أهلية الدولة والأشخاص الاعتباريـة العامـة لإبرام اتفـاق التحكيم: بسبب ازدياد نشاط الدولة والأشخاص الاعتباريـة العامـة فـي المجال الاقتصادي كثرت العقود التي تبرمهـا هـذه الأشخاص محتويـة على شرط التحكيم، وقد ذهب القضاء الفرنسي والمـدن والإداري منـذ زمن طويل إلى عدم صحة شـرط التحكيم فـي العـقـود التـي تبرمهـا الدولة أو الأشخاص الاعتبارية العامـة اعتبـارا بـأن القضايا المتعلقـة بالدولة والأشخاص الاعتبارية العامة هـي وفقا لنص المـادة 83 مـن قانون المرافعات الفرنسي السابق- يجب أن تخطرهـا النيابـة العامـة لتدخل فيها، وأيضا لأن ممثلـي الأشخاص الاعتباريـة العامـة ليـست لديهم أهلية إبرام أتفاق تحكــم بالنسبة للعقـود التـي يبرمونهـا لـدخول المنازعات المتعلقة بها في اختصاص مجلـس الدولـة المتعلـق بالنظـام العام مما لا يجوز معه نزع هـذا الاختصاص باتفـاق التحكيم.
وفـي سـنة ١٩٨٦ وبسبب إصـرار شـركة أجنبية على إدخال شرط تحكيم في عقدها الخـاص بإنشاء ديزني لانـد الأوربية في فرنسا صدر قانون في 19 يوليو 1986، نصت المـادة 9 منه على أنه ( يجـوز للدولـة والهيئات العامـة المحلية والمؤسسات العامة أن تتفق على التحكيم في العقـود التـى تبرمها مع الشركات الأجنبية لتحقيق مشروعات ذات نفع قومي وذلك الفصل فيمـا يـثـور مـن منازعات تتعلق بتنفيذ أو تفسير هذه العقود .
القانون لـم يمنـع التحكيم إلا بالنسبة لما لا يجوز بشأنه الصلح، والعقود الإداريـة لا يمتنـع بـشـأنها الـصلح ومن ناحية أخرى فإن المـادة 3/58 مـن قـانـون مجلـس الدولـة تـنـص على إنه:" لا يجوز لأية وزارة أو هيئة عامـة أو مصلحة مـن مـصالح الدولة أن تبرم أو تقبل أو تجيـز أي عقـد أو صلح أو تحكــم أو تنفيـذ قرار محكمة في مادة تزيد قيمتها على خمسة آلاف جنيـه بغيـر اسـتفتاء إدارة الفتوى المختصة"، فنص هذه المادة الـذي يـلـزم جهـة الإدارة بأخـذ رأى مجلس الدولة فيما تبرمه من تحكيم في أية مادة تزيد قيمتهـا علـى خمسة آلاف جنيه يقطع بجواز التجـاء جهـة الإدارة إلـى التحكــم فـي منازعتها الإدارية. ذلك أنه لو كان الاتفاق على التحكــم مـحـظـورا جهة الإدارة لما ألزمها المشرع بعرض هذا الاتفاق على مجلـ لأخذ رأيه .
أما ما تنص عليه المـادة 10 مـن قـانون مجلـس الدولـة مـن اختصاص محاكم المجلس دون غيرهــا بالفصل في منازعات العقـود الإدارية، فالمقصود به توزيع الاختصاص بين المحاكم بمجلـس الدولـة ومحاكم القضاء المدني واستبعاد أي اختصاص لمحـاكم القضاء المـدنى بهذه المنازعات، ولم يقصد المشرع بنص المادة العاشرة إنكـار حـق الأطراف في عرض هذه المنازعات علـى التحكيم ، خاصـة أن هـذا العرض لا يستبعد إعمال القواعد الموضوعية التـي تطبـق علـى العقـود الإدارية.
وهذا الرأي الأخير هـو الـذي أخـذت بـه الجمعية العموميـة لقسمي الفتـوى والتـشـريـع فـي فـتـوى أصـدرتها بتـاريخ ۱۹۸۹/۵/۱۷ وأكدتها بفتـوى أخـرى أصـدرتها بتـاريخ 7/ 2/ 1993 وهـو أيـضـا الرأي الذي قننته المادة 1 من قانون التحكيم الجديـد بنـصـها علـى أن (تسرى أحكام هذا القانون على كل تحكـيـم بـيـن أطـراف مـن أشخاص القانون العام أو القانون الخاص أيا كانت طبيعـة العلاقة القانونيـة التـى يدور حولها النزاع) . سی.
ويخضع لقانون التحكــم رقـم 27 لـسنة 1994، ورغم هذا النص فقـد صـدرت فتـوى مـن الجمعية العموميـة لقسمي الفتـوى والتـشريع لمجلـس الدولـة بتـاريخ ۱۹۹۷/۷/۱۹ بعـد صدور قانون التحكيم ، انتهت لعدم صحة شـرط التحكيــم فـي منازعـات العقود الإدارية، وحلا لهـذا الخـلاف ونظـراً لأن التحكيم قد يعـرض المصالح العليا للدولة للخطـر ممـا يقتـضـى عـدم عـرض المنازعـات الخاصة ببعض المشروعات العامة القوميـة علـى التحكيم، فـإن هنـذه المصلحة العامة يقدرها القضاء الوطني أفضل مـن تقـدير هيئـة التحكيم التي تشكل أغلبيتهـا عـادة بالنسبة لهذه المشروعات مـن محكم أجانب، وقد رأى المـشرع المـصري تقييـد سـلطة جهـة الإدارة فى الاتفاق على التحكيم فإضافة إلى المـادة 10 مـن قـانون التحكيم فقرة ثانية، نصها الآتي: "وبالنسبة إلـى منازعـات العقـود الإداريـة يكـون الاتفاق على التحكيم بموافقة الوزير المختص أو مـن يـتـولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامـة ولا يجـوز التفويض في ذلـك"، وبهذا النص حسم المشرع المصري الخلاف وأكـد صـحة الاتفاق على التحكيم بالنسبة للعقود الإدارية.
ومن ناحية أخرى أضاف قيداً علـى سلطة الإدارة فـي الاتفـاق على التحكيم هو وجـوب أن يتم الاتفـاق علـى التحكيم بعد موافقـة الوزير المختص أو مـن يـتـولي اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية مع عدم جواز قيام الوزير أو مـن يـتـولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة مع تفويض أي شخص فـي الموافقـة علـى التحكيم، أو التفويض الممنـوع هـو التفويض العـام الـصـادر لـشخص المباشرة سلطة الموافقة على التحكيم فيمـا تبـرمـه الـوزارة أو الأشخاص الاعتبارية من عقـود، ولكـن الـنص لا يمنـع الـوزير أو مـن يـتـولى اختصاصه بالنسبة للشخص الاعتبـاري الـعـام مـن إنابـة شـخص فـي الموافقة على اتفاق التحكيم بالنسبة لعقد معين ولا يعمـل بـهـذا القيـد إلا من تاريخ سريانه ولهذا فإنه لا يطبق بأثر رجعي فلا يجـوز التمـسـك بـه بالنسبة لاتفاق التحكيم الذي أبرم قبل هذا التاريخ.
(6) فإذا لم يوافق الوزير المختص أو مـن يتولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة علـى التحكيــم شـرطاً أو مشارطة فإن الاتفاق على التحكـيـم يـكـون بـاطـلاً ، ولكـن هـذا الـبطـلان يـزول بالإجازة اللاحقـة إذ الإجـازة اللاحقـة كـالإذن السابق. بأخـذ رأى مجلس الدولة في اتفاق التحكــم الـذي تبرمـه وزارة أو هيئـة عامـة أو مصلحة من مصالح الدولة فتـنص المـادة 3/58 مـن القـانون رقم 47 سنة ١٩٧٢ بإنشاء مجلس الدولة علـى أنـه ( لا يجوز لأيـة وزارة أو هيئة عامة أو مصلحة من مصالح الدولـة أن تبـرم أو تقبـل أو تجيـز أي عقد أو صلح أو تحكيم أو تنفيذ قرار المحكمـة فـي مـادة تزيـد قيمتهـا على خمسة آلاف جنيـة بغيـر اسـتفتاء إدارة الفتوی المختصة ( فـإذا برمت وزارة أو هيئة عامة أو مصلحة حكوميـة عـقـدا يتضمن شـرط حكيم أو أبرمت مشاركة تحكيم في مادة تزيـد علـى خمسة آلاف جنيـة دون أخذ رأى مجلس الدولة فهل يكون اتفاق التحكيم باطلا؟
أجابت محكمة النقض على هذا السؤال فقررت أنـه ( يبـين مـن عبارة هذا النص المادة ٣٢ مـن القـانون 9 لسنة 1949 والـذي حـل محله نص المادة 3/58 من قانون 47 لسنة ١٩٧٢) ومـن المناقشات البرلمانية التي دارت بشأن النص المقابـل لـه فـي القـانـون رقـم ۱۱۲ لسنة 1946 أن الشارع إنما أراد به بمجـرد طلـب الـرأي فيمـا تجريـه الجهة الإدارية من العقود والمشارطات المذكورة دون أن تكـون ملزمـة بإتباعه، ولم يقرن هذا الإجراء بجزاء ولم يرتب البطلان علـى مخالفـة. وبالتالي لم يجعل منه ركناً أو شرطاً لانعقادها أو صحتها.
وعلى هذا فإن اتفـاق التحكـيـم الـذي تبرمـه جهـة الإدارة دون أخذ رأى مجلس الدولـة أو تبرمـه رغـم رأى مخالف لمجلـس الدولـة يعتبر صحيحا ونافذا إذا توافر ما تنص عليـه المـادة ٢/١٠ مـن قـانون التحكيم من موا افقة الوزير المختص أو مـن يـتـولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية .
الحالة الخامسة: إذا كـان تشكيل هيئـة التحكيم أو الإجـراء المتبع في التحكيم كان مخالفا لاتفاق الطرفين، ما لـم يكـن هـذا الاتفـاق منافيا لحكم من أحكام هذا القانون التـى لا يجوز للطرفين مخالفتهـا أو لم يكن في حالة عدم وجود مثل هذا الاتفاق مخالفـا لـهـذا القـانون، ففـي هذه الحالة تنهى إجراءات التحكيم بناء على طلب أي من المتعاقدين.