أولاً: أهلية الأشخاص الاعتبارية العامة في الاتفاق على التحكيم:
يقصد بالأشخاص الاعتبارية العامة الدولة وكافة مؤسساتها، وهيئاتها، وقطاعاتها، وجهاتها العامة، وكل مؤسسة ذات نفع عام تعمل على تحقيق المصلحة العامة.
وقد ثار جدل كبير فقها وقضاء ، حول مدى إمكانية أن تكون الدولة، أو الأشخاص العامة طرفاً في اتفاق التحكيم، فهل تتمتع الدولة والأشخاص الاعتبارية العامة بأهلية الاتفاق على التحكيم؟
فإننا سنلقي الضوء على موقف كل من القانون المصري، والقانون الفرنسي، واتفاقية نيويورك لعام ١٩٥٨، من مسألة مدى جواز لجوء الدولة والأشخاص الاعتبارية العامة إلى الاتفاق على التحكيم.
۱ - موقف القانون المصري
نصت المادة الأولى من القانون رقم (۲۷) لسنة ١٩٩٤ بشأن التحكيم في المواد المدنية والتجارية على أنه : "مع عدم الإخلال بأحكام الاتفاقيات الدولية المعمول بها في جمهورية مصر العربية تسري أحكام هذا القانون على كل تحكيم بين أطراف من أشخاص القانون العام أو القانون الخاص أيّاً كانت طبيعة العلاقة القانونية التي يدور حولها النزاع، إذا كان هذا التحكيم يجري في مصر، أو كان تحكيماً تجارياً دولياً يجري الخارج واتفق أطرافه على إخضاعه لأحكام هذا القانون".
ونصت الفقرة الثانية من ذات المادة والمضافة بالقانون رقم (۹) لسنة ١٩٩٧ على أنه بالنسبة إلى منازعات العقود الإدارية يكون الاتفاق على التحكيم بموافقة الوزير المختص أو من يتولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص بموا الاعتبارية العامة، ولا يجوز التفويض في ذلك".
كما نصت المادة (۱۱) من ذات القانون على أنه: "لا يجوز الاتفاق علـــى التحكيم إلا للشخص الطبيعي أو الاعتباري الذي يملك التصرف في حقوقه".
هذا وقد أجاز اتفاقات التحكيم التي تبرمها الدولة، والأشخاص العامة سواء على صعيد العلاقات الداخلية، أو على صعيد العلاقات الدولية على حد سواء.
إذن فقد أعطى قانون التحكيم المصري رقم (٢٧) لسنة ١٩٩٤، الدولة والأشخاص الاعتبارية العامة حرية إبرام اتفاق التحكيم، بل وأجاز اللجوء إلى التحكيم وبنص صريح في مجال العقود الإدارية، ولم يقيد هذه الحرية بشأن العقود الإدارية، إلا بالحصول على موافقة الوزير المختص، أومن يتولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة، ولكن نظراً لأهمية هذه العقود وخطورة آثارها على الدولة، فقد منع المشرع التفويض بإعطاء الموافقة على إبرام اتفاق التحكيم.
۲ - موقف القانون الفرنسي:
لقد كانت القاعدة في القانون الفرنسي حظر إبرام اتفاق التحكيم من قبل الدولة والأشخاص الاعتبارية العامة. وعليه إن أي اتفاق على التحكيم تبرمه الدولة أو الأشخاص العامة يكون باطلاً.
وهذا ما ذهب إليه في حكمه الصادر في۱۳ ديسمبر لسنة ١٩٥٧، والذي قضى فيه بأنه: " يستخلص من نص المادتين ۸۳ ، ۱۰۰٤ من قانون الإجراءات المدنية أن المؤسسات العامة لا يمكنها اللجوء إلى التحكيم إلا إذا وجد نص تشريعي خاص يسمح لها بذلك".
وهذا ما قضت به محكمة استئناف باريس في حكمها الصادر في 10 أبريل لسنة ١٩٥٧، عندما قررت بأن: "حظر اللجوء إلى التحكيم المفروض على الدولة والأشخاص العامة قاصر على عقود القانون الداخلي... ولا يطبق على العقود ذات الطابع الدولي .
وبناء عليه فإن القانون رقم (۲۷۹) الصادر في ١٩ أغسطس سنة ١٩٨٦، أجاز - بموجب المادة آنفة الذكر - للدولة والأشخاص الاعتبارية العامة أن تكون طرفاً في الاتفاق على التحكيم في مجال العلاقات الدوليــة الخاصة، ومن ثم فلا يجوز لها أن تكون طرفا في تحكيم داخلي.
فإن محكمة النقض كانت قد أرست مبدأ جواز اتفاق التحكيم الذي تبرمه الدولة والأشخاص العامة في مجال العلاقات ذات الطابع الدولي دون العلاقات الداخلية.
3- موقف اتفاقية نيويورك لعام ١٩٥٨:
يتضح لنا أن مصطلح الأشخاص المعنوية – والوارد في نص المادة آنفة الذكر - قد جاء مطلقا دون تحديد .
مما تقدم يتضح لنا أن اتفاقية نيويورك لعام ١٩٥٨ ، لم تضع أي قواعد موضوعية بخصوص مدى قدرة الدولة والأشخاص الاعتبارية العامة على إبرام اتفاقات تحكيم، إلا أن الفقه استطاع أن يستشف أن اتفاقية نيويورك وإن لم تكن قد تضمنت مثل هذه القواعد الموضوعية، إلا أنها لـم تحظر على الدولة والأشخاص المعنوية العامة اللجوء إلى التحكيم. وذلك بالتطبيق لنص الفقرة الأولى من المادة الأولى من هذه الاتفاقية.
أما فيما يتعلق بالقانون الذي يحكم هذه الأهلية، فتحديده يكون بالتطبيق لنص الفقرة الأولى من المادة الخامسة من هذه الاتفاقية.
ثانياً: أهلية الأشخاص الاعتبارية الخاصة في الاتفاق على التحكيم
تتمتع الأشخاص الاعتبارية الخاصة بذمة مالية مستقلة عن الذمة المالية لأعضائها، ومن ثم فهي تتمتع بالحقوق وتتحمل بالالتزامات. كما أنها تتمتع بالشخصية المعنوية الكاملة التي تمكنها من مباشرة أعمالها لتحقيق الأهداف المرجوة منها.
وعليه فهل تملك الأشخاص الاعتبارية الخاصة أهلية الاتفاق على التحكيم؟
وقد اعترف المشرع المصري للشخص الاعتباري الخاص بأهلية الاتفاق على التحكيم بصريح نص المادة (۱۱) من قانون التحكيم المصري، والذي ينص على أنه: "لا يجوز الاتفاق على التحكيم إلا للشخص الطبيعي أو الاعتباري الذي يملك التصرف في حقوقه".
فالأهلية المطلوبة لإبرام اتفاق التحكيم هي أهلية التصرف في الحقوق.
كذلك إن القانون الفرنسي اعترف أيضاً للشخص الاعتباري الخاص بهذه الأهلية، حيث لم يحظر اللجوء إلى التحكيم، إلا على الشخص الاعتباري العام، وضمن الضوابط المحددة لذلك.
أيضاً لم تتضمن اتفاقية نيويورك لعام ١٩٥٨ أي قيود حول أهلية الأشخاص الاعتبارية الخاصة في الاتفاق على التحكيم (الفقرة الأولى من المادة الأولى من اتفاقية نيويورك لعام ١٩٥٨).
تنص المادة (۱۱) من القانون المدني المصري على أنه: "إذا كان أحد الطرفين أجنبياً ناقص الأهلية، وكان نقص الأهلية يرجع إلى سبب فيه خفاء لا يسهل على الطرف الآخر تبيّنه، فإن هذا السبب لا يؤثر في أهليته".