الأهلية :
ويقصد بالأهلية هنا هي الأهلية اللازمة للاتفاق على حسم النزاع بالتحكيم. وأن الشخص لا يستطيع أن يعمل اتفاقا على ذلك إلا إذا كان يتمتع بأهلية التصرف جا هذا النزاع المراد حسمه بالتحكيم، فقد نصت الفقرة الرابعة من المادة 501 من قانون المرافعات المصري والمادة 2059 من قانون المرافعات الفرنسي والمادة 254 من قانون المرافعات المدنية العراقي على أن التحكيم لا يصح إلا ممن له أهلية التصرف في الحق موضوع النزاع) ومن أجل معرفة القانون الذي يحكم مسائل الأهلية يتم العودة إلى القانون الشخصي لكل طرف من الأطراف أي قانون البلد الذي ينتمي إليه كل طرف بجنسيته.
على أنه يجب ملاحظة أنه إذا أبرم الاتفاق ممن لا تتوافر لديه الأهلية أو الصفة في تمثيل الطرف، فإن الإبطال يمكن التمسك به ليس فقط ممن يمثل ناقص الأهلية أو عديمها أو الطرف الذي كان تمثيله معيباً ، وإنما أيضاً من الطرف الآخر.
حدد قانون التحكيم المصري الأهلية المطلوبة في المادة الحادية عشرة وقانون التحكيم الأردني في المادة 9 بالنص على أنه لا يجوز الاتفاق على التحكيم إلا للشخص الطبيعي أو الاعتباري الذي يملك التصرف في حقوقه...).
ومعنى هذا أنه لا يكفي أن تكون للشخص أهلية التعاقد فحسب، وإنما يجب ايضاً أن يكون أهلا للتصرف في الحق موضوع النزاع
ويتعين مراعاة أنه إذا صدر التصرف قبل تسجيل قرار الحجر على المجنون أو المعنوه فلا يكون باطلاً إلا إذا كانت حالة الجنون أو العنه شائعة وقت التعاقد أو كان الطرف الآخر على بينة منها. (م 114 مدني)
أولا : هل يجوز للقاصر الذي بلغ السادسة عشرة من عمره - وله أهلية التصرف فيما يكسبه من عمله من أجر أو غيره - الاتفاق على التحكيم؟ كذلك هل يجوز للقاصر الذي له أهلية التصرف فيما يسلم له أو يوضع تحت تصرفه لأغراض نفقته ويصح التزامه المتعلق بهذا المال وفي حدوده - الاتفاق على التحكيم؟ والنتيجة المنطقية لذلك هي أنه طالما للقاصر في الحالتين السابقتين سلطة التصرف في ماله فإن له تبعاً لذلك الاتفاق على التحكيم
ولكن إذا كان المفلس مرتبطاً من قبل الإفلاس بشرط التحكيم فهل يجوز للمصفي تعيين محكم إعمالا للاتفاق السابق أم يقوم بذلك مأمور التفليسة أوالمحكمة؟
رابعاً : هل يجوز للدولة وأشخاص القانون العام إبرام اتفاقات التحكيم؟
استقر القضاء الفرنسي على أن الدولة واشخاص القانون العام محظور عليها إبرام اتفاقات التحكيم استنادا إلى نص المادة 1004 من تقنين المرافعات الفرنسي التي نص على عدم جواز إبرام هذه الاتفاقات في المنازعات التي يشترط القانون تبليغها إلى النيابة العامة وحضورها في الدعوى وقد ذكر نص المادة 83 من التقنين ذاته هذه المنازعات ومن بينها المنازعات التي يكون أحد أطرافها الدولة (الدولة أو البلديات أو المؤسسات العامة).
وجاء لإقرار المحكمة تمييز حقوق رقم 283 / 1968 (هيئة خماسية) شارية 26/1/1969 المنشور على الصفحة 123 من مجلة نقابة المحامين الأردنيين لسنة 1999 على أنه: (إن توقيع وزير المواصلات على التعهد بالنيابة عن الحكومة لا يجعله خصماً كيافي الخصوم الذين لا يجوز تعيينهم محكمين لأن الوزير وقع العقد بالإضافة للحكومة وليس بالإضافة لشخصه فالخصم في الدعوى هو الحكومة في الحقيقة وليس الوزير ولا يمنع من اختیاره محكماً كونه ممثلاً لوزارة المواصلات وتربطه بالحكومة رابطة وثيقة ما دام از الطرف الآخر كان على علم بذلك عند توقيعه للعقد)
اخيرا تجدر الإشارة إلى أن هذا الخلاف لا محل له في ظل قانون التحكيم المصري حيث تنص المادة 11 منه على أنه لا يجوز الاتفاق على التحكيم إلا للشخص الطبيعي أو الاعتباري الذي يملك التصرف في حقوقه) مما يتضح منه أمران: الأمر الأول: وجوب توافر الأهلية لصحة اتفاق التحكيم.
الأمر الثاني : يستوي في الاتفاق على التحكيم أن يكون صادراً من شخص طبيعي أو من شخص اعتباري.
والأهلية التي يتطلبها القانون هي أهلية الشخص المتصرف في حقوقه بمعنى أنه لا يكفي أن تتوافر في الشخص أهلية التعاقد فحسب، وإنما يجب أيضاً أن تتوافر فيه أهلية التصرف في الحق المتنازع عليه لإبرام اتفاق التحكيم. وبالتالي فلا يكفي توافر الأهلية اللازمة للقيام بأعمال الإدارة وبالتالي لا تكفي أهلية الالتجاء إلى القضاء
ويترتب على ذلك :
أنه لا يجوز للخاضع للولاية أو الوصاية إبرام اتفاق التحكيم، ولكن يجوز ذلك للولي أو الوصي في إطار الحدود التي يرسمها القانون فإذا زالت صفة الأخير لأي سبب فلا أثر لذلك على اتفاق التحكيم الذي أبرم صحيحاً.
وبالتالي لا يجوز للماذون بالإدارة أو التجارة الاتفاق على التحكيم بشأن عقود أو تصرفات تقع خارج حدود الإذن ذاته، سواء كان إذناً بالإدارة أو إذناً بالاتجار. الحكمة من اشتراط أهلية التصرف: أولا: إن اتفاق التحكيم يترتب عليه فقدان الحق في حالة ما إذا قضى المحكمون الغير صالح أحد الخصوم وقد يتضمن على الأقل تعديلا في نطاق مزايا هذا الحق. ثانيا : إن اتفاق التحكيم يتضمن التنازل عن بعض الحقوق الإجرائية، من أمثلة ذلك التنازل عن حق رفع الدعوى أمام قضاء الدولة م 1/13 من قانون التحكيم المصري والمادة 1/12 من قانون التحكيم الأردني والتي تقضي بوجوب أن تحكم المحكمة المرفوع إليه نزاع يوجد بشأنه اتفاق تحكيم بعدم قبول الدعوى إذا دفع المدعى عليه بذلك قبل إبدائه أي طلب أو دفاع في الدعوى. ثالثاً : يترتب على عدم نظر محاكم الدولة الدعوى بشأن المنازعات التي اتفق على التحكيم فيها التخلي عن الضمانات التقليدية أمام قضاء الدولة.
لذا ونظرا لخطورة النتائج السابقة فكان من الضروري وجوب توافر أهلية التصرف فيمن يبرم اتفاق التحكيم.
الأهلية التي يتطلبها القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي:
لم يتطرق القانون النموذجي لمسألة الأهلية الواجب توافرها في طرية النزاع ويبدو أنه أراد من وراء ذلك تجنب الاصطدام بقواعد الأهلية المعمول بها في كل دولة على حدة مكتفياً بما جاء باتفاقية نيويورك لسنة 1958