هذه الاعتبارات وغيرها كثير تؤدي بنا إلى القول بضرورة ترك ناقص الأهلية بعيداً عن التحكيم في كافة نزاعاته المالية، سواء كان التصرف موضوع النزاع نافعاً أو ضاراً أو دائراً بين النفع والضرر. نرى تفسير النص القانوني الذي لا يجيز التحكيم أو الاتفاق على التحكيم إلا ممن له أهلية التصرف، إنما يعني أهلية التصرف الكاملة، أي بلوغه سن الرشد ، بحيث يستطيع الشخص أن يتصرف بماله بالطريقة التي يراها مناسبة ، سواء كان ذلك بعوض أو بغير عوض .
ويترتب على ذلك القول أنه لا يجوز اللجوء للتحكيم في المنازعات التي يكون ناقص الأهلية طرفاً فيها، سواء أبرم اتفاق التحكيم معـه مباشرة، أو مع وليه أو وصيه أو القيم عليه، ما لم يوجـد نـص خـاص يقضي بغير ذلك صراحة، بالشروط التي يحددها مثل هذا النص ومثال ذلك، ما نصت عليه المادة من اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم السعودي، من أنه لا يجوز للولي أو الوصي على القاصر اللجوء للتحكيم ، ما لم يكن مأذوناً له بذلك من المحكمة المختصة.
ويترتب على ذلك القول أن الحكم بعدم صحة اتفاق التحكيم الذي يكون أحد طرفيه ناقص الأهلية، كما تقول النصوص المشار إليها سابقاً، إنما شرع لمصلحة ناقص الأهلية، وليس للمصلحة العامة ولا لمصلحة المتعاقد الآخر، مما يعني عدم بطلان اتفاق التحكيم المبرم من ناقص الأهلية بصورة مطلقة، وإنما يكون الاتفاق إما موقوفاً لصالح الصغير حسب قوانين بعض الدول، أو قابلاً للإبطال لصالحه استناداً لقوانين أخرى . ويعني ذلك أنه يجوز لناقص الأهليـة بـعـد بلوغـه سـن الرشد ، إما فسخ الاتفاق أو إبطاله من جانب، أو إجازته من جانب آخر. وما دام أنه شرع لمصلحته فقط ولا دخل للمتعاقد الآخر بذلك، فليس لذلك المتعاقد التمسك بفسخ الاتفاق أو إبطاله، وهذا هو توجه القضاء في الحياة العملية.
ونرى تطبيق الحكم المتضمن اشتراط الأهلية على النحو المذكور، على الصغير المأذون له من قبل وليه أو المحكمة بتسلّم أمواله لإدارتها، أو الاتجار بها. فمثل هذا الإذن، لا يشمل الاتفاق على التحكيم نظرا لطبيعته الخاصة، ما دام أن الاتفاق على التحكيم ليس من قبيل إدارة الأموال أو الاتجار أو التصرف بها كما تقدم . وبالتالي، ليس حتى للمحكمة منح الإذن بالتحكيم، لا للقاصر ولا لوليه أو الوصي أو القيم عليه، ما لم يوجد نص خاص يجيز ذلك.