الاثر المترتب علي عدم الحصول علي موافقة رئيس مجلس الوزراء باللجوء للتحكيم.
من أولى المشاكل التي يثيرها اتفاق التحكيم في العقود الإدارية التي تبرمها الدولة أو أحد الأشخاص المعنوية العامة والتي نستطيع أن نتبينها من خلال أحكام التحكيم هي أهلية الدولة أو قدرتها علي إبرام اتفاق التحكيم. وقد أثيرت هذه المشكلة بسبب أن هناك تشريعات غير قليلة في العالم تحظر علي الدولة أو الأشخاص المعنوية العامة اللجوء إلى التحكيم.
وقد ذهب بعض الفقه إلي أنه من الصعب أن نذهب إلى أن الدولة ليس لديها الأهلية في الاتفاق علي التحكيم ويرجع السبب في ذلك إلى أن الدولة تقوم بإدارة مشروعات اقتصادية عملاقة ومؤسسات كبيرة ذات نفع عام فإذا كانت تفتقر إلى الأهلية لما كان لها أن تدير مثل هذه المشروعات.
وهذا يعني أنه يتحتم استبعاد القانون الوطني للدولة عند الحكم علي اهليتها في مجال اتفاق التحكيم الدولي .
. وقد أخذ بذلك القانون السويسري حيث نص في المادة 2/177 علي أنه إذا كانت الدولة أو أحد الأشخاص التابعة لها طرفاً في اتفاق التحكيم فإنها لا تستطيع أن تستند إلى قانونها الوطني لتثبت عدم أهليتها علي الاتفاق على التحكيم..
حصول الشخص المعنوي على الترخيص باللجوء إلى التحكيم
اتخذت بعض التشريعات موفقا وسطا من التحكيم في العقود الإدارية فهي لم تمنع شرط التحكيم فيها كلية ولم تجيزه في نفس الوقت بصفة مطلقة وإنما تتطلب الحصول على ترخيص باللجوء إلى التحكيم.
ومن ذلك التشريع السعودي حيث نصت المادة العاشرة من المرسوم الملكي الصادر بتاريخ 1433/5/17هـ لا يجوز للجهات الحكومية الاتفاق على التحكيم إلا بعد موافقة رئيس مجلس الوزراء ما لم يرد نص نظامي خاص يجيز ذلك.
ويثور التساؤل حول حكم اتفاق التحكيم إذا لم يتضمن هذه الموافقة هل يلحقه جزاء البطلان أم يظل مع ذلك اتفاقا صحيحا ومنتجا لآثاره القانونية ؟
بينما ذهب البعض الآخر إلى أنه متى لجأ الشخص المعنوي العام إلى الاتفاق على التحكيم سواء عن طريق شرط في العقد أو مشارطة أو بالإحالة إلى وثيقة تتضمنه دون أن يحصل علي موافقة الوزير المختص فإنه يصبح ملتزما به .
موقف قضاء التحكيم من هذه المسألة
قضية المشروع العام السوري ضد الشركة الألمانية
تم إبرام عقد بين مشروع عام في سوريا وشركة ألمانية، واتفق الطرفان علي تسويه المنازعات التي تنشأ بينهما عن طريق التحكيم وفقا لغرفة التجارة الدولية بباريس ICC.
ولما ثار نزاع بين الطرفين قررت الشركة الألمانية اللجوء إلى التحكيم فدفع الطرف السوري ببطلان اتفاق التحكيم وذلك لعدم حصوله على موافقة مجلس الدولة قبل الاتفاق على شرط التحكيم وذلك طبقا لنص المادة 44 من قانون مجلس الدولة السوري والتي تلزم الوزارات والمرافق العامة بضرورة الحصول على موافقة مجلس الدولة قبل قبول أو إبرام أي عقد يتضمن شرط التحكيم إلا أن محكمة التحكيم لم تلتفت لهذا الدفع واعتبرت أن المشروع العام يعتبر تاجرا يحق له ممارسة كافة الأنشطة ويحق له الاتفاق علي تسوية المنازعات عن طريق التحكيم دون حاجة للحصول على موافقة .
مجلس الدولة وذلك لأن المدعي عليه لا يعد وزارة ولا مرفقا عاما إلا أن المشروع العام المتعاقد مع الشركة الألمانية تمسك بوجود أمر وزاري ينظم تلك المسألة على النحو الذي لا يمكن للمشروع معه قبول التحكيم دون اللجوء إلى مجلس الدولة إلا أن محكمة التحكيم أوضحت أن الأمر الوزاري لا يمكنه أن يخالف النصوص المنبثقة عن لائحة تشريعية وأن هذا الحل معترف به سواء في سوريا أو في أي مكان آخر.
ويرى أن تمسك الشخص المعنوي العام بالقيود المفروضة في التشريع الداخلي بعدم إبرام اتفاق التحكيم لا يمثل حجة مقنعة سواء من الناحية القانونية أو من الناحية العملية :
فمن الناحية القانونية، فإن الاستناد إلى هذه القيود يخالف مبدأ حسن النية الذي يفرض علي كل طرف أن يقوم بتنفيذ تعهداته ومن الناحية العملية فإن إعمال هذه القيود يؤدي إلى اهتزاز الثقة في اتفاقات التجارة الدولية مما يلحق أبلغ الضرر بمعاملات التجارة الدولية.
ومن هنا نستطيع أن تقرر أن قانون التحكيم المصري 9 لسنة 1997 الذي اشترط ضرورة الحصول علي موافقة الوزير المختص علي اللجوء إلى التحكيم أو إبرام اتفاق التحكيم هذا الشرط تزيد لا فائدة منه وذلك لأن قضاء التحكيم قد استقر على صحة اتفاق التحكيم حتى ولو لم يتم الحصول علي ترخيص مسبق باللجوء إلي التحكيم من الجهة المختصة بذلك ..