الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اتفاق التحكيم / سلطة الوكيل / الكتب / التحكيم في القوانين العربية / التوكيل في اتفاق التحكيم

  • الاسم

    د. حمزة أحمد حداد
  • تاريخ النشر

    2014-01-01
  • اسم دار النشر

    دار الثقافة للنشر والتوزيع
  • عدد الصفحات

    528
  • رقم الصفحة

    88

التفاصيل طباعة نسخ

التوكيل في اتفاق التحكيم

   ونواجــه هـنـا الحالة التي يكون فيها الشخص أهلاً لإبرام اتفاق التحكيم، سواء مباشرة بالنسبة للشخص الطبيعي أو بصورة غير مباشرة عن طريق المفوض بالتوقيع عنه، بالنسبة للشخص المعنوي. ولكن بدلاً من أن يقوم أي منهما بالتوقيع على الاتفاق مباشرة، يوكل شخصاً آخر بهذا التوقيع والقاعدة العامة في القوانين العربية، أن ما يصح إجراؤه أصالة يصح التوكيل فيه، مما يعني أنه يجوز التوكيل في إبرام اتفاق التحكيم، ولكن يجب أن يكون عقد الوكالة صريحاً وواضحاً بالنسبة لهذه المسألة، سواء كانت الوكالة عامة أو خاصة. أي أن ينص عقد الوكالة على تفويض الوكيل بإبرام اتفاق التحكيم بالنيابة عن الموكل، أو أي عبارة أخرى واضحة الدلالة على ذلك. وفي الوقت ذاته، يجب على الوكيل ذكر صفته عند التوقيع على اتفاق التحكيم.

    فالوكالة العامة، يصح أن تكون بالخصومة أو بالحقوق المالية من غير الخصومة، أو كليهما معاً. ومثال الأولى، توكيل الأصيل للمحامي بأن يرفع باسمه الدعاوى التي يراها مناسبة، ويدافع عنه في أي قضية ترفع عليه. ومثال الثانية ، توكيل شخص لآخر بالتصرف وإدارة أملاكه. ومثال الثالثة التوكيل بالتصرف بالأموال وإدارتها، بالإضافة للتمثيل في الدعاوى، سواء كان الأصيل مدعياً أو مدعى عليه. والوكالة الخاصة، تقتصر على التوكيل بأمر أو أمور معينة، وتكون كذلك إذا تعلقت بإجراء عقد من العقود بشأن مال أو أموال معينة، كالتوكيل ببيع عقار أو عقارات محددة، أو إجراء عدة عقود بشأن هذا العقار، على سبيل الجمع أو الخيار حسب مقتضى الحال، مثل البيع والرهن والتأمين والإجارة. وقد تكون الوكالة الخاصة ليست لإجراء تصرف بمال معين وإنما وكالة بالخصومة معطاة لمحام، بشأن دعوى معينة أحد طرفيها الموكل.

    وسواء كانت الوكالة عامة أو خاصة، وسواء كانت وكالة بالخصومة أو بالمال، يصح أن يكون موضوعها التوكيل بإبرام اتفاق التحكيم. وفي هذه الحالة، يجب أن يكون هناك نص في الوكالة على إعطاء الوكيل صلاحية إبرام الاتفاق ) . وإذا كانت الوكالة عامة، يجوز أن يكون التوكيل بالتحكيم بنص عام، يعطي للوكيل صلاحية التوقيع على أي اتفاق تحكيم، لتسوية النزاعات الخاصة بحق معين أو بأي حق من الحقوق المالية الواردة في الوكالة . كما يصح أن يكون هذا التوكيل خاصاً بمال معين أو بعقد من العقود. ومثال ذلك، أن يرد في الوكالة العامة بالأموال نص يقضي بتخويل الوكيل بالتحكيم، فيما يتعلق بعقود البيع التي ترد على الأموال موضوع الوكالة دون غيرها من العقود، أو بالتحكيم في أي عقد يرد على عقار معين دون غيره من العقارات. وإذا كانت الوكالة خاصة بحق معين يجب أن تتضمن هذه الوكالة نصاً خاصاً، يخول بموجبه الوكيل إبرام اتفاق تحكيم بشأن المنازعات المتعلقة بذلك الحق، أو بعض هذه المنازعات حسبما يرد في عقد الوكالة .

    وغالباً ما تكون الوكالة بالتحكيم، من ضمن الوكالة بالتصرف بالمال أو إدارته. ولكن ليس هناك ما يمنع من إعطاء الوكالة بالتصرف أو الإدارة لشخص دون التحكيم، وإعطاء الوكالة بالتحكيم لشخص آخر دون التصرف أو الإدارة. ومثال ذلك، أن يكون (أ) وكيلاً عاماً (ب) في إدارة ماله والتصرف به ولا يرد في الوكالة أن للوكيل (أ) صلاحية إبرام اتفاقيات التحكيم. فيبيع (أ) عقاراً من عقارات (ب) ضمن حدود الوكالة المعطاة له إلى (ج) ، وينشب نزاع بين (ب) و (ج) حول عقد البيع، فيوكل (ب) شخصاً آخر (د) لتوقيع اتفاق مع (ج) يتضمن إحالة النزاع إلى التحكيم. نلاحظ في هذا المثال انفصال وكالة التحكيم عن وكالة التصرف بالمال، حيث تكون الأولى من صلاحية (د)، في حين تكون الثانية من صلاحية (أ). 

 

وقد تثير الوكالة بالتحكيم إشكالات بالنسبة لسلطة الوكيل وصلاحياته. وفي هذه الحالة، تكون المسألة مسألة تفسير لعبارات الوكالة.

    فمن جانب، إذا نصت الوكالة على تفويض الوكيل بالتحكيم فحسب، فيشمل ذلك فقط التحكيم بالقانون، ولا يشمل التحكيم بالصلح ما لم يوجد نص خاص بذلك  ، لأن الأصل بالتحكيم، كما سنریى، هو تحكيم بالقانون، ولا يكون التحكيم بالصلح إلا إذا نص اتفاق التحكيم على ذلك صراحة . ويطبق المبدأ ذاته على الوكيل. 

   وعلى فرض أن الوكيل تجاوز حدود وكالته بأن أبرم اتفاق تحكيم خارج صلاحياته، فلا يكون الاتفاق باطلاً حسب القواعد العامة، وإنما قابل للإبطال لمصلحة الأصيل، أو موقوف النفاذ على إجازته، حسب ما ينص عليه القانون ، ولا يجوز للطرف الآخر في الاتفاق التمسك بذلك. وحسب القواعد العامة أيضاً، فإنه يصح للأصيل التنازل عن البطلان، أو إجازة تصرف الوكيل صراحة أو ضمناً .

  ومن جانب آخر، تقضي القواعد العامة في التفسير، بأنه إذا كانت عبارات الوكالة واضحة، فلا يجوز الانحراف عنها بقصد تفسيرها للتعرف على إرادة المتعاقدين. أما إذا كان هناك محل لتفسيرها، فيجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين، دون الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ، مع الاستهداء في ذلك بطبيعة التعامل، وبما ينبغي من أمانة وثقة بين المتعاقدين، وفقاً للعرف الجاري في المعاملات .

    وبناء عليه، كانت هناك قضية تتعلق بعقد ينص في أحد بنوده على إحالة الخلافات المتعلقة به إلى التحكيم ونشأ الخلاف فعلاً. قام أحد الطرفين بتوكيل محام، ولكن لم يرد في الوكالة تفويض المحامي صراحة بتوقيع مشارطة التحكيم. ومع ذلك، وقع المحامي هذه المشارطة. طعن الموكل بهذا التصرف على أساس أن الوكالة لا تفوضه بذلك. إلا أن المحكمة، خلصت إلى القول بعدم صحة هذا الطعن، وأن الوكالة تخول المحامي توقيع مشارطة التحكيم نيابة عن موكله، ما دام أن الهدف الأساسي من تنظيم الوكالة، هو إحالة النزاع إلى التحكيم، وحضور جلسات التحكيم . وقضي كذلك بأن الوكيل المفوض بالتحكيم، مفوض أيضاً بجميع ما يستلزمه التحكيم من إجراءات، مثل الموافقة على تمديد مدة التحكيم، دونما حاجة لذكر ذلك صراحة في الوكالة .

    وفي قضية أخرى ، تم توكيل شخص بإجراء الترتيبات الضرورية لاستئجار سفينة، ولم يتضمن التوكيل، التصريح للوكيل بالاتفاق على التحكيم فيما ينشأ من منازعات حول مشارطة إيجار السفينة. وقع الوكيل مشارطة الإيجار التي كانت تتضمن شرط التحكيم. وفيما بعد طعن الموكل بأن الوكالة لا تخول الوكيل الاتفاق على التحكيم. قضت محكمة تمييز دبي بأنه في الوكالة الخاصة، ليس للوكيل سوى مباشرة الأمور المعينة فيها، وما يتصل بها من توابع ضرورية تقتضيها طبيعة التصرفات والعرف الجاري، فلا يجوز الخروج عن حدود هذا التفويض. وعليه، فإن الاتفاق على التحكيم لا يدخل في حدود الوكالة، ولا يعتبر من التوابع الضرورية لتنفيذها. فالمنازعات التي تتعلق بتأجير السفينة، لا يتطلب الأمر بالنسبة لها ضرورة الالتجاء إلى طريق التحكيم. ولا يغير من الأمر شيئاً كون الوكيل الذي وقع اتفاق التحكيم، هو مدير الشركة. ذلك أن عمل المدير، يقتصر أصلاً على أعمال الإدارة، وما يقتضي ذلك من تصرفات تتفق وغرض الشركة ، دون أن تمتد إلى غيرها من الأعمال التي تتجاوز غرضها أو تتعارض معها، ومنها الاتفاق على التحكيم، لأن الاتفاق عليه، يعني التنازل عن رفع الدعوى إلى قضاء الدولة، وهو ما يعرض الحق المتنازع عليه للخطر، إلا إذا كان عقد وكالته في إدارة الشركة، يتسع لمثل هذه التصرفات. 

   ولكن، كما سنرى فيما بعد، اتجه القضاء في الدول العربية إلى تفسير اتفاق التحكيم تفسيراً ضيقاً باعتبار التحكيم خروجاً عن الأصل، وأن الولاية العامة للقضاء . وبتطبيق هذا المنهج على التوكيل بالتحكيم، يمكن القول أيضاً أن صلاحية الوكيل، في حال الشك، تفسر أيضاً تفسيراً ضيقاً ضد التحكيم، فلو نصت الوكالة مثلاً على توقيع عقد البيع مع شرط التحكيم، فذلك لا يعطي الوكيل، فيما بعد، صلاحية التوقيع على مشارطة التحكيم التفصيلية، ولو نصت على توقيع مشارطة التحكيم، فلا يكون للوكيل صلاحية توقيع المشارطة التي تتضمن التحكيم بالصلح ، وإنما فقط التحكيم بالقانون.