الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اتفاق التحكيم / الأهلية اللازم توافرها / الكتب / التحكيم والنظام العام / أهلية الأشخاص الطبيعيين

  • الاسم

    د. إياد محمد بردان
  • تاريخ النشر

    2004-01-01
  • اسم دار النشر

    منشورات الحلبي الحقوقية
  • عدد الصفحات

    793
  • رقم الصفحة

    21

التفاصيل طباعة نسخ

أهلية الأشخاص الطبيعيين

 مفهوم أهلية اللجوء إلى التحكيم

  المبدأ هو أنه يلزم لصحة اتفاقية التحكيم أن تتوافر بمن يود إبرامها الأهلية اللازمة لذلك. وقد اختلف الفقه في تحديد نوع هذه الأهلية، متسائلاً عما إذا كانت هذه الأهلية هي أهلية التقاضي ؛ انطلاقاً من الطابع القضائي لوظيفة المحكم. أم أنها أهلية التعاقد استناداً إلى الطابع التعاقدي لإتفاق التحكيم، الذي هو عقد في الأساس .

   فإذا كان إتفاق التحكيم لا ينشىء في الحال سوى وضعية نزاعية محتملة دون تعديل في حقوق الفرقاء، إلا أنه يفترض لديهم إرادة الخضوع للقرار الذي يصدر عن المحكم والذي قد يؤدي إلى نقل حقوق أحد الطرفين إلى الآخر وإذا كان يترتب على القرار القضائي العادي مثل هذا الأثر؛ إلا أنه يبقى أن الفرقاء في التحكيم، بالاتفاق الذي يجرونه، يبدلون جذرياً الشروط التي يصدر بها القرار الذي يفصل النزاع بينهم ١٠ وإنه ما دام ثمة إتفاق على التحكيم فيكون الطرفان في مركز متعادل، ولا يكون هناك محل للتمييز، كما يحصل أحياناً، فيما خص أهلية التقاضي بين مركز المدعي ومركز المدعى عليه .

   فكل شخص يمكنه أن يبرم اتفاقية التحكيم بالقدر الذي يملك فيه الأهلية لإبرام أي نوع آخر من العقود. وهذا يستبعد بصورة طبيعية القاصرين والمفلسين وعديمي الأهلية، ونسارع إلى التحفظ هنا خصوص ما ورد بالنسبة للمفلسين، الذين لا يكونون ناقصي الأهلية، إنما ممنوعون قانوناً من التصرف بحقوقهم. كما أن العقود التي يبرمونها تكون صحيحة وغير باطلة لا بطلاناً نسبياً ولا مطلقاً، إنما فقط غير نافذة بوجه الدائنين.

   وبرأي Ancel فإن أهلية اللجوء إلى التحكيم تتصل بعلاقة وثيقة بأهلية التعاقد، باعتبار أن الوجه التعاقدي للتحكيم يتغلب في هذا الصدد على وجهه القضائي. غير أن هذا الوجه الأخ يعود فيرتد بآثاره على تطبيق القواعد المتعلقة بأهلية التعاقد على اتفاق التحكيم، إذ يجعل مثل هذا التطبيق على جانب من الصعوبة لا سيما عندما يُنظر إلى اتفاق التحكيم في نطاق تقسيم الأعمال القانونية خطورتها إلى فئات ثلاث أعمال التصرف وأعمال الإدارة والأعمال التحفظية. فاتفاق التحكيم لا يدخل في عداد هذه الأعمال الأخيرة بل هناك اتجاه، مع بعض التردد، لإدخاله في عداد أعمال التصرف أو أعمال الإدارة. وتنشأ الصعوبة عن كون عقد التحكيم يرتب فقط وضعاً قضائياً ودون أي أثر مباشر على الذمة المالية لأطرافه. وحتى في حال وقوع النزاع على ملكية أحد الأموال فلا ينظر إلى عقد التحكيم كتفرغ عن هذا المال إذ أن انتقال الحق لا يحصل عند الاقتضاء إلا حين صدور القرار بحيث يستحيل إذن إيجاد علاقة قانونية بين عقد التحكيم وانتقال الحق. ولكن رغم ذلك قد تنشأ عن عقد التحكيم تبديلات هامة ونهائية في حقوق كل طرف . إذ ينطوي هذا العقد على التخلي عن الضمانات التي كانت تلازم التقاضي أمام المحاكم ومن ثم فإنه يعتبر عملاً خطيراً بحد ذاته .

يلاحظ على هذا الرأي :

أ - أنه تبنّى مفهوم أهلية التعاقد في أول الأمر عندما أشار إلى الوجه التعاقدي لإتفاق التحكيم، وانتهى ضمناً إلى الإشارة إلى أهلية التقاضي دون اعتمادها بشكل صريح وواضح.

ب- أنه يمكن إدخاله فيما يتعلق بمسألة تكييف عقد التحكيم في إطار تقسيمات الأعمال القانونية، أي بمعرفة ما إذا كان إتفاق التحكيم يشكل عملاً تصرفياً أم عملاً إدارياً أكثر منه بمسألة أهلية اللجوء إلى التحكيم. فهذه الأهلية تتحدد في ضوء النصوص المتعلقة بأهلية إبرام العقود بشكل عام، أي إتمام ۱۸ عاماً وفقاً لأحكام المادة ۲۱٥ م . ع .

  فبلوغ الشخص سن الرشد يسمح له باللجوء إلى التحكيم فيما يتعلق بأمواله. ولكن في بعض الحالات فإن بلوغ هذا السن، وحتى مع وجود الإدراك والتمييز، لا يكون كافياً للإعتداد بإتفاق التحكيم أو حتى بصحته .

   وكذلك الأمر بالنسبة للمحكوم عليه بعقوبة جنائية، حيث وإن كانت أهلية التعاقد متوافرة لديه، فإنه يكون ممنوعاً قانوناً من التصرف بأمواله بمقتضى أحكام قانون العقوبات .

  فلأجل مثل هذه الحالات فإن كثيراً من القوانين نص صراحة على وجوب توافر أهلية التصرف بالحقوق في الشخص الذي يرغب باللجوء إلى التحكيم. فنصت المادة ٢٠٥٩ مدني فرنسي المعدلة على إمكانية الأشخاص باللجوء إلى التحكيم فيما خص الحقوق التي يملكون حق التصرف بها..

   وتنص المادة ١١ من قانون التحكيم المصري الجديد على أنه «لا يجوز الاتفاق على التحكيم إلا للشخص الطبيعي الذي يملك التصرف بحقوقه. ولا يجوز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح.

  وفي لبنان فإن قانون أ. م. م. السابق لم يتبنَّ صراحة نصاً مماثلاً لهذه النصوص بل عمد المشرع إلى إلغاء المادة ۸۲۸ أ . م . م . السابق، التي كانت تشترط لإنشاء عقد التحكيم أن تتوافر لدى المتعاقدين الأهلية اللازمة للمصالحة والمادة ١٠٣٦ م .ع . المتعلقة بعقد الصلح تنص على أنه يجب على من يعقد الصلح أن يكون أهلا للتفرغ مقابل عوض عن الأموال التي تشملها المصالحة». فانطلاقاً من هذه المادة كان بالإمكان القول بأن أهلية المصالحة تشترط وجود أهلية التفرغ عن الحق أي وجود أهلية التصرف. وقد قضت .م . أ . بيروت بأن المادة ٨٢٨ من الأصول المدنية نصت على أن إنشاء العقد التحكيمي لا يجوز إلا بين متعاقدین لهم الأهلية اللازمة للمصالحة .

  فإزاء إلغاء هذا الربط بين أهلية المصالحة وأهلية اللجوء إلى التحكيم في قانون أ. م. م. الجديد، وإزاء عدم تضمن القانون اللبناني نصاً مماثلاً للنصوص المقارنة التي تنص على وجوب توافر أهلية التصرف بالحقوق، فإن التساؤل يطرح حول الحلول المعتمدة في القانون اللبناني بخصوص ماهية أهلية اللجوء إلى التحكيم؟

   تنص المادة ۲١٥ م. ع. على أن أهلية الإلتزام تكون لكل شخص بلغ ١٨ عاماً. وعليه فإن الأشخاص الذين لم يبلغوا هذه السن أو الأشخاص الذين بلغوها وكانوا في إحدى حالات عدم الأهلية أو نقصانها ، فإنهم لا يكونوا من ذوي الأهلية للإلتزام أو التصرف بحقوقهم وبالتالي لا يمكنهم الإلتجاء إلى التحكيم تحت طائلة البطلان المطلق أو النسبي بحسب ما إذا كان السبب إنعداماً في الأهلية أو نقصاً فيها . إذن تثبت أهلية اللجوء إلى التحكيم مبدئياً لكل شخص بلغ سن هد الرشد ولم يكن محجوراً عليه لجنون أو عته أو سفه أو عملة. وكذلك لا تثبت للقاصرين وفاقدي الأهلية. وهذا ما يجعلنا باقين في فلك أهلية التعاقد بوجه عام. فهل إقتصرت أحكام القانون اللبناني على ذلك؟ بمعنى أنها استبعدت أهلية التصرف بالحقوق كشرط لصحة اتفاق التحكيم؟

   في الواقع، يمكن القول إن أهلية اللجوء إلى التحكيم هي أهلية التصرف بالحقوق وسندنا في ذلك واقعة أن المشرع اللبناني إشترط في بعض الحالات ضمناً ضرورة توافر أهلية التصرف بالحقوق إنطلاقاً من منعه بعض الأشخاص التصرف بالأموال التي يملكونها وهذا يتمثل بحالتي المفلس والمحكوم عليه بعقوبة جنائية . فكلاهما بالغ لسن الرشد ومتمتع بأهلية التعاقد، ومع ذلك يكونان ممنوعين من التصرف بحكم القانون تحت طائلة  عدم النفاذ .

  والفقه العربي على وجه الخصوص متفق على وجوب توافر أهلية الشخص في التصرف بحقوقه  . فلا يكفي أن تكون للشخص أهلية التعاقد فحسب، وإنما يجب أن يكون أهلاً للتصرف في الحق المتنازع عليه لإبرام إتفاق التحكيم. ومن لا يكفي إزاء النص الصريح توافر الأهلية اللازمة للقيام بأعمال الإدارة، ولا تكفي أيضاً أهلية الإلتجاء إلى القضاء، بل يجب تمتع من يريد إبرام إتفاق تحكيم بالأهلية المدنية الكاملة، أي إمكانية إجراء الأعمال القانونية على المال الذي يتناوله التحكيم، بصرف النظر عن طبيعة هذا المال وذلك لأن الاتفاق على التحكيم يعني التنازل عن رفع النزاع إلى قضاء الدولة، الأمر الذي قد يعرض الحق المتنازع عليه للخطر.

الفرع الثاني : نطاق الأهلية

  الأهلية هي الإمكانية المقررة لصاحب الحق بالقيام بأعمال قانونية تتناول هذا الحق، وإذا كانت مثل هذه الأهلية متوافرة بالنسبة للأشخاص الذين بلغوا سن الرشد، فإن مسألة انعدامها أو نقصانها تثار بخصوص الأشخاص القاصرين، (الفقرة الأولى)، أو الراشدين الذين فقدوا التمييز كلياً أو جزئياً بفعل أحد عوارض الأهلية كالجنون والعته والسفه والغفلة (الفقرة الثانية)، وأخيراً تثار بصدد الأشخاص الذين يتمتعون بالأهلية الكاملة مع تمام التمييز، إلا أنهم ممنوعون من التصرف ومن ثم اللجوء إلى التحكيم لأسباب قانونية تتعلّق بالظرف الذي يوجدون فيه كالمحكوم عليه بعقوبة جنائية أو المفلس (الفقرة الثالثة) .

الفقرة الأولى : أهلية القاصرين باللجوء إلى التحكيم

ينبغي التمييز بين ما إذا كان القاصر غير مميز (البند الأول)، وبين ما إذا كان مميزاً، (البند الثاني)، وأخيراً ما إذا كان قاصراً مأذوناً له ، (البند الثالث).

البند الأول : القاصر غير المميز أو عديم التمييز

في هذه الحالة، يتفق الرأي على  أن جميع التصرفات التي يجريها ومنها التحكيم، تكون باطلة بطلاناً مطلقاً، ويحق له أو للوصي عليه وكذلك للمتعاقد معه طلب إبطال الإتفاق التحكيمي سواء بطريق الدعوى الأصلية أمام المحاكم العادية أو بطريق الدفع أمام المحكم. وإذا تغاضى هذا الأخير عن إعمال هذا الدفع وأصدر قراره إستناداً إلى هذا الإتفاق، فإنه يكون بالإمكان الطعن بإبطال القرار التحكيمي لصدوره إستناداً إلى إتفاق معقود من قبل شخص غير ذي أهلية .

البند الثاني : القاصر المميز

في هذه الوضعية يكون إتفاق التحكيم المبرم من قبله باطلاً بطلاناً نسبياً، بمعنى أنه يعود  للقاصر المميز أو للوصي عليه فقط حق طلب إبطال الإتفاق التحكيمي .

ويطرح السؤال هنا عن سبب البطلان :

تنص الفقرة ٣ من المادة ٢١٦ م.ع. على أنه " . . . إذا كان العقد الذي أنشأه القاصر المميز غير خاضع لصيغة خاصة فإن القاصر لا يمكنه الحصول على إبطاله إلا إذا أقام البرهان على وقوعه تحت الغبن. أما إذا كان من الواجب إجراء معاملة خاصة فالبطلان واقع من جراء ذلك دون أن يلزم المدعي بإثبات وجود الغبن». فهل يكمن سبب البطلان بوجود الغبن أم في غياب المعاملة الخاصة؟

  في الواقع لا يترتب البطلان هنا بسبب وجود غبن في إتفاق التحكيم. إذ من المستبعد أن يكون إتفاق التحكيم مشوباً بمثل هذا العيب لأنه لا يتناول مباشرة الحقوق المتنازع عليها إنما آلية حل النزاع. ، فإن الاتفاق يكون باطلاً إستناداً إلى غياب الصيغة الخاصة للعمل القانوني المنوي القيام به. والصيغة الخاصة هنا هي الإجراء الذي يفرضه القانون لحماية القاصر أو فاقد الأهلية فيما لو كان الوصي أو القيم عليه هو الذي يتولى مباشرة التصرف بنفسه، أي حصول الوصي أو القيم على ترخيص مسبق من المحكمة . إلا أن هذا الرأي لا يسلم من الانتقاد للأسباب التالية :

- إن المادة ٢١٦ قصدت القاصر بشخصه وليس ،بولیه فهو يعامل كالراشد. هذا فضلاً عن وجود شروط خاصة لإمكانية الولي أو الوصي لإبرام إتفاق تحكيم نيابة عن القاصر ، سنعرض لها في حينه .

- إن النصوص القانونية المتعلقة بالتحكيم لا تشترط وجود صيغة خاصة على القاصرين وجوب إعتمادها كي يتمكنوا من إبرام اتفاق تحكيم. فهل يعني خضوعهم ذلك لأحكام المادة ٢١٦ فقرة من قانون م.ع. في شقها الأول المتعلق بالإبطال لعلة الغبن، وهو مستبعد تماماً هنا كما رأينا آنفاً. أم أنه يقتضي القبول بالقول المنتهي إلى إعتبار التحكيم تصرفاً خطيراً يقتضي عدم السماح للقاصر بولوج با به بنفسه .

البند الثالث : القاصر المأذون له

   تنص المادة ٢١٧ على أن «القاصر المأذون له على وجه قانوني في ممارسة التجارة . يعامل كمن بلغ سن الرشد في دائرة تجارته وعلى قدر حاجتها .

  هذا وإن الخلاف ثار في مصر حول حق القاصر المميز المأذون له بإدارة أمواله أو الإتجار بها في اللجوء إلى التحكيم فيرى قسم من الفقه بأنه لا يجوز للقـاصـر اللجوء إلى التحكيم لأن المشرع يتطلب أهلية خـاصـة للإتفاق على التحكيم، هي أهلية التصرف بالحقوق، والتي لا تمتد إلى الإتفاق على التحكيم بشأن التصرفات التي يقوم بها القاصر إعمالاً لسلطته في الإدارة أو في الإتجار .

   وبالمقابل هناك قسم من الفقه يرى أن للقاصر المأذون له بالإدارة أو بالاتجار الحق باللجوء إلى التحكيم بصدد حقوقه الناشئة عن هذه الأعمال، سواء كانت داخلة ضمن إطار أعمال الإدارة أو في إطار أعمال التصرف، طالما أنها كانت متطابقة مع الأذن الممنوح له. ويستند هذا الفقه فى  ذلك إلى أن الأذن للقاصر في ينطوي بحد ذاته على الإعتراف بأهلية التصرف بالحقوق التي ترتبها عقود الإدارة أو الإتجار . ثم إن قبول التحكيم لا ينطوي على معنى التصرف في الحق إلا إذا كان تحكيماً بالصلح، الذي يفترض وحده دون التحكيم بالقانون، تراضي الطرفين على النزول عن بعض ما قد يكون حقا لهما.

   فالقاصر المأذون له يكون بمثابة الراشد ما يمكنه بالتالي اللجوء إلى التحكيم .

الفقرة الثانية : عوارض الأهلية واللجوء إلى التحكيم

  حسب مجلة الأحكام العدلية التي لا زالت سارية بهذا الخصوص في لبنان قد يوجد بعض الأشخاص في حالة جنون (البند الأول)، أو (البند الثاني) أوسفه، (البند الثالث)، أو غفلة (البند الرابع). فما اثر ذلك على حقهم باللجوء إلى التحكيم.

البند الأول : المجنون

 المجنون هو فاقد العقل، ويجري التمييز بين حالتين بمقتضى المادة ٩٤٤ من مجلة الأحكام العدلية :

أ - الحالة التي يكون فيها الجنون مطبقاً.

ب - الحالة التي يكون فيها الجنون غير مطبق أي متقطع.

  وبموجب المادة ۹۷۹ من المجلة، فإن من يكون في حالة جنون مطبق هو بحكم الصغير غير المميز ، الأمر الذي يجعل تصرفاته باطلة بطلانا مطلقاً كما تنص المادة ٢١٦ م .ع . أيضاً على أن تصرفات الشخص المجرد كل التجرد من قوة التمييز (كالصغير والمجنون) تعد كأنها لم تكن وبالمقابل فإن المادة ٩٨٠ منها تعتبر أن التصرفات التي يجريها من كان في حالة جنون غير مطبق في حال إفاقته أو صحوته، صحيحة لصدورها عن عاقل وعليه لا شيء يمنع من تطبيق هذه الأحكام في مادة التحكيم. وبالتالي إعتبار إتفاق التحكيم المبرم من قبل شخص في حالة جنون مطبق باطلاً بطلاناً مطلقاً لوحدة السبب أي لانعدام الأهلية بسبب فقد التمييز. واعتبار إتفاق التحكيم المعقود من قبل شخص في حالة جنون غير مطبق، حال صحوته صحيحاً أو نافذاً بحقه .

البند الثاني : المعتوه

   المعتوه هو الشخص الذي اختل ،شعوره بحيث كان فهمه قليلاً وكلامه مختلطاً وتدبيره فاسداً وحكمه كحكم الصغير المميز وأعماله تكون قابلة للإبطال إذا توافرت الشروط المنصوص عليها في المادة ٢١٦ م. ع. وبالتالي فإن إتفاق التحكيم الذي يبرم من قبل معتوه يخضع لذات الأحكام التي يخضع لها إتفاق التحكيم المبرم من قبل القاصر المميز .

البند الثالث : السفيه

  السفيه هو الشخص الذي يصرف ماله في غير موضعه، ويبذر في مصروفه ويضيع أمواله ويتلفها بالإسراف ولا يحجر عليه إلا بحكم من القاضي بمعنى أنه يتوجب إستصدار قرار من القاضي للحجر عليه، بحيث أن التصرفات التي  يجربها بعد الحجر لا تصح، في حين أن التصرفات التي يكون قد أجراها قبل صدور قرار الحجر صحيحة كتصرفات سائر الناس. وتعتبر المادة ۹۹۰ من المجلة تصرفات السفيه في المعاملات كتصرفات القاصر المميز وتأخذ حكمها. ما يعني أن إتفاق التحكيم المبرم من قبل السفيه يخضع للأحكام الواردة في المادة ۲۱٦م . ع .

البند الرابع : ذو الغفلة

  ذو الغفلة هو الشخص الذي يغفل في أخذه وعطائه، ولم يعرف طريق تجارته وتمتعه بسبب بلاهته وخلو قلبه . وذو الغفلة حكمه حكم السفيه إنطلاقاً من المساواة القائمة بينهما بمقتضى المادة ٩٤٦ من المجلة. وذلك يعني أن ذا الغفلة کالسفيه حكمه كحكم الصغير المميز إذا لم يكن محجوراً عليه لذاته .

الفقرة الثالثة : أهلية الأشخاص الممنوعين قانوناً من التصرف

    إلى جانب الأشخاص الممنوعين من التصرف وبالتالي اللجوء إلى التحكيم لانعدام الأهلية أو نقصانها، يوجد في بعض الحالات منع لأشخاص من التصرف بحقوقهم وبالتالي من اللجوء إلى التحكيم بشأنها لا لنقص في أهليتهم أو لانعدام التمييز عندهم وإنما لأسباب خاصة .

وعليه نبحث هنا في حالتي المفلس (البند (الأول) والمحكوم عليه بعقوبة جنائية (البند الثاني).

البند الأول : المفلس

 ولكن مبدأ صحة اتفاقات التحكيم المعقودة قبل إعلان الإفلاس ليس مطلقاً. ذلك أن المشرع ينص على بطلان بعض التصرفات التي يجريها المدين في فترة الريبة بطلاناً وجوبياً في الحالات الواردة في المادة ٥٠٧ (ق . ت . ) وبطلاناً جوازياً في الحالات الواردة فى المادة ٥٠٨ ق . ت . ما يعني أن تقرير بطلان العقود الحاصلة في إحدى هذه الحالات ينسحب بدوره على إتفاق التحكيم المتعلق بتلك العقود فيمكن إعلان بطلانه. وما تجدر ملاحظته هو أن منع المفلس من اللجوء إلى التحكيم لا يشمل سوى الأموال والحقوق المرفوعة يده عنها. بمعنى آخر يكون للمفلس اللجوء إلى التحكيم بشأن بعض الحقوق التي تتعلق بآثاره الفنية أو الأدبية التي لم تنشر بعد فهذه الحقوق وبوجه عام الأموال التي لا تدخل في التفليسة، أى الأموال التي لا يجوز الحجز عليها يكون ممكناً اللجوء إلى التحكيم بشأنها .

البند الثاني : المحكوم عليه بعقوبة جنائية

   يكون هذا الشخص ممنوعاً من التصرف ومن ثم اللجوء إلى التحكيم لا لنقص في أهليته أو لانعدام التمييز لديه، بل لأنه محجور عليه طوال مدة تنفيذ العقوبة، وذلك بموجب المادة ٥٠ من قانون العقوبات اللبناني التي تنص على أن كل محكوم عليه بالأشغال الشاقة أو بالإعتقال يكون خلال تنفيذ عقوبته في حالة الحجر وتنقل ممارسة حقوقه على أملاكه، خلا الحقوق الملازمة للشخص، إلى وصي وفقا لأحكام الأحوال الشخصية المتعلقة بتعيين الأوصياء على المحجور عليهم. وكل عمل إدارة أو تصرف يقوم به المحكوم عليه يعتبر باطلاً بطلاناً مطلقاً مع الإحتفاظ بحقوق الغير من ذوي النية الحسنة ولا يمكن أن يسلم إلى المحكوم عليه أي مبلغ من دخله ما خلا المبالغ التي تجيزها الشريعة (الوضعية) أو أنظمة السجون. وعليه فإن إتفاق التحكيم، كبقية التصرفات يكون باطلاً متى أبرم من قبل المحكوم عليه بعقوبة جنائية .