يفرق القانون اللبناني إنطلاقاً من إدارة هذا النوع من الشركات بين نوعين رئيسيين منها :
النوع الأول : تكون فيه الإدارة منوطة بالشركاء، ويمارسونها بشكل مستقل ومنفرد طبقاً للقواعد المقررة في المادتين ۸۷۸ و ۸۷۹ م .ع . وهذا النوع من الشركات يسمى شركة التفويض أو التوكيل العام، أو بشكل مجتمع، أي ممارسة الإدارة من قبل الشركاء بالتوافق فيما بينهم. بمعنى آخر، لا يكون لأي شريك الحق بالعمل منفرداً ما لم يحصل على موافقة الشركاء الآخرين وفقاً للقواعد الملحوظة في المادتين ٨٨١ و ۸۸۲ م . ع . ويسمى هذا النوع من الشركات بشركة الوكالة المحدودة .
النوع الثاني : تكون فيه إدارة الشركة منوطة بمدير أو بعدة مديرين يعينون من بين الشركاء أو من غير أعضاء الشركة .
بالنسبة للنوع الأول، فقد اشترط المشترع على الشريك الذي يود إبرام إتفاق تحكيم ملزم للشركة، الإستحصال على موافقة بقية الشركاء، سواء في عقد الشركة أو في عقد لاحق عملاً بالمادة ۸۸۰ م . ع . التي تنص على أن «الشريك في شركة التفويض العام لا يجوز له بدون ترخيص خاص مبين في عقد الشركة أو في عقد لاحق... أن يجري التحكيم . أما بالنسبة للنوع الثاني من هذه الشركات، فإنه ينبغي التمييز بين ما إذا كان المدير من الشركاء أم من غير الشركاء. فإذا كان المدير من غير الشركاء، فإن سلطاته وحقوقه تكون نفس سلطات وحقوق الوكيل بموجب وكالة خاصة وذلك طبقاً لمنطوق المادة ۸۸٥م . ع . التي تحيل إلى المادة م.ع.٧٧٧ وهذا يعني أنه لا يكون لهذا المدير سلطة اللجوء إلى التحكيم، ما لم يكن قد استحصل على تفويض خاص يجيز له ذلك.
أما إذا كان المدير أو المدراء من بين الشركاء، فإنه يلاحظ بأن المشرع قد أغفل ذكر التحكيم من بين الأعمال التي تتطلب إجماع الشركاء في المادة ٨٨٧ م .ع . وذلك خلافاً لما نصت عليه المادة ۸۸۰ بشأن صلاحية الشركاء في شركة التفويض العام، حيث رأى المشرع في التحكيم عملاً خطيراً كالتفرغ والإقراض بدون بدل أو العدول عن الضمانات بدون مقابل .
في القانون الفرنسي فإنه وفقاً للأحكام القديمة الخاصة بعقد الشركة، لم يكن من الجائز للشركاء اللجوء إلى التحكيم بخصوص مصالح الشركة ما لم يكن بحوزتهم وكالة خاصة بذلك تكون مدرجة في النظام أو في عقد لاحق" .
توثيق الكاتب
لا يحتاج تفسير هذا القرار إلى كبير عناء، فباعتبارها العقد التحكيمي من الأعمال اليومية بإدارة الشركة تكون المحكمة قد أكدت على استغناء تطلب الوكالة الخاصة لإبرام إتفاق التحكيم. هذا مع الإشارة إلى أن القرار تضمن نظرة ليبرالية واضحة لجهة اعتباره التحكيم إحدى الوسائل العادية لحل المنازعات في الشركات المدنية .
توثيق الكاتب
هذا ويكون من الأفضل لو يعمد المشرع اللبناني أسوة بالمشرع الفرنسي، إلى تعديل الأحكام الخاصة بالشركات المدنية، على نحو يجيز لها اللجوء إلى التحكيم، فيما خص المواضيع الداخلة في نطاق موضوع الشركة الأساسي. خاصة وأن مثل هذا التعديل يكون منسجما مع التوجهات والسياسات التشريعية الحديثة المشجعة للتحكيم .
سلطة ممثل الشركات التجارية
إن سلطة ممثل هذه الشركات تختلف باختلاف نوع الشركة ، أي باختلاف ما إذا كانت شركة أشخاص أو شركة أموال .
بالنسبة لشركات الأشخاص كشركة التضامن وشركة التوصية البسيطة فإن المدير فيهما يملك سلطة إجراء إتفاق التحكيم بشرط أن يكون موضوع التحكيم متصلاً بتسيير مشروع الشركة طبقاً لنص المادة ٥٨ (ق . ت) المتعلق بشـركـة التضامن. ففي الحكم الصادر عن القاضي المنفرد في عاليه سنة ١٩٥٤ أنه من المتفق عليه علماً واجتهاداً أن الحق المعطى لمدير الشركة بإتمام جميع الأعمال اللازمة لتسيير موضوع الشركة تسييراً منتظماً يتضمن أيضاً الحق بتوقيع عقود التحكيم متى كان النزاع المراد فصله قائماً على عمل داخل ضمن صلاحيات المدير على أموال يجوز له التصرف بها.
و بخصوص شركة المحاصة، و بسبب طابعها السري أو المستور، فإن إتفاق التحكيم المبرم من قبل الشريك الظاهر لا يلزم إلا موقعه، ما لم يكن بقية الشركاء قد تصرفوا بصفتهم شركاء على مرأى ومسمع من الغير، فأوجدوا ظاهرا شركة .
بالنسبة لشركات الأموال وعلى وجه التخصيص الشركات المساهمة، فإن المسألة تبدو أكثر دقة، وذلك بسبب تقسيم العمل الإداري في هذا النوع من الشركات بين جهازين قانونيين يمثلان سلطة الإدارة مجلس الإدارة ورئيسه المدير العام . فالمادة ١٥٧ ق . ت . تمنح مجلس الإدارة سلطة القيام بجميع الأعمال التي يستوجبها سير مشروع الشركة على الوجه المألوف والتي لا تعد من الأعمال اليومية». ومثل هذا النص أمكن الإستناد إليه للاعتراف بسلطة مجلس الإدارة باللجوء إلى التحكيم .
وبالمقابل، فإن رئيس مجلس الإدارة وعند الاقتضاء المدير العام يمثل الشركة لدى الغير ويقوم بإنفاذ مقررات مجلس الإدارة وتيسير أعمال الشركة اليومية، كما هي مبينة في النظام أو العرف تحت إشراف ومراقبة مجلس الإدارة، فهل تسمح هذه السلطة الممنوحة له بإمكانية اللجوء إلى التحكيم؟
الرأي الراجح هو عدم إمكانية رئيس مجلس الإدارة باللجوء إلى التحكيم، لأنه لا يمكن اعتبار هذا الأخير من المسائل الداخلة في إطار الأعمال اليومية. ذلك أن ما يعد من الأعمال اليومية هو اللجوء إلى المحاكم وليس إلى التحكيم .
وهكذا فإن قرار اللجوء إلى التحكيم في الشركات المساهمة يجب أن يكون صادراً عن مجلس الإدارة ولا يكون صحيحاً متى صدر عن رئيس مجلس الإدارة، ما لم يكن نظام الشركة قد نص على اعتبار اللجوء إلى التحكيم من عداد الأعمال اليومية أو العادية .
بعد صدور قانوني ٢٤ تموز ١٩٦٦ بالنسبة للشركات التجارية ، و ٤ كانون الثاني ۱۹۷۸ الخاص بالشركات المدنية، تم التخلي عن الإستناد إلى النصوص المتعلقة بالوكالة . واعتبر الاجتهاد أن ممثلي سلطات الأشخاص المعنوية يستمدون سلطاتهم من القانون وليس من إرادة الشركاء المساهمين وعليه فإن سلطة اللجوء إلى التحكيم المعترف بها لمدراء الشركات غدت ترتكز على النصوص القانونية التي تحدد سلطات الهيئات الإدارية في مختلف أنواع الشركات .
فإذا كان رئيس مجلس الإدارة يقوم بأعمال الإدارة اليومية والمعتادة وإذا كان لا شيء في النصوص يمنع مجلس الإدارة من اللجوء إلى التحكيم باسم الشركة فإنه يكون من الأفضل أن تلجأ الشركة إلى التحكيم بواسطة رئيس مجلس الإدارة أكثر من لجوئها إليه بواسطة هيئة أو مجلس جماعي .
وبالنسبة لبقية الشركات، فإنه في الشركة المحدودة المسؤولية يعود للمدير ، الذي يملك سلطة التصرف باسم الشركة اللجوء إلى التحكيم. وبخصوص شركتي التضامن والمحاصة فإن الأمر لا يختلف عما ذكر آنفاً بشأنهما .