في هذا الصدد يجدر التمييز بين أهلية الشخص الطبيعي من ناحية، وأهلية الشخص الاعتباري في إبرام اتفاق النحكيم من ناحية أخرى.
أولا: أهلية الأشخاص الطبيعية في إبرام اتفاق التحكيم
تتحقق أهلية الشخص الطبيعي أصلا متى كان عاقلاً بالغاً سن الرشد، ولم يحجر عليه.
وهذا ما نص عليه المشرع المصري في قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994، حيث ضمنت المادة 11 منه ما نصه "لا يجوز الاتفاق على التحكيم إلا للشخص الطبيعي أو الاعتباري الذي يملك التصرف في حقوقه ولا يجوز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح".
النص إذن يشترط توافر أهلية الشخص في التصرف في حقوقه، وبالتالي لا يكفي أن تكون للشخص أهلية التعاقد فحسب، بل يجب أن يكون الشخص أهلاً للتصرف في الحق المتنازع عليه لإبرام اتفاق التحكيم، وعلى ذلك لا تكفي توافر الأهلية اللازمة للقيام بأعمال الإدارة وكذلك لا تكفي أهلية الالتجاء إلى القضاء، وإن كان التحكيم في وظيفته قضاء، فلابد من تمتع الشخص بالأهلية المدنية الكاملة، أي إمكانات إجراء الأعمال القانونية على المال الذي يتناوله التحكيم، حيث إن الاتفاق على التحكيم يرتب التنازل عن رفع النزاع إلى قضاء الدولة، الأمر الذي قد يعرض الحق المتنازع عليه للخطر.
والأصل أن كل شخص بلغ سن الرشد أهل للتعاقد ما لم تسلب أهليته أو يحد منها القانون، كما أن من المحتمل أن يكون المحتكمون من جنسيات مختلفة، لذلك لابد من تطبيق القانون الذي تحدده الدولة التي وقع فيها الاتفاق على التحكيم، أو قانون الدولة التي ينتمي إليها المحتكمون بجنسياتهم، ومن ثم فإذا كان أحد الطرفين مصريا مثلاً وجب أن تتوفر فيه قواعد الأهلية التي تنص عليها المواد من 109 إلى 119 من التقنين المدني المصري.
ويلاحظ أن اتفاق التحكيم يعد من الأعمال الدائرة بين النفع والضرر ومن ثم يكون قابلا للإبطال أي باطلا بطلانا نسبيا إذا أبرمه القاصر، وهذا البطلان يزول بالإجازة من القاصر نفسه بعد بلوغه سن الرشد أو بالإجازة من وليه الشرعي أو الوصي عليه. ويجوز للقاصر الاتفاق على التحكيم في حدود التصرفات الجائز له القيام بها مثل التصرف فيما يكسبه من عمله ومن ثم يجوز له الاتفاق على التحكيم إذا كان النزاع متعلقا بالأموال التي اكتسبها من عمله بعد بلوغه السادسة عشرة. كما أن المأذون له بالتجارة أو بالإدارة تكون لديه الأهلية في إبرام اتفاق التحكيم إذا تعلق النزاع بأي منهما في حدود الإدارة أو التجارة وفقا للإذن الممنوح له.