يحصل واقعاً أن يتجاوز الممثل القانوني أو القضائي أو الإتفاقي حدود السلطات الممنوحة له بمقتضى القانون أو الإتفاق. ففي هذه الحال يثور التساؤل حول الجزاء الذي يفرض عند تحقق مثل هذا التجاوز ؟
نعرض لجزاء تجاوز الممثل القانوني أو القضائي لسلطاته في (الفقرة الأولى)، ثم لجزاء تجاوز الممثل الإتفاقي لسلطاته في (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : جزاء تخلف سلطة الممثل القانوني أو القضائي
ونعثر في الإجتهاد المصري على تطبيق لهذه الوجهة حيث اعتبرت محكمة النقض المصرية سنة ۱۹۷۱ أن الوصاية على القاصر نوع من أنواع النيابة القانونية، تحل إرادة الوصي محل إرادة القاصر مع انصراف الأثر القانوني إلى ذلك الأخير ولئن كانت المادة ٣٩ من القانون رقم ۱۱۹ لسنة ۱۹۵۲ الخاص بأحكام الولاية على المال قد تضمنت بياناً بالتصرفات التي لا يجوز أن يباشرها الوصي إلا بإذن من محكمة الأحوال الشخصية ومن بينها التحكيم الذي أنزلته الفقرة الثالثة منها منزلة أعمال التصرف اعتباراً بأنه ينطوي على التزامات متبادلة بالنزول على حكم المحكمين . إلا أن استصدار هذا الإذن في الحالات التى يوجب فيها القانون ذلك ليس بشرط للتعاقد أو التصرف وإنما قصد به - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة ـ إلى رعاية حقوق ناقصي الأهلية والمحافظة على أموالهم بالنسبة لتصرفات معينة . إرتأى الشارع لخطورتها ألا يستقل الوصي بالرأي فيها، فنصب من محكمة الأحوال الشخصية للولاية على المال رقيباً عليه في صددها وهو بهذه المثابة يعد إجراء شرع لمصلحة القصر دون غيرهم. وإذا كان الأمر في الدعوى المماثلة أن مشارطة التحكيم أبرمت بين الطاعن والمطعون عليها عن نفسها ونيابة عن أولادها القصر، بعد أن رفضت محكمة الأحوال الشخصية الإذن لها بذلك . كما رفضت التصديق على حكم المحكمين عقب ،صدوره، فإنه لا يكون للطاعن الحق في التمسك ببطلان حكم المحكمين ويكون ذلك الحق مقصوراً على المحتكمين من ناقصي الأهلية الذين صدر حكم التحكيم حال قصرهم وذلك بعد بلوغهم سن الرشد .
جزاء تخلف سلطة الممثل الإتفاقي
اختلف الفقه حول الجزاء المترتب في حال تجاوز الوكيل نطاق الصلاحيات الممنوحة له. فهناك من يقول بعدم نفاذ إتفاق التحكيم بحق الموكل في حال تجاوز الوكيل السلطات الممنوحة له من قبل الموكل (الأصيل) فإذا خرج الوكيل عن حدود المخول له، كان إتفاق التحكيم الذي يبرمه غير نافذ في حق الأصيل. والتمسك بعدم النفاذ يكون حقاً له وحده، فلا يجوز للطرف الآخر التمسك به .
وهناك من يقول ببطلان إتفاق التحكيم بطلانا نسبيا .
ويختلف أصحاب هذا الرأي حول الشخص الذي يجوز له التمسك بهذا البطلان، فالأستاذ أبو الوفا يرى أحدهم بأن للموكل وجده (الأصيل) حق التمسك بهذا البطلان، في حين أن الأستاذ عيد يرى البعض الآخر أن التمسك بهذا البطلان يمكن أن يكون من قبل الموكل أو من قبل وكيله ولو كان هو الذي أجرى إتفاق التحكيم خارج حدود سلطته . وأكثر من ذلك يضيف صاحب هذا الرأي الأخير بأنه «يجوز التمسك به من قبل الطرف الآخر إذ لا يصح أن يبقى هذا الأخير مهدداً ببطلان الإتفاق أو القرار الذي يتخذ بالاستناد إليه بناء على مراجعة تصدر من جانب معاقده بصورة منفردة .
وفي الاجتهاد، قضت م.إ. بيروت بأن « . حالات بطلان عقد التحكيم لعلة أساسية تخضع مبدئياً لقواعد القانون العام . مثال ذلك أن البطلان الناجم عن فقدان أهلية أحد الفريقين لا يستطيع إلا فاقد الأهلية أن يتذرع به، غير أنه يتحتّم على الفريق الآخر أن يثير أمر فقدان الأهلية هذه في الفترة التي تنقضي بين توقيع عقد التحكيم وبين صدور قرار المحكمين . ذلك لأن لا أحد يجبر على متابعة دعوى ضد فاقد أهلية. وهكذا تكون الحال عندما يكون عقد التحكيم قد وقعه وكيل لا يملك الصلاحية اللازمة».
نلاحظ أن هذا القرار نظر إلى حالة فقدان السلطة في الوكالة، كحالة فقدان الأهلية، وبالتالي قياس حالة فقدان سلطة الوكيل على حالة فقدان الأهلية.
في الواقع، بمعاملتها حالة فقدان السلطة في الوكالة كحالة فقدان الأهلية تكون م.إ. بيروت قد جانبت الصواب. فمن المقرر أنه في حالة فقدان الأهلية يكون الجزاء البطلان النسبي المقرر فقط لمن شرع لمصلحته، أما في حالة تجاوز حدود الوكالة أو انتهائها وبالتالي فقدان سلطة الوكيل فإن الجزاء المقرر هو عدم نفاذ التصرف الذي يجريه الوكيل متجاوزاً لحدود وكالته بحق الموكل . فالوكيل لا تكون له صفة النيابة عن الموكل إذا عمل باسم هذا الأخير وجاوز حدود الوكالة أو عمل دون وكالة أصلاً .
ثم إن تشبيه أهلية اللجوء إلى التحكيم بأهلية اللجوء إلى القضاء وقياس حالة فقدان سلطة الوكيل على حالة فقدان الأهلية، أمر غير منسجم مع الأحكام العامة والخاصة الراعية للأهلية والوكالة ولإمكانية اللجوء إلى القضاء. فالأهلية المطلوبة في التحكيم هي أهلية إجراء التصرف القانوني والتي تخضع لأحكام التصرفات القانونية في القانون العام أي ق. م. ع. في لبنان والتي تلحظ البطلان النسبي كجزاء لنقص الأهلية. وبالمقابل فإن أهلية اللجوء إلى القضاء هي الأهلية الإجرائية التي تحكمها أحكام قانون أ. م. م. التي تنص على أن انتفاء أهلية أو سلطة شخص يقوم بتمثيل أحد الخصوم يشكل سبباً موضوعياً يؤدي إلى بطلان الإجراء القضائي. (المادتان 60و61 من ق .أ.م.م ) .
وطبقاً لنص المادة ٦١ المذكورة يحق لكل من ناقص الأهلية وللوكيل إضافة إلى الطرف الآخر المتعاقد معه، وللمحكمة أن تثير مسألة بطلان المحاكمة. وهذا أمر يختلف كثيراً عن حالة فاقد الأهلية أو السلطة في التعاقد. فالبطلان في الحالة الأخيرة مقرر لصالح ناقص الأهلية، في حين أنه في الحالة الأولى أي الأهلية الإجرائية، فإن البطلان المقرر يتعلق بإجراءات المحاكمة التي تتعلق مبدئياً بالمصلحة العامة . وهذا هو الذي سمح بتقرير حق التمسك بهذا البطلان لكل من ناقص الأهلية وللمحكمة وللطرف الآخر في المحاكمة. هذا وأن التمييز بين الأهلية الإجرائية وأهلية التعاقد على التحكيم وجد له صدى في قرار م... بيروت الصادر سنة ١٩٩٥ ، والمشار إليه آنفا.
لذلك ربما كان من الأفضل لو عمدت المحكمة إلى الأخذ بما تقدم عن طريق التمييز بين أهلية اللجوء إلى التحكيم وبين أهلية اللجوء إلى التقاضي وأن تعمد من ناحية ثانية إلى تطبيق الأحكام الخاصة بالوكالة على القضية بدلاً من تشبيه حالة فقدان سلطة الوكيل بحالة فقدان الأهلية .