الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اتفاق التحكيم / موقف اتفاقية نيويورك لعام 1958 من اشتراط الكتابة لاتفاق التحكيم / الكتب / شروط اتفاق التحكيم وأثاره / موقف اتفاقية نيويورك لعام ١٩٥٨

  • الاسم

    د. باسمة لطفي دباس
  • تاريخ النشر

    2005-01-01
  • اسم دار النشر

    دار النهضة العربية
  • عدد الصفحات

    602
  • رقم الصفحة

    232

التفاصيل طباعة نسخ

موقف اتفاقية نيويورك لعام ١٩٥٨

  اتجهت اتفاقية نيويورك لعام ۱۹۵۸ ، إلى تنظيم مسألة كتابة اتفاق التحكيم، وبيان مدى ضرورتها .

  وعليه فقد نصت المادة (۲) من اتفاقية نيويورك لعام ١٩٥٨ علــى أنه:

١- تعترف كل دولة متعاقدة بالاتفاق المكتوب الذي يلتزم بمقتضاه الأطراف بأن يخضعوا للتحكيم كل أو بعض المنازعات الناشئة أو التي قد تنشأ بينهم...

۲ - وتعبير "اتفاق مكتوب يشمل شرط التحكيم الوارد في عقد، أو اتفاق التحكيم الموقع عليه من الأطراف، أو الاتفاق الذي تضمنته الخطابات المتبادلة أو البرقيات"

   فاتفاق التحكيم وفقاً لهذه الاتفاقية يُعدُّ عقداً شكلياً تلزم الكتابة لانعقاده. فيتعين توافر هذا الشرط لإمكان القول بوجود اتفاق التحكيم.

  فالفقرة الأولى من المادة الثانية من الاتفاقية نصت على أن: "تعترف كل دولة متعاقدة بالاتفاق المكتوب الذي يتعهد الأطراف بمقتضاه بأن يخضعوا...".

الصورة الأولى: اتفاق التحكيم الموقع عليه من الأطراف:

  إن ورود اتفاق التحكيم في وثيقة موقع عليها من قبل الأطراف، قد لا تثير  أي صعوبات قانونية، خاصة إذا كان الأطراف قد عبَّروا عن إرادتهم في اللجوء إلى التحكيم كوسيلة الحسم منازعاتهم الحالة أو المستقبلية، بدلاً من قضاء الدولة، وكانوا قد وضعوا إمضاءاتهم على هذه الوثيقة.

  إلا أن الأمر لا يكون دائما بهذه البساطة، ولاسيما على صعيد المعاملات الدولية، بل على العكس من ذلك يصبح الأمر أكثر تعقيداً، فقد يتفق الأطراف على مجرد العناصر الأساسية للعقد راد إبرامه اكتفاء بإرفاق شروط عامة مطبوعة ، ومعدة من قبل أحد الطرفين علـى ظهر الاتفاق، أو الإحالة إلى الشروط النموذجية الموضوعة من قبل إحدى الهيئات الدولية المتخصصة. وفي الغالب تتضمن هذه الشروط العامة أو النموذجية شرط تحكيم. وهنا يثور التساؤل عن مدى وجود اتفاق تحكيم علـى النحو  الذي حددته اتفاقية نيويورك؟.

   كذلك وفي إطار إبرام عقد جديد قد يحيل الأطراف إلى شروط عقد قائم بينهم، يتضمن ضمن بنوده شرط تحكيم، أو قد يجدد الأطراف العقد المبرم بينهم والذي يتضمن شرط تحكيم، وفي جميع هذه الأحوال يثور التساؤل أيضاً عما إذا كان اتفاق التحكيم يعد موجوداً على النحو المحدد في  اتفاقية نيويورك؟

  وعلى صعيد المعاملات الدولية وفي كثير من الأحيان، قد لا يتم التعاقد بين الأطراف مباشرة، وإنما عن طريق وسيط يقوم بدور الوكيل وهنا يمكن التساؤل عما إذا كان توقيع الوسيط يكفي وحده لتحقق اتفاق التحكيم على النحو الذي حددته اتفاقية نيويورك؟

  ومن خلال هذه الدراسة سنقوم بشرح للتطبيقات القضائية التي أخذت بها محاكم الدول المنضمة إلى اتفاقية نيويورك والمتعلقة بالنقاط آنفة الذكر.

1- اتفاق التحكيم الوارد ضمن الشروط العامة المطبوعة والمعدة سلفاً . قبل أحد الأطراف: 

  إيطاليا بانضمامها إلى اتفاقية نيويــــورك، أصبحت هذه الاتفاقية جزءا من النظام القانوني الإيطالي، وعليه تستبعد القواعد الخاصة الواردة في القانون الداخلي الإيطالي، بشأن المسائل التـى نظمتها اتفاقية نيويورك ومنها الكتابة، فقد اكتفت الاتفاقية بإفراغ اتفاق التحكيم في وثيقة موقعة من الأطراف.

   وبانضمام إيطاليا إلى اتفاقية نيويورك، تم استبعاد القاعدة السابقة والواردة في القانون الداخلي الإيطالي، لأنه يمثل قيداً لم يرد في الفقرة الثانية من المادة الثانية من اتفاقية نيويورك.

۲ - اتفاق التحكيم الوارد ضمن بنود عقد نموذجي أحال إليه الأطراف:

  الفرض في هذه الحالة أن الأطراف أبرموا عقداً، ولكنهم أحالوا إلى عقد نموذجي يتضمن ضمن بنوده شرطاً يقضي بالخضوع للتحكيم، والتساؤل الذي يمكن طرحه في هذه الحالة: هل يُعدُّ اتفاق التحكيم متحققاً فــى هذا الفرض، وذلك على النحو الذي حددته اتفاقية نيويورك؟.

   وفي هذا الفرض محل الدراسة - متى تبين أن إرادة الأطراف قد اتجهت بالفعل إلى اللجوء للتحكيم كوسيلة لحسم منازعاتهم بدلا من قضاء الدولة، على نحو لا يدع مجالاً للشك، وكانت إرادتهم واضحة لا لبس فيها، فهنا يمكن القول بتحقق اتفاق التحكيم على النحو الذي حددته المادة (۲) من اتفاقية نيويورك.

   وعليه فإن اتفاق التحكيم يُعد متحققاً، وذلك في حالة اتفاق الأطراف علــى إبرام عقد مع الإحالة إلى عقد نموذجي يتضمن ضمن بنوده شرطاً يقضي بالخضوع للتحكيم، طالما أن إرادتهم قد اتجهت بما لا يدع مجالا للشك إلي  التحكيم وكانت واضحة لا لبس فيها في اختيار التحكيم كوسيلة لحسم منازعاتهم.

   فالقاعدة الدولية تقر" ضمناً ولكن بصورة واضحة ما استقر عليه التعامل الدولي من الإحالة إلى شروط نموذجية مألوفة لدى المتعاملين في المجال الدولي الذين يعلمون سلفا مختلف بنودها بما في ذلك البند المتضمن اللجوء إلى التحكيم.

  وفي قضية أخرى " تتصل بتنفيذ عشرة أحكام تحكيم صدرت من هيئة تحكيم شعبة تجارة الحبوب التابعة لسوق بضائع هامبورغ، خــلال شهري ديسمبر ١٩٦٧ ويناير ١٩٦٨ ضد شركة فرنسية، ذلك أن هذه الأخيرة كانت قد تعاقدت مع شركة أجنبية على شراء كميات من العلف وفقاً لعقود تضمنت الإشارة إلى النموذج المعروف باسم Feeding stuffs 3.No ويتضمن هذا النموذج ضمن بنوده المحال إليها شرط تحكيم يقرر الاختصاص للهيئة المعروفة باسم:

The Arbitral tribunal of the Cereal Trade Association of the

Hamburg Ware Exchange

  وعندما نشأ النزاع ورفعت الشركة الأجنبية الأمر إلى التحكيم، وأصدرت هيئة التحكيم ، أحكامها ، امتنعت الشركة الفرنسية المحكوم ضدها عن التنفيذ طواعية. وعندئذ رفع الأمر إلى محكمة مدينة ستراسبورغ المختصة للأمـــر بالتنفيذ، وتمسكت الشركة الفرنسية المطلوب التنفيذ ضدها بانعدام ولاية هيئة التحكيم التي أصدرت الأحكام نتيجة لعدم وجود اتفاق تحكيم تستند إليه بالنظر إلى أن اتفاق التحكيم الوارد ضمن الشروط النموذجية المحال إليها، لم يكن محل قبول بالإرادة المشتركة للطرفين المتعاقدين حيث لم يكن مطروحاً أثناء التفاوض أو مأخوذاً في الاعتبار أثناء مرحلة التعاقد. 

   وواضح أن المحكمة الفرنسية بنت رفضها ادعاء الشركة الفرنسية على نص المادة (۲) من اتفاقية نيويورك.

   فالقاعدة إذن أن المتعاملين في السوق الدولية، عندما يحيلون في اتفاقاتهم إلى عقود نموذجية تتضمن ضمن بنودها شروطاً تقضي بالخضوع للتحكيم، فإنهم يلتزمون بما تتضمنه هذه العقود من شروط بما فيها شرط التحكيم.

   ويُعدُّ اتفاق التحكيم متحققاً في هذه الحالة على نحو يجيز تنفيذ حكم التحكيم الصادر استناداً إليه بالتطبيق للمادة الثانية من اتفاقية نيويورك.

3 - حالات الارتباط بعقد آخر قائم أو سابق يشتمل على شرط تحكيمك

   في هذا الفرض إن الأطراف عند إبرامهم العقد، لم يضمنوه بنداً يقضي بإحالة النزاعات التي تنشأ بينهم إلى التحكيم، وفي نفس الوقـت لــم يحيلوا إلى شروط نموذجية معدة من قبل إحدى الهيئات الدولية، ولكن العقد اكتفى بالإحالة إلى عقد آخر قائم بينهم، ويتضمن اتفاقا على التحكيم. وبالتالي هل يُعد اتفاق التحكيم موجوداً طبقاً للمادة (۲) من اتفاقية نيويورك؟

  تمثل العقود البحرية المجال الطبيعي لأغلب التطبيقات القضائية المتعلقة بهذا الفرض.

   فعقد الشحن البحري يتضمن إحالة إلى عقد استئجار السفينة، بما يتضمنه من شروط، بحيث تسري كافة نصوصه وتُعَدُّ مندمجة للارتباط، وهذه النصوص تشمل عادة بنداً يقضي بالخضوع للتحكيم.

 وفي هذا الفرض حتى يمكن القول بوجود اتفاق التحكيم وفقاً للمادة (۲) من اتفاقية نيويورك، ومن ثم مد نطاق شرط التحكيم الوارد في العقد المحال إليه، إلى النزاعات التي تنشأ بشأن العقد المحيل، فإنّه يتعين فضلاً عن وجود علاقة جدية تربط العقدين أي العقد القائم والتعاقد الجديد - التأكد من أن إرادة الأطراف واضحة لا لبس فيها ولا غموض، بحيث لا تدعُ مجالاً للشك في اختيارهم التحكيم كوسيلة الحسم منازعاتهم بدلاً من قضاء الدولة، وبالتالي مدّ نطاق شرط التحكيم في العقد القائم، ليشمل العلاقة التي ينشأ النزاع بمناسبتها أي التعاقد الجديد.

  حتى يعتبر اتفاق التحكيم موجوداً على النحو الذي حددته المادة (۲) من اتفاقية نيويورك في الفرض المذكور، يجب أن يكون هناك إحالة صريحة وواضحة إلى شرط التحكيم، الأمر الذي يدل على أن إرادة الأطراف قد انصرفت بالفعل إلى اللجوء للتحكيم كوسيلة لحسم منازعاتهم التي تنشأ بمناسبة العقد الجديد.

   وعليه إذا لم تكن هناك إحالة صريحة وواضحة إلى شرط التحكيم، فلا يعتبر اتفاق التحكيم على النحو الذي حددته المادة (۲) من اتفاقية نيويورك.

  وتجدر الإشارة إلى ضرورة الحذر عند تقييم الارتباط للتحقق من وجود صلة جديّة بين العقدين المحال إليه، والتعاقد الجديد. إذ ليست الأمور دائما بهذه البساطة كما هو الحال بالنسبة لعقد الشحن البحري، وعقد استئجار السفينة. فقد يختلف العقدان في طبيعتهما، على نحو يمكن القول معه بعدم وجود ارتباط، ومن ثم عدم وجود صلة جدية بينهما تبرر مد نطاق شرط التحكيم ليضمهما معاً كيان واحد.

4- حالات تجديد العقد المتضمن شرط التحكيم:

  يثور التساؤل عن الحل في غيبة النص الكتابي الذي يفيد مد نطاق شرط التحكيم، بحيث يسري على ما قد ينشأ من منازعات خلال فترة التجديد، خاصة وأن المادة الثانية من اتفاقية نيويورك، لم تعالج هذا الفرض،كما لم تتم مناقشته خلال الأعمال التحضيرية للاتفاقية.

   يمكن معرفة حل هذه المشكلة من خلال قضية طُرِحَتْ على القضاء  الإيطالي تتلخص وقائعها في الآتي:

  "أبرمت شركة تنتمي إلى جنسية إمارة لستنشيتن عقداً مع شركة إيطالية موضوعه منح ترخيص صناعي، وكان العقد الأصلي المبرم في عام ١٩٥٩، يتضمن شرط تحكيم في سويسرا. تجدد العقد عدة مرات بعد ذلك، وكان آخر تجديد عام ۱۹۷۱ . حدث في ظل هذا التجديد الأخير، أن نشب نزاع بين الطرفين، قامت على أثره الشركة مانحة الترخيص الصناعي باللجوء إلى القضاء الإيطالي، وطالبت بتوقيع حجز تحفظي علــى أمـوال الشركة الإيطالية كإجراء تحفظي، على أن يقوم القضاء الإيطالي بوقف السير في دعوى تثبيت الحجز وعدم التعرض للموضوع إنتظاراً لما يسفر عن التحكيم المنصوص عليه في العقد. وتمسكت الشركة الإيطالية بعدم جواز ذلك على أساس عدم وجود اتفاق ،تحكيم بمراعاة أن تجديد العقد وإن كان قد تم كتابته إلا أنه لم يتضمن ما يفيد استمرار شرط التحكيم.

5- حالات التعاقد عن طريق وكيل أو سمسار:

   الغالب في المعاملات الدولية أن الأطراف لا يتعاقدون بأنفسهم، وإنما عن طريق وكلاء، أو وسطاء، يلعبون دورا جوهريا في عملية التعاقد بما في ذلك تضمين العقد اتفاقا يقضي بالخضوع للتحكيم.

 إن تدخل هؤلاء الوكلاء أو الوسطاء في عملية التعاقد بما فيها إبرام اتفاق التحكيم ، يثير مسألة أولية تتعلق بأساس سلطتهم في تضمين العقود التـى يوقعونها شروطا تقضي بالخضوع للتحكيم، وهل يشترط أن تكون تلك السلطة مقررة بمقتضى وثيقة كتابية، أم أنه لا حاجة لوجود هذه الوثيقة اكتفاء بجواز الوكالة؟.

   ومن ناحية أخرى هل يشترط أن يكون هناك توكيل خاص يخول الوكيل سلطة الاتفاق على التحكيم نيابة عن الموكل؟.

   إن اتفاقية نيويورك لم تعالج الفرض المذكور، فهل يتعين الإحالة إلى القانون الواجب التطبيق بشأن الشكل الذي يجب أن تفرغ فيه سلطة الوكيل.

   ذلك أن جانبا من الدول تفرض بعض القيود في قوانينها الداخلية.

   إذ يستلزم بعضها أن تفرغ الوكالة في ذات الشكل الذي يلزم في التصرف المطلوب التوكيل لإبرامه. كما أن بعضها يتطلب توكيلا خاصا لإبرام اتفاق التحكيم. ومن ذلك ما نصت عليه المادة (۷۰۰) من القانون المدني المصري من وجوب "أن يتوافر في الوكالة الشكل الواجب توافره في العمل القانوني الذي يكون محل الوكالة".

   كما تطلبت المادة (۷۰۲) من القانون المدني المصري أن يكون هناك توكيل خاص لإبرام اتفاق التحكيم.

  أيضاً المادة (۱۳۹۲) من القانون المدني الإيطالي التي توجب إفراغ الوكالة بالشكل الذي يلزم في التصرف الأصلي.

  يتضح لنا أن محكمة النقض الإيطالية قــــد أكدت على مبدأين هما:

أ- العبرة بالقول فيما إذا كان اتفاق التحكيم متحققاً، إنما يكون بالنظر لما قررته المادة (۲) من اتفاقية نيويورك.

ب- للتحقق من مدى توافر الشروط الشكلية لاتفاق التحكيم، باعتباره تصرفاً قانونيا، إنما يكون ذلك بالرجوع لقاعدة الاسناد الواردة في المادة (٢٦) مــن الباب التمهيدي للقانون المدني الإيطالي بحيث يكون صحيحاً من الناحية الشكلية متى توافرت عناصر ذلك وفقا لقانون محل إبرامه.

  مما تقدم يتضح لنا أن اتفاقية نيويورك وبموجب المادة الثانية منها، لم تتناول صراحة الشكل الذي يجب أن تفرغ فيه الوكالة. ولا يمكن القول إن الاتفاقية اقتضت ضمناً توافر الشكل الكتابي في الوكالة، ذلك أن الثابت من الأعمال التحضيرية أن الفقرة الثانية من المادة (۲) من الاتفاقية لم تتطلب الكتابة إلا بالنسبة لاتفاق التحكيم ذاته، حيث اشترطت أن يكون مكتوباً وموقعا من قبل الأطراف أنفسهم، أو ممن أنابوهم عنهم في ذلك.

   وعليه للتحقق فيما إذا كانت سلطة النائب (الوكيل) متوافرة شكلاً، يتعين الرجوع إلى القانون الوطني الواجب التطبيق، وهذا لا يتحدد إلا من خلال قاعدة الإسناد المتعلقة بشكل تصرفات بين الأحياء.

الصورة الثانية: اتفاق التحكيم المبرم في صورة تبادل مستندات كتابية :

   وحتى يمكن القول بتوافر اتفاق التحكيم على هذا النحو الذي حددته اتفاقية نيويورك، يتعيّن أن يحصل تبادل للمستندات الكتابية. وعليه فبمجرد تمام عملية التبادل يمكن التسليم بتحقق اتفاق التحكيم بحيث ينتفي هذا الاتفاق متى ثبت تخلف عملية التبادل.

 وتجدر الإشارة إلى أن الأمور لا تكون دائماً بهذه البساطة، رغم وضوح هذه التفرقة من الناحية النظرية، إذ إن التطبيقات القضائية كشفت عن ظهور حالات حديثة أثارت جدلا حول انتمائها لهذه الطائفة أو تلك.

لذلك سنحاول من خلال هذه الدراسة توضيح الحالات التـى تتوافر فيها صورة التبادل، وتلك التي ينتفي فيها التبادل.

۱ - الحالات التي تتوافر فيها صورة التبادل:

   سبق أن ذكرنا أن مجرد ورود الاتفاق المكتوب في الخطابات أو البرقيات المتبادلة بين الأطراف، يكفي للقول بوجود اتفاق التحكيم على النحو الذي حددته الفقرة الثانية من المادة الثانية من اتفاقية نيويورك، وذلك دون اشتراط توقيع الأطراف أو ممثليهم على هذا الاتفاق.

   وفي هذه الحالة يتعيّن التأكد من تمام عملية التبادل، حتى يمكن القول بوجود اتفاق التحكيم، إذ إن تخلف عملية التبادل يترتب عليه إنتفاء تحقق اتفاق التحكيم.

   فالمعيار إذن للقول بوجود اتفاق التحكيم في مثل هذه الصورة هـو تمام عملية التبادل، بما يفيد انصراف إرادة الأطراف بالفعل إلى اختيار التحكيم كوسيلة لحل منازعاتهم.

  وبعبارة أخرى إن اتفاق التحكيم يتحقق له وجوده القانوني متى تحقق تبادل المستندات الكتابية.

  هذا وقد اصطدم تطبيق هذه القاعدة الجديدة التي جاءت بها اتفاقية نيويورك مع الدول التي تتضمن في تشريعاتها الداخلية قيودا من أهمها:

 ضرورة إفراغ اتفاق التحكيم في محرر مكتوب موقع عليه من الأطراف. فقد أبدت محاكم هذه الدول في بداية الأمر تردداً كبيراً إزاء تطبيق هذه القاعدة. فعلى سبيل المثال : كان القانون السويسري يستلزم توافر الاتفاق المكتوب الموقع عليه من الأطراف، حتى يمكن القول بتحقق اتفاق التحكيم، فلم يكن مألوفاً لديه صورة المستندات المكتوبة المتبادلة بين الأطراف، ولكن سرعان ما استبان أن الصورة التي إستحدثتها اتفاقية نيويورك بموجب الفقرة الثانية من المادة الثانية، وهي صورة المستندات الكتابية المتبادلة بين الأطراف، إنما تقتضيها المبادلات الدولية.

  وهذا ما أكدته محكمة جنيف في حكمها الصادر بتاريخ 6 يونيو عام ١٩٦٧.

   وقد أكد القضاء الإيطالي على ذات الاتجاه، عندما أعلن تطبيق حكم القاعدة الموضوعية التي جاءت بها اتفاقية نيويورك في الفقرة الثانية من المادة الثانية، دون اعتداد بالقيود الواردة في التشريعات الداخلية، وأهمها التوقيع على اتفاق التحكيم حيث قرر صحة شرط التحكيم من الناحية الشكلية، إذا جاء بالصورة التي حددتها اتفاقية نيويورك في الفقرة الثانية من المادة الثانية.

   وآية ذلك ما ورد في حكم محكمة استئناف فلورنسا الصادر بتاريخ 8 أكتوبر عام ۱۹۷۷، لتبرير قضائها بتنفيذ حكم هيئة تحكيم صدر في الولايات المتحدة ضد شركة إيطالية لم تقم بتسليم الأصواف المتعاقد عليهـا حسب  الجودة وبالكميات المنصوص عليها في أوامر Purchases Orders وكانت الشركة الإيطالية قد تمسكت بعدم وجود اتفاق تحكيم موقع عليه بين الطرفين. وقد بدأت المحكمة بإيضاح أن نصوص اتفاقية نيويورك هي وحدها الواجبة التطبيق، والمادة (۲) من الاتفاقية لا تشترط أن يكون الاتفاق على التحكيم واردا في وثيقة واحدة ، بل يكفي أن تتضمنه عدة مستندات، تكفي للدلالة على أن القبول بالتحكيم كان محل رضا متبادل.

  مما تقدم يتضح لنا أن التطبيقات القضائية المتقدمة، تكشف عـن ظهور اتجاه عام نحو تقرير صحة اتفاق التحكيم شكلا ، كلما أمكن ذلك، وأن القيد الوارد في الفقرة الثانية من المادة الثانية من اتفاقية نيويورك في شأن تبادل المستندات الكتابية مناطه: الاطمئنان إلى أن الأطراف قد توافر لديهم العلم الكافي بوجود شرط التحكيم في المستندات الكتابية المتبادلة، أي التحقق من أن إرادة الأطراف قد اتجهت بالفعل إلى اختيار التحكيم كوسيلة لحسم منازعاتهم التي تنشأ بمناسبة التعاقد.

2- الحالات التي تنتفي فيها صورة التبادل :

  سبق أن ذكرنا أن تخلف التبادل للمستندات الكتابية، يؤدي إلى انتفاء تحقق اتفاق التحكيم على النحو الذي حددته الفقرة الثانية من المادة الثانية من اتفاقية نيويورك.

وهذا ما أكدته التطبيقات القضائية في العديد من المناسبات.

   ففي إحدى القضايا التي طرحت على القضاء الألماني والتي "تتعلق بطلب تنفيذ حكم تحكيم صادر في روتردام بهولندا بالتطبيق لقواعد إحدى الهيئات الدولية المتخصصة، لاحظت محكمة بريمن في حكمهـا الــصـادر بتاريخ ١٦ ديسمبر سنة ١٩٦٥ أنه حتى يمكن النظر في تنفيذ حكم التحكيم وفقاً لاتفاقية نيويورك يجب التأكد أولاً من أنه قد صدر بناءً على اتفاق تحكيم توافرت فيه المقومات التي تتطلبها المادة (۲) من الاتفاقية.

   وعليه يمكن القول إن التبادل الذي تتطلبه المادة الثانية، الفقرة الثانية من اتفاقية نيويورك، لا يُعد متوافراً إلا إذا قام الدليل على أن إيجاباً كتابياً قد صادفه قبول كتابي، وإلا فإنه يتعين على القضاء اعتبار اتفاق التحكيم غير متحقق على النحو الذي حددته اتفاقية نيويورك.