اتفاق التحكيم / الأهلية اللازم توافرها / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / اتفاق التحكيم وفقاً لقانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية رقم 27 لسنة 1994 / الأهلية المطلوبة في المعاملات الدولية:
( في القانون المصرى، التشريعات المقارنة، اتفاقية نيويورك والقانون النموذجي)
أولا: الأهلية في العلاقات الدولية وفقاً للقانون المصرى
إذا لم يتفق المتعاقدون على القانون الواجب التطبيق وجب عندئذ تطبيق القواعد العامة في القانون الدولي الخاص، وهي كما هو معلوم – مختلفة في التشريعات الوطنية ومجملها في التشريع المصرى، إذا كان الأمر يتعلق بأهلية المتعاقدين لإبرام اتفاق التحكيم وجب تطبيـق قـانون الدولة التي ينتمون إليها بجنسيتهم (مادة 11 مدنی مصری).
ثانياً: الأهلية في التشريعات المقارنة:
تتفق معظم التشريعات المقارنة مع القانون المصرى حيث تقرر أن الأهلية المطلوب معا توافرها بالنسبة لأطراف اتفاق التحكيم هي أهلية التصرف في الحقوق التي ستحال الى التحكيم.
القانون الشخصي الذي يحدد الأهلية ( Loi Personnelle)
اذا كان القانون المطبق على الأهلية هو القانون الشخصي لتحديـد مـا اذا كان موقع العقد كامل الأهلية أو ناقصها فان الأنظمة القانونية في العالم منقسمة حول معنى القانون الشخصي الى:
أ - منها ما يعتبر قانون الجنسية هو القانون الشخصي كالقانون الفرنسي والقانون المصرى (المـادة ١١) من القانون المدني المصري. ب – ومنهـا مـا يعتبر قانون الموطن هو القـانون الشخصي، كالقانون الانجليزي والقانون الأمريكي.
من هنا فان حكم التحكيم لا يكون نافذا الا اذا كان موقعو اتفاق التحكيـم كـاملي الأهلية أى أهلية التصرف في الحقوق وفقا للقانون المطبق.
وهناك ثلاثة احتمالات التطبيق ثلاثة قوانين ارجع في كل منها الى قواعد الاسناد هي: القانون المطبق على قسم النزاع " قانون المحكمة القضائية قانون مكان اجرء التحكيم.
ثالثاً: الأهلية في اتفاقية نيويورك لسنة ١٩٥٨:
تتضمن اتفاقية نيويورك فقط (بالمادة ١/٥) منها قاعدة اسناد مؤداها رفض الاعتراف بحكم التحكيم أو تنفيذه اذا أقام المطلوب ضده الدليل على أن "أطراف الاتفاق (على التحكيم) كانوا طبقا للقانون الذي ينطبق عليهم في أحدى صور عدم الأهلية".
فما هو المقصود بتعبير القانون الذي ينطبق عليهم؟ وهل ينصرف ذلك الـى قـانـون الجنسية أو الى قانون الموطن بالنسبة للأشخاص الطبيعيين، وحقيقة الوضع بالنسبة للشخص الاعتباري وتحديد من هو الممثل القانوني الذي يملك سلطة الزامية بالاتفاق على التحكيم؟ وما هي المسائل التي تدخل في دائرة القاعدة الواردة ( بالمادة 1/5)؟
لم توضح اتفاقية نيويورك حقيقة المقصود بالقانون الذي يطبق عليهم" وهذا الوضع يثير من المشكلات أكثر مما قد يحسمه وازاء عدم ورود أية قيود على اتفاقية نيويورك.
وفي ظل انقسام دول العالم الى مجموعتين أساسيتن كما سبق القول: دول تعتبر قانون الجنسية هو القانون الشخصي، ودول أخرى تأخذ بقانون الموطن.
ومن ثم ، فقد تركت اتفاقية نيويورك للقاضي الذي يطرح عليه الأمر في النهاية - عنـد نظر مدى توافر شروط الاعتراف بحكم التحكيـم الصـادر بناء على ذلك الاتفاق أو تنفيذ حكـم التحكيم - بيان ما هو القانون الشخصي الذي يحكم أهليـة طرفي اتفاق التحكيم. فاذا كان الأمر مطروحا على قاضي فرنسي أو مصرى مثلا يأخذ نظامه القانوني بقانون الجنسية وجب تحديـد مدى توافر أو عدم توافر أهلية الشخص وفقا لقانون جنسيته. وأما اذا طـرح الأمر على قاضي أمريكي او انجليزي، يأخذ نظامه القانوني بقانون الموطن، فـان المنـاط عندئذ لتقريـر مـدى توافر أو عدم توافر أهلية الشخص يكون للقواعد الموضوعيـة فـي قـانون موطن الشخص الطرف في اتفاق التحكيم.
ويبقى السؤال هل يوجد حل موحد تطبقه هيئة التحكيم بالنسبة لمسألة الأهليـة ثـم قـاضي التنفيذ أو أن تنازع القوانين سيخرق الحقوق التي يكرسها حكم التحكيم؟
وعندما يطرح أمام المحكم الدولي هذا النزاع كيف يمكـن حـلـه فـي غيـاب قـاعدة دوليـة موحدة؟ والنص الصريح الواضح الذي يحسم الوضع في اتفاقية نيويورك لم يتضح بعد، والأهلية تبقى بين قانونين قانون الموطن وقانون الجنسية.
كما يعيب هذا الحل الذي أخذت به اتفاقية نيويورك أنه لم يعالج الفرض الغالب، وهو كون مسألة الأهلية مطروحة على هيئة التحكيم في صدد المنازعة أمامها. ذلك أن هيئة التحكيم لا تملك قواعد اسناد خاصة بها لتوضح ما اذا كان القانون الشخصي هو قانون الجنسية أم قانون الموطـن، ومن ثم فلا يوجد حل موحد يعطي حلولا مرضية في مختلف الحالات.
أهلية وكيل أطراف التحكيم في اتفاقية نيويورك:
في الواقع أن مسألة أهلية وكيل أطراف التحكيم لا تثير أية مشكلة في القانون المصرى، بينما تثار هذه المسألة في العلاقات الدولية الخاصة بسبب ما قدمناه آنفـا مـن اختلاف في الأهلية بين النظم القانونية الدولية، لذا سوف نعالج هذه المسألة في اتفاقية نيويورك.
قاعدة الاسناد التي تضمنتها (المادة 1/5) من اتفاقية نيويورك قد صيغت أصلا لمعالجة "احدى صـور عـدم الأهلية" المنسوبة الى أى من أطراف اتفاق التحكيم وهي بذلك لا تتناول صراحة الفروض المتعلقة بمن تكون له سلطة تمثيل الطرف في اتفاق التحكيم والتوقيع نيابة عنه بافتراض أن الأصيل كامل الأهلية ويحق له أن يكون طرفا في اتفاق على التحكيم.
ولكن استقر الـرأى على تطبيق ذات القاعدة التي تشير الى القانون الشخصى للطرف المعنى، وعلى أساس أن العبرة في القانون الـذي يـحكـم أساسـا الطـرف الأصيـل الصـادر التصرف باسمه.
و القاعدة أن القانون الذي يحكم الشركة هو الـذي يـحـدد مـن يملك سلطة الارتباط باسمها والتوقيع على اتفاق التحكيم، والقانون الذي يحكم الافلاس هو الذي يقرر مدى سلطة السنديك في ابرام اتفاق التحكيم في شأن منازعات التاجر الواقع تحت التفليس، وهكذا.
وبالنسبة لأشخاص القانون العام فالأصل ضرورة مراعاة القواعد الخاصة التي يتطلبها نظام الدولة القانوني المنشور بالنسبة لسلطة ابرام اتفاق التحكيم والموافقات الواجب الحصـول عليها سلفا. والتحفظ الوحيد الذي يرد على الأصل المذكور هو ضرورة تفادى مخاطر اساءة استعمال الدولة لسلطتها في تعديل القواعـد التـي تحـكـم هـذه المسألة أو التمسك بتنظيمات اداريـة خارجة عن مجال الأهلية والصفة في التعاقد.
رابعاً: الأهلية في القانون النموذجي "Model Law":
الملاحظ على القانون النموذجي أنه سكت عن مسألة الأهلية المطلوبة لطرفي اتفاق التحكيم، فيبدو أنه اكتفى بما جاء باتفاقية نيويورك في هذا الصدد وكذلك ترك هذا الأمر الـي كـل دولة حسب تشريعاتها. لأن الهدف من وضع القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي أن يضع الخبراء الدوليون والموفودون من الدول أعضاء لجنة الأنسترال إطاراً إجرائياً بقواعد التحكيم التجاري الدولي الحديثة ذات القبول العام من مختلف دول العالم، وكـان بديهيـاً أن يتجنب القانون النموذجي التعرض الى قواعد الأهلية بشأن إتفاق التحكيم التي رؤى أن تترك لكل دولة وفقاً للقواعد القانونية الموضوعية السارية المفعول فيها.
خامساً: الجهل بالأهلية في التجارة الدولية:
كما سبق القول ان الأهلية التي تشترطها القوانين هي أهلية التصرف التي يطبق عليهـا القانون الشخصي، ولكن عندما . ا يبرم في التجارة الدولية مثلا عقد شحن باخرة محملة بالقمح مـن أمريكا الى مصر ويتضمن هذا العقد شرطا تحكيماً، فهل يفترض بكل طرف أن يدقق في قواعد الأهلية في القانون الأجنبي عنه قبل أن يبرم . عقد تجارة دولية؟ والى أي مدى يطلب منه ذلك، اذا وقع نزاع تحكيم وأثير موضوع أهلية موقعي اتفاق التحكيم؟ وما هي حدود التسامح والتغاضي التي تتطلبها التجارة الدولية بجهل القانون الأجنبي؟
ازاء عجز اتفاقية نيويورك عن الوصول الى حل واضع يشمل كافة الفروض، وضع الفكـر القانوني الدولي، بشقيه الاجتهادي والفقهى، قاعدة عامة لجهل المتضرر بالقانون الأجنبي، تقضى بأنه في غياب أعراف تجارية فان كل شخص يبدو ظاهريا متمتعا بسنة التاجر ويمكن أن يكون أهلا للتعاقد. فقد اتجه الرأى الى استلهام ما اطلق عليه "المباديء العامة في القانون الدولي الخاص كما تستخلصها هيئات التحكيم في أحكامها والتي اعتبر جزءا لا يتجزأ منها الجهل بقواعد التنين الأجنبي غير المألوفة التي يعذر فيها الشخص الآخر.
ومن المؤكد أن هذا الاتجاه يعكس شعورا عاما لدى المحكمين بأنه من غير المألوف أو المستحب أن يبرم الشخص اتفاق تحكيم يطمئن الطرف الآخر إلى سلامته، ثم يفاجيء هذا الأخير بادعاء خلال مراحل التحكيم أو بعد صدور حكم التحكيم مقتضاه أن اتفاق التحكيم كان منذ البداية باطلا لسبب يرجع الى انعدام أو نقص أهلية الطرف الآخر الذي أبرم معه الاتفاق. ويصدق هذا سواء أكان الطرف المذكور شخصا طبيعيا أم شخصا معنويا، باعتبار أن هناك قرينة مقتضاهـا أن الأصل في المتعاملين دوليا أنهم يملكون أهلية كاملة في ابرام كافة التصرفات الداخلة في نطاق معاملاتهم، والاتفاق على التحكيم صار من الأمور المألوفة عالميا.
وبالنسبة للقانون المصري في هذا الصدد فقد عالجه بالإستثناء الوارد بنص (المادة ١١) مدنى والذى يقول .... ومع ذلك ففي التصروفات المالية التي تعقد في مصر ويترتب أثارها فيها إذا كان أحد الطرفين أجنبياً ناقص الأهلية وكان نقص الأهلية يرجع الى سبب فيه خفـاء لا يسهل على الطرف الآخر تبينه، كان هذا السبب لا يؤثر في أهليته". وهو استثناء قليل التطبيق بطبيعة الحال في التجارة الدولية حيث تقع المعاملات بين مؤسسات كبيرة، وإذا وقعت بين أفراد فإنهم يكونون من التجار ذوى الخبرة والحرص لا يخفى عليهم سبب نقص الأهلية.
ونخلص مما سبق وبالنسبة للأهلية في العلاقات الدولية الى أنه يجب اتباع الحلول المألوفة في القانون الدولي الخـاص عن طريق تحديد القانون الوطني الواجب التطبيق واتباع القواعـد الموضوعية التي يقررها والوسيلة الفنية للوصول الى ذلك هي قاعدة الاسناد التي أوردتهـا (المادة 1/5) من اتفاقية نيويورك السالف الاشارة اليها.
فالمقرر أنه اذا ثارت شبهة حول ما اذا كان أحد أطراف اتفاق التحكيم وقـت ابـرام ذلك الاتفاق ناقص الأهلية فان تحديد ذلك انما يكون على هدى "القانون الذي ينطبق عليه حسب تعبير نص (المادة 1/5) من اتفاقية نيويورك، أي قانونه الشخصي (قانون الجنسية أو قانون الموطن).