اتفاق التحكيم / أهلية التصرف في الحق المتنازع عليه / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / اتفاق التحكيم وفقاً لقانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية رقم 27 لسنة 1994 / أهلية أطراف اتفاق التحكيم في قانون التحكيم الجديد
اتفاق التحكيم الذي ينبع منه التحكيم هو تراض يصدر عن شخصين أو أكثر. ويعبر عن تلاقی ارادتين أو أكثر على احالة نزاع سابق أو لاحق الى التحكيم. ومسألة معرفة الأهليـة المفروضة للجوء الى التحكيم، أو كيف تحل مسألة اللجوء اليه بالنسبة لناقص الأهلية أو لحساب شخص معنوي فيما يتعلق بالعلاقات الدولية، أمر يختلف باختلاف مفهوم التحكيم الذي يسود هنا أو هناك وهو أمر بالغ الدقة في تحديد صحة أو بطلان اتفاق التحكيم.. وهو أمر كثيراً مـا يـطـرح في نهاية التحكيم ويضع على المحك بطلان حكم التحكيم.
والقاعدة التي يجرى عليها فقه التحكيم التقليدي هي: يملك الحق في الالتجاء الى التحكيم كل شخص كامل الأهلية يملك حرية التصرف في الحق محل النزاع.
ويتفق مع هذه القاعدة نص المادة الحادية عشر في شقها الثـانـي مـن قـانون التحكيم الجديد والسابق ذكرها لقولها:
لا يجوز الاتفاق على التحكيم الا للشخص الطبيعي أو الاعتباري الذي يملك التصرف في حقوقه ............الى آخر المادة.
يتضح من النص السابق أنه يشترط لصحة اتفاق التحكيم أن تتوفر شروط وجود الحق في التحكيم ومنها الأهلية بوجه خاص.
ولابد من توافر الأهلية للأشخاص الاعتبارية وأيضاً للأشخاص الخاصة، إعتباريـة كـانت رام طبيعية وفقاً للقانون المصرى إذا كان أطراف إتفاق التحكيم مصرييـن أيـا كـانت ديانتهم لأن قواعـد الأهليـة تنطبق على جميع المصريين. أما بالنسبة للأجانب فتخضـع أهليتهـم القـانونهم الشخصي سواء كان قانون الجنسية في الدول التي تتبع التقاليد الفرنسية في التشريع أو قانون الموطن بالمعنى الإنجليزي في البلاد الأنجلوسكسونية كما سنرى تفصيلاً فيما بعد.
والأهلية التي يشترطها النص هي أهلية الشخص في "التصرف في حقوقه" ومعنى ذلك أنه لا يكفي أن تكون للشخص أهلية التعاقد فحسب، وإنمـا يجب أيضاً أن يكون أهلا للتصرف في الحق المتنازع عليه لابرام اتفاق التحكيم ومن ثم لا يكفي ازاء النص الصريح توافر الأهلية الازمة للقيام بأعمال الادارة ولا تكفى أيضـا أهليـة الالتجاء الى القضاء. واذا كان التحكيـم فـي وظيفته قضاء فيجب دائما تمتع من يريد ابرام اتفاق تحكيـم بالأهلية المدنية الكاملة أي امكانات اجـراء الأعمال القانونية على المال الذي يتناوله التحكيم بصرف النظر عن طبيعة هذا المال. ذلك لأن الاتفاق على التحكيم يعني التنازل عن رفع النزاع الى قضاء الدولة. وهـو مـا قـد يعرض الحق المتنازع عليه للخطر.
وتأسيسا على ذلك:
لا يجوز للخاضع للولاية أو الوصاية ابرام اتفاق تحكيم ولكن يجوز ذلك لأولى وهوا الأب أو الوصي الذي يتقيد بالقيود الواردة في القانون.
واذا أبرم الولي أو الوصي اتفاق التحكيم في الحدود التي يتطلبها القانون ثم زالت صفته بسبب ما أو توفي، فان ذلك لا يؤثر على اتفاق التحكيم الذي أبرم بشكل صحيح.
ويجوز للمشمول بالولاية أو الوصاية اجازة ما أبرمه من اتفاقات تحكيم بالمخالفة لقواعد الأهلية وذلك متى زال السبب الموجب للولاية أو الوصاية، وطالما كان ممثلا في خصومة التحكيم تمثيلا صحيحا بواسطة وليه أو وصيه.
ويجوز ابرام اتفاق التحكيم للقاصر الذي بلغ ثمانية عشر عاما وكانت المحكمة قد أذنت لـه بالادارة بشكل مطلق أو مقيد. تأسيسا على أنه يملك ادارة أمواله ولا يجوز ذلك للقاصر الذي قيـد القانون سلطته نی الادارة.
ولا يجوز ابرام اتفاق التحكيم للشخص الغير كامل الأهلية بسبب صغر السن أو لعارض أصاب أمنيته بعد بلوغه سن الرشد خضع بسببه للقوامة فان أهلية ابرام اتفاق التحكيـم تكون غير متوفرة. لأن الأموال التي لايجوز التصرف فيها لا يجوز التحكيم بشأنها.
ويجب أن تتوافر الأهلية المدنية الكاملة في الأصيـل فـاذا كـان هنـاك مـن يمثلـة كوكيـل - محامي مثلا كما سبق القول – فيكفي أن يكون لدى الوكيل اذن خاص باجراء التحكيم أو حسب قانون كل دولة في هذا الصدد بالنسبة للتحكيم الدولي. -
وكما سبق القول فالمفلس غير ناقص الأهلية، إلا أنه ممنوع من التصرف في حقوقه، لذا لا يجوز له الاتفاق على التحكيم في شأنه، فإذا أبرم مثل هذا الإتفاق فلا يكون باطلاً وإنما لا يحتج به على جماعة الدائنين.
وحكمة تطلب الأهلية المدنية الكاملة أي أهلية التصرف هي:
- يترتب على التحكيم فقدان الحق اذا قضى المحكمون لغير صالح أحد الخصوم وقد يتضمن على الأقل تعديلا في نطاق مزايا هذا الحق.
- يتضمن اتفاق التحكيم التنازل عن بعض الحقوق الاجرائية كالتنازل عن حق الدعوى أمام قضاء الدولة (المادة ١/١٣) من قانون التحكيم الجديد.
- يترتب على عدم نظر محاكم الدولة الدعـوى بشأن المنازعات التي اتفق على التحكيم فيهـا التخلي عن الضمانات التقليدية أمام قضاء الدولة.
جزاء تخلف شرط الأهلية في قانون التحكيم الجديد:
اذا أبرم اتفاق تحكيم ممن ليست له أهلية التصرف فان هذا الاتفاق يكـون بـاطلا. وذلك بصريح نص (المادة 1/53) من قانون التحكيم الجديد والتي حصرت الحالات التي يترتب عليهـا بطلان حكم التحكيم والتي من ضمنها اذا كان أحد طرفي اتفاق التحكيم وقت ابرامه فاقد الأهلية أو ناقصها وفقا للقانون الذي يحكم أهليته.
واذا صدر حكم المحكم وكان أحد الخصوم غير كامل الأهلية كان لهذا الخصم رفع دعوى أصلية ببطلان حكم المحكمين لأنه قد بنى على اتفاق تحكيـم باطل ، وحيث ان البطلان مقرر لمصلحته فلا يجوز للخصم الآخر رفع دعوى بطلان استنادا الى نقص أهلية خصمه.
وجدير بالذكر ان عدم توافر الأهلية المدنية الكاملة أي أهلية التصرف في الحق يفتح الباب الى بطلان اتفاق التحكيم وبطلان الحكم الصادر بناء عليه واعادة الأمر الى قضاء الدولة وهو ما يؤدي الى ضياع الوقت والجهد والمال، لذا فاتفاق التحكيم يتطلب دائماً حرصا وعناية خاصة لا تتطلب عند الالتجاء الى قضاء الدولة.
وهنا يثور السؤال اذا لجأ أحد الأطراف الى قضاء الدولة رغم وجود اتفاق تحكيم ببطلان اتفاق التحكيم لتخلف شرط الأهلية ، فهل المحكمة تقضي بعدم قبول الدعوى أم تستمر في نظر النزاع لأن الاتفاق ظاهر البطلان. وهل يجوز للمحكمة أن تثير هذه المسألة من تلقاء نفسها لتعلق الأمر بالنظام العام؟
لم يعالج المشرع المصري في قانون التحكيم الجديد هذه المسألة وتركها لاجتهادات الفقه. وان كان قد عالجها بعد صدور حكـم التحكيم وذلك بمقتضى (المـادة ٢/٥٣) مـن قـانـون التحكيم الجديد.
ونرى أنه يتعين على المحكمة أن تستمر في نظر النزاع والحكم ببطلان اتفاق التحكيم أو إلغائه أو إنعدام أثره إذا كان ذلك يرجع الـى أسباب تظهر بوضوح في اتفاق التحكيم ومنها نقص الأهلية والتي تبدو للوهلة الأولى دون ما حاجة الى تحقيق المحكمة وذلك اعمالاً للقواعد العامة لعدم الاستمرار في اجراءات التحكيم التي سيقضي ببطلانها في النهاية وهو ما يهدر الوقت والجهد والمال.
وكذلك يجوز للمحكمة أن تثير المسألة المطروحة من تلقاء نفسها حماية منها للقصر لأن حماية القصر منوطة بالنيابة والقضاء.