اتفاق التحكيم / الأهلية اللازم توافرها / الكتب / اتفاق التحكيم كأسلوب لتسوية منازعات عقود التجارة الدولية / اختصاص قضاء التحكيم بالتحقق من توافر الأهلية
وقضاء التحكيم هو المنوط به بداية أن يتحقق من توافر أهلية الأطراف كل بحسب قانونه الشخصي وقت إبرام هذا الاتفاق، فإذا كان أحد طرفي الاتفاق مصرى الجنسية قام المحكم بتطبيق القانون المصرى الذى يشترط أن تتوافر أهلية التصرف في الحقوق (م ۱۱ من قانون التحكيم المصرى)، وبالتالي يلزم أن يكون المصرى له أهلية أداء كاملة؛ أي بالغا واحداً وعشرين عاما، متمتعا بقواه العقلية (م ٤٤ مدنى).
وبالمثل بالنسبة للطرف الآخر، فإذا كان فرنسي الجنسية مثلا قام المحكم بتطبيق القانون الفرنسي باعتباره قانونه الشخصي.
أما إذا كان إنجليزى الجنسية، فهنا يقوم المحكم بتطبيق قانون الموطن ، فإذا كان الإنجليزي متوطنا في بلده قام المحكم بتطبيق القانون الإنجليزي الذي يشترط فى أهلية الأداء ثمانية عشر عاما، أما إذا كان متوطنا في الخارج كاليونان مثلا فإن القانون اليونانى يكون هو الواجب التطبيق وبالتالي سترتفع أهلية الأداء إلى واحد وعشرين عاما (م ۱۲۷ مدنی یونانی) .
ويلاحظ أن المحكم لا شأن له بما يقرره القانون الشخصى لكل طرف من أحكام بالنسبة لأهلية الطرف الآخر؛ أى تلك التي تتعلق بقواعد الإسناد ، فهو يقوم بتطبيق الأحكام الواردة فى القانون الشخصى لكل طرف فيما يخص أهليته، لاتلك التى تخص أهلية الأطراف الأجانب.
ويعد إهمال المحكم لما تقضى به قواعد الإسناد أمرا منطقيا؛ ذلك أن المحكم ليس له قانون arbitre n'a pas de for مثل قاضي الدولة حتى يحرص على تطبيق قواعد الإسناد الواردة فيه، والتي يأتمر فيها بأمر مشرعه.
ولاشك أنه عند تطبيق القانون الشخصى لكل طرف في الاتفاق، سوف تنعدم أسباب الطعن على حكم التحكيم أو المنازعة في تنفيذه بسبب عدم توافر الأهلية.
ولكن الأمر لايسير دائما على هذا النحو، فقد يستند المحكم لسبب أو لآخر إلى تطبيق قانون مختلف عن القانون الذي يحكم أهلية الشخص الطبيعي، كما لو قام بتطبيق قانون الموطن على أهلية أحد الأطراف تأخذ دولته بقانون الجنسية، وفى هذه الحالة قد يرفض القاضي تنفيذ حكم التحكيم أو يقضى ببطلانه إذا لم تتوافر الأهلية المطلوبة في قانونه.
ونرى أنه يجب تحقيقا لفاعلية اتفاق التحكيم الدولي في هذه الحالة، أن نأخذ بالاتجاه الحديث الذى يرمى إلى الجمع بين قانون الجنسية وقانون الموطن عند الاعتداد بأهلية الأشخاص الطبيعيين في العلاقات الدولية الخاصة على أن يتم تطبيق هذا الجمع تطبيقا موزعا بحيث نكتفى عند التنازع بين قانون الجنسية وقانون الموطن بالأخذ بالقانون الذي يؤدي إلى توافر الأهلية.
وينادى بعض الفقه باستبعاد قواعد تنازع القوانين كلية، وإلحاق الأهلية في مجال اتفاق التحكيم الدولى إلى قانون موحد، هو القانون الذي يسرى على الشروط الموضوعية لصحة الاتفاق.
ويرى هذا الفقه عدم ملائمة قواعد تنازع القوانين للأخذ بها في مجال التحكيم التجارى الدولى للحكم على وجود وصحة اتفاق التحكيم.
أما إذا كان القاصر غير مأذون له بمباشرة التجارة، ومع ذلك قام إبرام اتفاق التحكيم الدولى، فهنا يجب أن نبحث عن الحلول اللازمة التي تحقق لهذا الاتفاق فاعليته ما استطعنا إلى ذلك سبيلا.
ولم يخيب الفقه الفرنسي هذا المسعى، فـذهـب الأسـتـاذ (Gallard على أثر الحكم الصادر من محكمة النقض الفرنسية في قضية (DALICO) بتاريخ ٢٠ من ديسمبر ۱۹۹۳ إلى القول بتطبيق القواعد المادية (Regies matérielles فى القانون الفرنسي على اتفاق التحكيم الدولي.
وأولى هذه القواعد ماتقضى به المادة ۱۳۰۸ من القانون المدنى الفرنسى والتي تنص على أن القاصر الذي يمارس مهنة لا يستطيع أن يتحلل قط من إلتزاماته التى يتخذها فى مزاولته لهذه المهنة .
ومفاد ذلك: «أن كل فرد يمارس نشاطا اقتصاديا على سبيل الاحتراف يفترض أن له أهلية إبرام اتفاقات التحكيم فى ممارسته لهذا النشاط». والقاعدة الثانية التى قال بها الأستاذ (Gallard) استمدها من المادة ۱۳۰۰ من القانون المدنى الفرنسي، ومفادها أن اتفاق تحكيم القاصر لا يكون سببا لبطلانه أو فسخه، إلا إذا وجد به نوع من الغبن (lesion)، وبما أن ذلك غير متوافر فى اتفاق التحكيم الدولى لوجود ضمانات تكفل سير إجراءات التحكيم وحتى صدور الحكم فإنه لا يمكن أن يعتبر في ذاته موصوما بالغبن.
ونحن من جانبنا نؤيد هذا الاتجاه الرامي إلى تحقيق الفاعلية لاتفاق التحكيم عند نقص أهلية أحد الأطراف، وذلك بتطبيق القواعد المادية التي تجد لها قبولا على الصعيد الدولي.
ونستطيع فى هذا الخصوص أن ندعو للأخذ بالقاعدة المادية الواردة في المادة ١/١١ من القانون المدنى المصرى، وإعمال حكمها على اتفاق التحكيم الدولي، ويعنى ذلك أنه إذا كان أحد أطراف الاتفاق ناقص الأهلية، وكان هذا النقص يرجع إلى سبب فيه خفاء لا يسهل على الطرف الآخر تبينه، فإن هذا السبب لا يؤثر في أهليته، ويقع اتفاق التحكيم الدولي صحيحا.
أما فيما يتعلق بأهلية الأشخاص المعنوية الخاصة في إبرام اتفاق التحكيم الدولي، فليس هناك خلاف يذكر سواء في التشريع. المصرى ، أو في التشريعات المقارنة على ثبوت الأهلية لهؤلاء الأشخاص في إبرام الاتفاق المذكور.
ويترتب على ذلك، أنه أيا ما كان القانون الواجب التطبيق على أهلية الأشخاص المعنوية الخاصة، أى سواء كان قانون مركز الإدارة الرئيســي الفـعـلـى (Siege social réel)، أو قانون مكان التأسيس (Incorporation) فإن ذلك لا يؤثر على صحة هذا الاتفاق من حيث قدرة الشخص المعنوى الخاص على القيام به.
ونظرا لأن الشركات التجارية على مستوى العالم هي الوحيدة من بين سائر الأشخاص المعنوية الخاصة (كالجمعيات والنقابات والشركات المدنية التى تحتكر ممارسة النشاط التجارى الدولى، وتكون بالتالي الأكثر لجوء إلى إبرام اتفاقات التحكيم الدولية، فقد رأينا أن نعرض لمسألة هامة تثير أحيانا مشاكل قانونية بالنسبة لمدى صحة اتفاق تحكيم تلك الشركات.
وتتعلق هذه المسألة بسلطة من يتولى إبرام اتفاق التحكيم باسم الشركة هل يلزم أن تكون لديه وكالة خاصة Mandat Special)؟ أم تكفى الوكالة العامة (Mandat General) وماذا لو صدر الاتفاق دون أية وكالة أو تفويض؟ هل تستطيع الشركة التجارية أن تطعن عليه بالبطلان أم على العكس تظل ملتزمة به؟
ذهب الفقه الفرنسي الى أن القيود الواردة في القانون المدني والتي تتطلب وكالة خاصة في إبرام اتفاق التحكيم لاتتفق وطبيعة هذا الاتفاق فى مجال التجارة الدولية، فهو باعتباره من التصرفات المعتادة للشركات التجارية على الصعيد الدولي، فإن الوكالة العامة تكفى لصحة إبرامه .
وقد حكم القضاء الفرنسي تطبيقا لذلك، بأنه يجوز لمدير الشركة الذي يمنحه مجلس الإدارة بعبارة عامة سلطة إدارة الشركة أن يقوم بإبرام هذا الاتفاق نيابة عن الشركة، ولو لم يوكل فى هذا العمل على وجه التعيين (وكالة خاصة).