ذلك لأنه - وكما سبق أن ذكرنا- هناك دول أخذت بمعيار قانون الجنسية، ودول أخذت بمعيار قانون الموطن.
ولذلك كان من الأفضل لو وضعت اتفاقية نيويورك لعام ١٩٥٨ قاعدة إسناد موحدة دوليا في سبيل تحديد القانون الذي يحكم أهلية الأطراف.
وعليه فإن اتفاقية نيويورك لم تشترط انتماء أطراف اتفاق التحكيم بجنسياتهم إلى الدول المنضمة للاتفاقية، فهذه الاتفاقية تستبعد أي قيود قد تفرضها الدول في تشريعاتها الداخلية بشأن أهلية الاتفاق على التحكيم.