الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اتفاق التحكيم / سلطة ممثل الشخص الاعتباري / الكتب / التحكيم في القوانين العربية / أهلية الشخص المعنوي 

  • الاسم

    د. أحمد ابو الوفاء
  • تاريخ النشر

  • اسم دار النشر

    منشأة المعارف بالأسكندرية
  • عدد الصفحات

    216
  • رقم الصفحة

    80

التفاصيل طباعة نسخ

أهلية الشخص المعنوي 

    أجاز القانون للأشخاص المعنوية التمتع بجميع الحقوق، إلا ما كان منها ملازماً لصفة الإنسان الطبيعية، وذلك في الحدود المقررة لذلك قانوناً. 

   فيكون للشخص المعنوي ذمة مالية مستقلة وأهلية في الحدود التي يعينها سند إنشائه أو التي يقررها القانون وحق التقاضي ويجب أن يكون له من يمثله في التعبير عن إرادته  . ومن أمثلة الأشخاص المعنوية، الدولة والبلديات والشركات والجمعيات والمؤسسات الخاصة المنشأة وفقاً للقانون. والشخص المعنوي له، كقاعدة عامة، أهليـة كـاملـة بالتصرف بكافة حقوقه، إلا ما استثني منها بنص القانون. فإذا دخل التصرف في دائرة الاستثناء المحظور ، فلا يجوز للشخص المعنوي الاتفاق على التحكيم بشأن أي منازعة تتعلق بهذا التصرف، وإلا كان الاتفاق باطلاً. ويستوي في ذلك أن يكون الشخص المعنوي شخصاً عاماً مثل الدولة، أو شخصاً خاصاً مثل الشركات. 

   ومثال ذلك بالنسبة للدولة والأشخاص المعنوية العامة الأخرى، ما نص عليه القانون، من أنه تعتبر أموالاً عامة جميع العقارات والمنقولات التي للدولة أو للأشخاص المعنوية العامة، والتي تكون مخصصة لمنفعة عامة بالفعل أو بناءً على قانون ولا يجوز في جميع هذه الأحوال التصرف في هذه الأموال، أو الحجز عليها ، أو تملكها بمرور الزمان. وعلى ذلك، لو ادعى شخص بأنه تملك أحد هذه الأموال العامة، مثل إحدى الطرق العامة، أو الحدائق العامة بناءً على تصرف صادر من الدولة مالكة هذه الأموال، كالبيع أو المقايضة أو الهبة، وحصل نزاع بينه وبين الدولة، فلا يجوز إحالة النزاع للتحكيم، وإلا كان الاتفاق باطلاً، لأنه ليس للدولة أهلية التصرف بهذه الأموال بالرغم من أنها أموالها. 

   ومثال ذلك بالنسبة للأشخاص المعنوية الخاصة الشركات. فالقانون الإماراتي مثلاً، يبين حدود التصرفات التي يجوز للشركة إجراؤها على أموالها وحقوقها المالية بشكل عام. فإذا أجرت الشركة تصرفاً لا يجوز لها إجراؤه أصلاً، يكون كل من التصرف واتفاق التحكيم بشأنه باطلين ففي الشركات المساهمة العامة، نص القانون على أنه لا يجوز للشركة إصدار أسهم تعطي أصحابها امتيازاً من أي نوع، وعدم جواز إصدار أسهم لحاملها ، أو إبراء ذمة المساهم بدفع قيمة السهم، أو الاتفاق مع المساهم الذي لم يدفع قيمة أسهمه على إجراء المقاصة بين هذه القيمة وبين دين المساهم في ذمة الشركة، ولا أن يردّ للمساهم ما دفعه للشركة كحصة في رأس المال، وعدم جواز أن تشتري الشركة أسهمها إلا في الأحوال المبينة لذلك في القانون ولا أن ترتهن هذه الأسهم . في جميع هذه الأحوال وغيرها، مما يحظر القانون فيها على الشركة إجراء تصرفات معينة، لا يكون للشركة أهلية إبرام هذه التصرفات ولا الاتفاق على التحكيم بشأنها ، ويكون كل من التصرف والاتفاق باطلين.

   ومن المهم أن نلاحظ أن عدم جواز إجراء التصرف، وبالتالي عدم جواز الاتفاق على التحكيم بشأنه، إنما يرجعان هنا إلى عدم أهلية الشخص المعنوي إبتداءً في القيام بهذا التصرف، وليس لكون ممثل الشخص المعنوي من الأشخاص الطبيعيين غير مفوض بالقيام به. ويترتب على ذلك القول أن هذا الممثل، يعتبر عديم الصلاحية من هذه الناحية، تبعاً لعدم أهلية الشخص المعنوي لإجراء التصرف. فلا الجمعية العمومية، ولا مجلس الإدارة، ولا المدير العام للشركة المساهمة العامة، لهم صلاحية إجراء التصرف المحظور قانوناً ، ولو صدر قرارهم بالإجماع. ففي جميع الأحوال، يقع التصرف باطلاً.

   أما لو كان الشخص المعنوي له حق التصرف بالمال، فإن الذي يقوم بإجراء التصرف عنه الشخص الطبيعي الذي يمثله قانوناً ، في حدود الصلاحيات المعطاة له بالاتفاق أو بالقانون حسب الأحوال. ففي الشركات محدودة المسؤولية مثلاً، عادة ما ينص القانون على أن مدير الشركة أو هيئة مديريها لهم جميع السلطات اللازمة لتسيير أعمال الشركة، ما لم يرد نص خاص على غير ذلك في نظام الشركة . وبناءً عليه يكون للمفوض بالتوقيع عن الشركة قانوناً، صلاحية توقيع أي اتفاق تحكيم بافتراض عدم وجود نص يقيد صلاحياته في نظام الشركة . وقد يبين نظام الشركة اسم الشخص أو الأشخاص المفوضين بالتوقيع عنها ، وحدود الصلاحيات المعطاة لهم. وعندئذ، لسنا بحاجة إلى نص خاص بتفويض المدير صلاحية التوقيع على اتفاق التحكيم، وإنما يكفي أن يكون مفوضاً لتسيير شؤون الشركة والتوقيع عنها بشكل عام، بما في ذلك الشؤون القانونية، ليكون له صلاحية التوقيع على أي اتفاق بالنيابة عن الشركة. وإذا كــان مفوضاً بجزء من إدارة الشركة، فإن اتفاق التحكيم الذي يبرمه بشأن هذا الجزء، يكون صحيحاً وملزماً للشركة. 

ومثال الحالة الأولى، أن يعين (أ) مديراً عاماً للشركة، وينص نظام الشركة على أنه مفوض بالتوقيع عنها بكافة أمورها المالية والإدارية والقانونية. في هذه الحالة يكون لـ (أ ) صلاحية التوقيع على اتفاق التحكيم بشأن أي نزاع مالي بين الشركة والغير ). ومثال الحالة الثانية، أن يعطى أحد أعضاء هيئة مديري الشركة صلاحية استئجار وتأجير السيارات السياحية. في هذا المثال، يكون لهذا العضو إبرام اتفاق التحكيم باسم الشركة وبالنيابة عنها، في حدود عقد استئجار أو تأجير السيارات. وفي كلا الحالين إذا أعطيت صلاحية إدارة كافة الشؤون القانونية لمدير آخر، أو حظر عقد الشركة على أي مدير من مدرائها الدخول في اتفاقيات التحكيم، فليس للمدير توقيع هذه الاتفاقيات. 

   وتطبيقاً لذلك، بالنسبة للشركات ذات المسؤولية المحدودة، قضي في الإمارات بأن مدير الشركة له السلطة الكاملة في إدارتها ، ويشمل ذلك أهليته في الاتفاق على التحكيم. ولا يغير من الأمر شيئاً المادة (2/58) من قانون الإجراءات المدنية التي تحظر التحكيم بالحق المدعى به بغير تفويض خاص ) . فهذا النص، ينصرف إلى الوكيل بالخصومة أمام المحكمة، ولا يتعدى مدير الشركة ذات المسؤولية المحدودة في إدارتها وأهليته في الاتفاق على التحكيم 

   ولمعرفة الحكم بالنسبة لصلاحيات المفوض عن الشركة المساهمة العامة، نأخذ القانون الإماراتي مثالاً على ذلك. ففي الشركات المساهمة العامة، تقضي المادة (104) من قانون الشركات، بأن يكون رئيس مجلس الإدارة هو رئيس الشركة ويمثلها أمام القضاء. ويعتبر توقيعه كتوقيع مجلس الإدارة في علاقة الشركة بالغير، وعليه أن ينفذ قرارات المجلس وأن يتقيد بتوصياته. ويجوز للرئيس أن يفوض غيره من أعضاء مجلس الإدارة في بعض صلاحياته. ولكن هذه الصلاحيات، مقيدة بالمادة (103) من القانون، وتقضي بأنه يتولى مجلس الإدارة جميع السلطات اللازمة للقيام بالأعمال التي يقتضيها غرض الشركة، عدا ما احتفظ به القانون أو نظام الشركة للجمعية العمومية. ومع ذلك، لا يجوز لمجلس الإدارة الاتفاق على التحكيم، ما لم يكن هذا التصرف مصرحاً به في نظام الشركة، أو كان مما يدخل بطبيعته في غرض الشركة.

 

    ونفهم من هذين النصين أن الاتفاق على التحكيم، لا بد فيه من قرار من مجلس الإدارة ينص على ذلك صراحة. فلو وافق مجلس الإدارة على شراء بعض السلع للشركة أو بيع بعض سلعها ، فإنه ليس لرئيس مجلس الإدارة التوقيع على اتفاق التحكيم الخاص بعقد البيع والشراء. وهذا بخلاف ما لو وافق المجلس على عقد البيع المعروض عليه، بشروطه وأحكامه ومن ضمنها شرط التحكيم. 

    كما نفهم من النصين المذكورين أنه ليس لمجلس الإدارة اتخاذ قرار بالموافقة على إبرام اتفاق التحكيم، إلا في إحدى حالتين: الأولى - حيث ينص نظام الشركة على صلاحية مجلس الإدارة بإبرام أو الموافقة على إبرام اتفاقيات التحكيم. الثانية - إذا كانت طبيعة اتفاق التحكيم، تدخل في أغراض الشركة. وقد تكون الحالة الثانية نادرة الوجود في الحياة العملية. إذ من غير المتصور في غالبية الحالات، أن يكون من أغراض الشركة إحالة منازعاتها إلى التحكيم. ولكن هناك حالة واحدة على الأقل، يمكن أن يوجد بها غرض كهذا من أغراض الشركة، حيث يكون موضوع الشركة وغرضها الأساسي، تسوية المنازعات بالطرق البديلة من توفيق أو تحكيم أو وساطة أو محاكمة مصغرة أو غير ذلك. في هذا الفرض، يمكن القول أن طبيعة أغراض الشركة، تقتضي إحالة المنازعات بينها وبين الغير إلى التحكيم، ما دام أن من أغراضها الأساسية تسوية المنازعات عن طريق التحكيم. وعندئذ ، ، يكون مجلس الإدارة مفوضاً بالموافقة على اتفاقيات التحكيم بين الشركة والغير

    وبعد صدور قرار مجلس الإدارة بالموافقة على التحكيم، فإن الشخص المفوض بالتوقيع على اتفاق التحكيم، هو رئيس مجلس الإدارة بمقتضى الصلاحيات العامة المعطاة له في القانون. وللرئيس أن يفوض واحداً أو أكثر بعض صلاحياته ، شريطة أن يكون المفوض أو المفوضين من أعضاء مجلس الإدارة، وإلا كان التفويض غير صحيح. فإذا كانت الصلاحيات موضوع التفويض تشمل التوقيع على اتفاق التحكيم، كان لعضو مجلس الإدارة المفوض التوقيع على الاتفاق ولا يكون لرئيس المجلس التوقيع على اتفاق التحكيم، إذا أعطى مجلس الإدارة هذا التفويض لشخص غير الرئيس ، سواءً كان من أعضاء مجلس الإدارة أو من غيرهم. ويعتبر الغير في مثل هذه الحالة، بمثابة الوكيل عن الشركة في إبرام الاتفاق.

   فإن عدم جواز إبرام اتفاق التحكيم من شخص غير مفوض عن الشخص المعنوي، ليس بسبب ذاتية اتفاق التحكيم أو موضوعه أو لانعدام أهلية أحد أطرافه، وكل هذا من النظام العام وإنما بسبب أن أحد طرفيه المباشرين، ليس له صلاحية إبرام الاتفاق بالنيابة عن الشخص المعنوي. وعليه، يمكن القول أن هذا الحكم إنما شرع لمصلحة الشركة، وليس لمصلحة الطرفين معاً، ولا للمصلحة العامة، وبالتالي من الصعب القول أنه من النظام العام، تماماً كما الحال بالنسبة للشخص الطبيعي ناقص الأهلية.

     فمثلاً ، قد يبرم (أ) اتفاق تحكيم بالنيابة عن الشركة، في الوقت الذي لم يكن فيه (أ) مفوضاً بالتوقيع عنها ، إلا أن الشركة أقرت الاتفاق بعد توقيعه وقبل اللجوء إلى التحكيم، أو لم تقر الاتفاق صراحة، وإنما علمت به لاحقاً، وباشرت إجراءات التحكيم، واستمرت بها إلى حين صدور حكم التحكيم دون أن تثير هذه المسألة، وصدر الحكم لصالحها. في مثل هذا الفرض من غير المنطقي السماح للطرف الآخر بالطعن في الحكم، بسبب عدم جواز الاتفاق على التحكيم من شخص غير مفوض عن الشركة، في حين أن الشركة صاحبة المصلحة الوحيدة، لم تتمسك بهذا الحق طيلة إجراءات التحكيم، بل هي ذاتها التي باشرت الإجراءات. وبالمقابل، لو صدر الحكم ضد الشركة، فمن غير المعقول أيضاً إعطاءها الحق بالطعن في الحكم، بسبب أن (أ) لم يكن مفوضاً بالتوقيع على اتفاق التحكيم، بالرغم من موافقتها اللاحقة على الاتفاق، بل والتمسك به حتى صدور الحكم.

   والنتيجة التي نخلص إليها أن اتفاق التحكيم المبرم من شخص غير مفوض بالتوقيع عن الشركة، هو اتفاق صحيح وليس باطلاً. . وحسب القواعد العامة فإن مثل هذا الاتفاق، موقوف على الإجازة لمصلحة الشخص المعنوي دون غيره حسب قوانين بعض الدول، أو هو قابل للإبطال لمصلحة ذلك الشخص دون غيره حسب قوانين أخرى . وفي الحالة الأولى، يصبح الاتفاق نافذاً لو أجازه المفوض عن الشخص المعنوي صراحة أو ضمناً، كما يجوز له فسخ الاتفاق. وفي الحالة الثانية، يجوز للمفوض إما إبطال الاتفاق أو إجازته.