الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اتفاق التحكيم / أهلية التصرف في الحق المتنازع عليه / الكتب / التحكيم في المعاملات المالية الداخلية والدولية / اهلية ابرام اتفاق التحكيم

  • الاسم

    د. أحمد عبدالكريم سلامة
  • تاريخ النشر

    2006-01-01
  • اسم دار النشر

    دار النهضة العربية
  • عدد الصفحات

    601
  • رقم الصفحة

    201

التفاصيل طباعة نسخ

- ضرورة توفر الأهلية لدى الأطراف:

لما كان اتفاق التحكيم تصرفًا قانونيًا،، تتجه إرادة أطرافه إلى إحداث أثر قانوني معين، هو حجب الاختصاص بتسوية النزاع عن قضاء الدولة وتخويله قضاء التحكيم، وكان من الواجب أن تتوفر لدى كل طرف أهلية الأداء اللازمة لصدور إرادة كافية لإبرام الاتفاق، فإنه إذا انعدمت الأهلية، أو كانت ناقصة، كان اتفاق التحكيم باطلًا أو قابلًا للإبطال، لا يرتب أثره.
من ذلك قانون التحكيم المصري، حيث نصت مادته الحادية عشرة على أنه "لا يجوز الاتفاق على التحكيم إلا للشخص الطبيعي أو الاعتباري الذي يملك التصرف في حقوقه...". ونذكر كذلك المادة الثانية من نظام التحكيم السعودي لعام ١٩٨٣، التي جاء بها "... لا يصح الاتفاق على التحكيم إلا ممن له أهلية التصرف".
وبصيغة أكثر وضوحًا ودقة، نصت المادة ٤/٢٠٣ من قانون الإجراءات المدنية الإماراتي لعام ١٩٩٢ على أنه "... لا يصح الاتفاق على التحكيم إلا ممن له أهلية التصرف في الحق محل النزاع"
كما نص قانون التحكيم الألماني لعام 1997 على أنه كل المسائل ذات الطبيعة المالية تكون محلًا لاتفاق التحكيم، بشرط "أن يكون للأطراف حرية التصرف في محل النزاع".
ولتلك النصوص نظائر في سائر القوانين المقارنة.
ولكن السؤال يثور حول القانون الذي يرجع إليه في تحديد الأهلية اللازمة لإبرام اتفاق التحكيم ذي الطابع الدولي؟
تنازع القوانين في الأهلية: إذا أبرم اتفاق تحكيم بين طرفين مختلفی الجنسية، ودفع أحدهما، أمام قضاء الدولة، عند اللجوء إليه، ببطلان الاتفاق لانعدام أهليته، أو أهلية الطرف الآخر، أو تمسك بذلك أمام قضاء التحكيم ذاته، فوفقًا لأي القوانين يتم تقدير توفر الأهلية أو انعدامها؟
الحل يختلف بحسب الجهة التي يثور أمامها مسألة توفر الأهلية من عدمه.
فمن ناحية، أمام قضاء الدولة، سواء بخصوص دعوى مرفوعة يوجد بصددها اتفاق تحكيم، أم بخصوص طلب الأمر بتنفيذ حكم التحكيم، حيث يجب التثبت، في الحالتين، من وجود اتفاق تحكيم صحيح.
 وفي مصر، نصت الفقرة (ب) من المادة 1/53 من قانون التحكيم على أنه يمكن رفع دعوى بطلان حكم التحكيم "إذا كان أحد طرفي اتفاق التحكيم وقت إبرامه فاقد الأهلية أو ناقصها وفقًا للقانون الذي يحكم أهليته".
والقانون الذي يحكم أهلية أطراف التحكيم، وأهلية الأداء عمومًا، يتم تحديده وفقًا للقانون المصري حسب قاعدة التنازع المقررة في المادة ١/١١ من القانون المدني، والتي تنص على أن "الحالة المدنية للأشخاص وأهليتهم يسرى عليها قانون الدولة التي ينتمون إليها بجنسيتهم...". أي يرجع في تقدير أهلية إبرام اتفاق التحكيم إلى قانون دولة الشخص الذي يثور النزاع حول أهليته فالمصري، أو الشركة المصرية، يرجع إلى القانون المصري لمعرفة
أهليته لإبرام اتفاق التحكيم، والألماني أو الشركة الألمانية يرجع إلى القانون الألماني لمعرفة أهليته لإبرام اتفاق التحكيم.
ونضيف أنه أمام القضاء المصري لا نرى مانعًا من تطبيق باقي نص المادة ١/١١ من القانون المدني المقنن لقضاء ليزاردی Lizardi والذي جاء به "ومع ذلك ففي التصرفات المالية التي تعقد في مصر وتترتب آثارها فيها، إذا كان أحد الطرفين أجنبيًا ناقص الأهلية وكان نقص أهليته يرجع إلى سبب فيه خفاء لا يسهل على الطرف الآخر نبيته، فإن هذا السبب لا يؤثر في أهليته"، بحيث إذا كان أحد طرفي اتفاق التحكيم، الذي يبرم في مصر، أجنبيًا ناقص الأهلية حسب قانون جنسيته، ولم يستطع الطرف الآخر تبين ذلك لحس نيته واعتقاده في الظاهر منه أنه كامل الأهلية، فلا يستطيع ذلك الأجنبي الاحتجاج بنقص أهليته ليطلب إبطال اتفاق التحكيم، بل يعتبر كامل الأهلية، إذا كان كذلك حسب أحكام القانون المصري.
 - سلطة الاتفاق على التحكيم:

لا تختلط فكرة السلطة notion de pouvoir في الاتفاق على التحكيم بفكرة الأهلية لإبرام ذلك الاتفاق. فالشخص كامل الأهلية الذي يملك سلطة التصرف في حقوقه، يستطيع إبرام اتفاق التحكيم باسمه ولحسابه، لتسوية المنازعات التي تدور حول تلك الحقوق. وهذا هو الوضع العادي.
فكل من يملك التصرف في حقوقه تكون له سلطة إبرام اتفاق التحكيم بشأن تلك الحقوق. غير أن تلك السلطة تكون، أحيانًا لغير من يملك التصرف في حقوقه، وذلك بموجب الاتفاق (الوكالة)، أو بموجب القانون (الولاية أو الوصاية أو القوامة).
ولمعرفة حدود سلطة الوكيل أو الولي أو الوصي أو القيم يتعين الرجوع إلى عقد الوكالة أو إلى القانون المنظم للولاية وغيرها.

أما في نطاق المعاملات الدولية، وبالنظر إلى معطيات التعامل التجاري، وتيسيره عبر الحدود، فإن العرف قد استقر على أن الوكالة التجارية العامة تخول الوكيل، وعلى عكس الحال في القانون الداخلي، الاتفاق على التحكيم، بشأن المنازعات التي تنشأ عن بيع أو ترويج السلع والمنتجات والخدمات محل الوكالة، ما  لم يحظر فيها صراحة إبرام اتفاق تحكيم، وتكمن عليه هذا الحل الخاص بمعاملات التجارة الدولية في أن غالب عقودها، يتم عن طريق عقود نمطية contrats – types معروفة في مجال تجارة السلع والخدمات، وتتضمن، عادة، بين بنودها بند أو شرط تحكيم، مما لا يحتاج بشأنها إلى وكالة خاصة بالاتفاق على التحكيم.
وعلى كل حال، وعند وجود مشكلة تنازع قوانين، فإن القانون واجب التطبيق على عقود الوكالة هو الذي يحسم مدى سلطة الوكيل في الاتفاق على التحكيم، وهو القانون الذي يختاره أطراف الوكالة صراحة.
ويمكن القول إن المفلس، أيًا كان شكله القانوني شركة أو مؤسسة أو فردًا تاجرًا لا يستطيع إبرام اتفاق تحكيم، بشأن أمواله، وذلك من تاريخ شهر إفلاسه، وليس من تاريخ توقفه عن دفع ديونه التجارية.
- أهلية الدولة والأشخاص الاعتبارية العامة:

رغم الاتجاه المتزايد نحو تمكين القطاع الخاص وشركاته من قيادة حركة النشاط الاقتصادي في مختلف دول العالم، منذ أواخر الثمانينيات، وحتى الآن، إلا أن
الدولة لم تتخل، مع ذلك، عن نهوضها بالعديد من الأنشطة الاقتصادية والتجارية، والتي كانت تعد، فيما قبل، من صميم النشاط الفردي أو الخاص. وعلى الصعيد الدولي، بدأت الدولة هي والوحدات العامة التابعة لها، في إبرام العديد من عقود الإنشاءات، وإقامة محطات الطاقة، والمطارات، والتوريد، مع شركات أجنبية. ولما كانت هذه الأخيرة لا تثق إلا في قضاء التحكيم، فهي تشترط، في عقودها، اتخاذ التحكيم طريقًا لتسوية ما قد يثور بشأنها من منازعات.
أولًا، أن المادة الأولى من ذلك القانون تنص على أن "
تسري أحكام هذا القانون على كل تحكيم بين أطراف من أشخاص القانون العام أو القانون الخاص أيًا كانت طبيعة العلاقة القانونية التي يدور حولها النزاع..."  فالنص يتكلم عن أشخاص القانون العام التي تدخل في علاقات تعرض منازعاتها على التحكيم الذي يخضع لأحكام قانون التحكيم المصري، إما لأنه يجري في مصر، وإما لأنه
كان تحكيمًا تجاريًا دوليًا يجرى في الخارج واتفق على إخضاعه لأحكام ذلك القانون. فكأن تلك الأشخاص تستطيع أن تبرم اتفاقات تحكيم.


ثانيًا: التراضي على اتفاق التحكيم:
- وجود التراضي وسلامته:
قد تتوفر الأهلية لدى الشخص، الطبيعي أو الاعتبارى العام أو الخاص، لإبرام اتفاق التحكيم، لكن ليس هذا يغني عن الرضا حول اللجوء إلى التحكيم، فالدولة قد تكون، مثلًا، أهلًا لإبرام اتفاق التحكيم، كما رأينا حالًا، غير أنها، مع ذلك، قد لا ترتضى التحكيم وسيلة لتسوية منازعاتها الداخلية والدولية.
والتراضى ركن اتفاق التحكيم الذي لا يقوم بدونه، هذا لا سيما وأننا نعتبر التحكيم کله نظام قضائی "اتفاقی"، قوامه توافق وتراضي إرادات أطرافه على قبوله آداة لتسوية منازعاتهم، وجوهر التراضي تقابل إرادتين متطابقتين للطرفين الراغبين في التحكيم، وهو يتضمن صدور الإرادة أولًا من أحد الطرفين يعبر فيها عن رغبته في
اتخاذ التحكيم سبيلًا لتسوية منازعاتهما، بعيدًا عن قضاء الدولة ثم تلتقى هذه الإرادة مع إرادة مطابقة من الطرف الآخر الذي وجهت إليه الإرادة الأولى، وبذلك يتحقق التوافق بين الإرادتين على احداث الاثر القانوني المرغوب.
 وفي القضية المعروضة لم يتم الاتفاق على طريقة معينة بين الحكومة المصرية وشركة جنوب الباسيفيك. أما شرط التحكيم المتفق عليه بين شركة "إيجوث" في ۱۲ ديسمبر 1974 وتلك الأخيرة، فلم يتفق فيه الأطراف على اللجوء إلى المركز الدولي لتسوية منازع الاستثمار، بل كان النص صريحا في إحالة النزاع إلى غرفة التجارة الدولية بباريس. فكيف، والحال كذلك، يفترض وجود إيجاب مفتوح لمجرد وجود نص في قانون الاستثمار المصري يسمح بإمكانية اللجوء، من بين وسائل أخرى، لتحكيم المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار؟
إن الإيجاب الذي يعتد به قانونًا لإبرام اتفاق التحكيم، هو الذي يتضمن إفصاحًا عن عرض مكتمل لعناصر محددة، هي الرغبة في نزع الاختصاص من قضاء الدولة، وتخويله قضاء التحكيم.
وليس التحكيم المقصود، كلمة عامة، بل التحكيم المحدد من حيث الهيئة التي ستتولاه، ومكانة، وإجراءاته. كما أن ذلك الإيجاب لا بد أن يكون حاسمًا، يفصح به الراغب في التحكيم عن إرادة باتة ونهائية في الذهاب إلى التحكيم.
(111).