تنص المادة (٢/٥٠١) من قانون المرافعات المصري الحالي رقم (۱۳) لسنة (1968) - والملغاة بقانون التحكيم المصري رقم (۲۷) لسنة ١٩٩٤ - على أنه: "لا يثبت التحكيم إلا بالكتابة ".
فاتفاق التحكيم ليس عقداً شكلياً تلزم الكتابة لانعقاده، بحيث يترتب على تخلفها بطلانه.
الكتابة المتطلبة بموجب نص المادة (٢/٥٠١) من قانون المرافعات المصري الحالي والملغاة بقانون التحكيم المصري رقم (۲۷) لسنة ١٩٩٤ - إنما تلزم لانعقاد اتفاق التحكيم وليست مجرد وسيلة لإثباته.
ب - الكتابة في ظل قانون التحكيم المصري رقم (٢٧) لسنة ١٩٩٤:
تنص المادة (۱۲) من قانون التحكيم المصري على أنه: "يجب أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبا وإلا كان باطلاً ".
فاتفاق التحكيم وفقاً لقانون التحكيم المصري لا يُعدُّ عقداً رضائياً ينعقد بمجرد تراضي الأطراف على اللجوء إلى التحكيم كوسيلة الحسم منازعاتهم، وإنمـا يُعد عقداً شكلياً.
فاتفاق التحكيم يدور وجوداً وعدماً مع توافر عنصر آخر غير الرضا، وهذا العنصر هو الكتابة، بحيث يترتب على تخلفها بطلان اتفاق التحكيم.
والكتابة مطلوبة لانعقاد اتفاق التحكيم بصورتيه سواء شرط التحكيم الذي يبرم في وقت سابق على وقوع النزاع، أو مشارطة التحكيم التي تبرم في وقت لاحق على وقوع النزاع. أي أن المشرع المصري لم يفرق بين شرط التحكيم ومشارطته بالنسبة لمسألة تطلب الكتابة.
هذا وقد اشترط المشرع المصري كتابة اتفاق التحكيم، للتأكد من أن إرادة الأطراف قد انصرفت بالفعل إلى اختيار التحكيم كوسيلة لحسم منازعاتهم الحالة أو المستقبلية، عن طريق هيئة تحكيم تتشكل من أفــراد عاديين يختارهم الأطراف بأنفسهم بدلاً من اللجوء إلى المحكمة المختصة أصلاً بالفصل في النزاع.
۲- كيف تتحقق الكتابة في القانون الوضعي المصري:
تنص المادة (۱۲) من قانون التحكيم المصري رقم (۲۷) لسنة١٩٩٤ على أنه : "... ويكون اتفاق التحكيم مكتوبا إذا تضمنه محرر وقعه الطرفان، أو إذا تضمنه ما تبادله الطرفان من رسائل أو برقيات أو غيرها من وسائل الاتصال المكتوبة".
- الصورة الأولى: اتفاق التحكيم الموقع عليه من الأطراف:
تتحقق هذه الصورة التقليدية لاتفاق التحكيم، في وجود وثيقة كتابية، أو محرر موقع من الأطراف، يتضمن الخضوع للتحكيم .
ويشترط لتحقق هذه الصورة، أن يوقع الأطراف أنفسهم أو من يمثلهم على الوثيقة الكتابية، على نحو يؤكد اتجاه إرادتهم إلى اختيار التحكيم كوسيلة لحسم منازعاتهم، أو بعبارة أخرى تحقق العلم الكافي بوجود اتفاق التحكيم. أما إذا لم يوقع الأطراف أو من يمثلهم على الوثيقة الكتابية، فلا يعتبر اتفاق التحكيم متحققاً
هذا وقد عرفت محكمة النقض المصرية التوقيع الخطي بأنه: "الكتابة المخطوطة بيد من تصدر منه . أو هو : "كل" علامة يعبر بمقتضاها شخص ما على أنه قد ارتضي مضمون الورقة والتزام به.
وإذا كان من السهل الحصول على وثيقة كتابية أو محرر موقع من الأطراف، على صعيد المعاملات الداخلية، إلا أن الأمر ليس دائماً بهذه البساطة على صعيد المعاملات الدولية.
وهنا التساؤل عن مدى وجود اتفاق التحكيم في مثل هذه الصور استناداً لنص المادة (۱۲) من قانون التحكيم المصري رقــــم (٢٧) لسنة ١٩٩٤؟.
أيضاً قد تنتهي مدة العقد الذي يتضمن بندا يقضي بالخضوع للتحكيم، ويقوم الأطراف بتجديده ضمنا من خلال استمرار التعاقد، ودون إبرام وثيقة كتابية تتضمن تجديده بكل بنوده بما فيها اتفاق التحكيم، وهنا يثور التساؤل أيضاً عن أثر اتفاق التحكيم الوارد في العقد الأصلي بالنسبة لما قد ينشأ من منازعات بمناسبة العقد الجديد؟.
وأخيراً يثور التساؤل التالي: هل يجيز قانون التحكيم المصري التعاقد عن طريق وكيل أو سمسار؟.
لم تشترط هذه المادة التوقيع على بند التحكيم بذاته، بل يكفي التوقيع على العقد بمجموعه، حتى يمكن القول بوجود اتفاق التحكيم. ويرجع ذلك إلى أن شرط التحكيم الوارد ضمن الشروط العامة إنما يعبر عن أن إرادة الأطراف قد اتجهت بالفعل إلى اختيار التحكيم كوسيلة لحل منازعاتهم الناشئة بمناسبة التعاقد .
ويشترط لتحقق هذا الفرض أن تمثل الشروط العامة المطبوعة - والتي تتضمن بنداً يقضي بالخضوع للتحكيم - جزءا من العقد عند إبرامه، أي يتعيّن أن تكون هذه الشروط جزءاً من الوثائق العقدية، التي كانت محل توقيع الأطراف عند التعاقد، أما إذا ثبت أن هذه الشروط لا تمثل جزءاً من عملية التعاقد، فإن اتفاق التحكيم لا يُعدُّ متوافراً طبقاً للمادة (۳/۱۰) من قانون التحكيم المصري.
الإحالة إلى الشروط النموذجية الموضوعة بواسطة إحدى الهيئات الدولية المتخصصة:
ويتحقق هذا الفرض عندما يكون اتفاق التحكيم وارداً في الشروط النموذجية الموضوعة من قبل إحدى الهيئات الدولية المتخصصة، والمحال إليها من الأطراف.
وقد عالج المشرع المصري هذا الفرض صراحة بنص المادة (۳/۱۰) من قانون التحكيم المصري والتي تقضي بأنه: "يعتبر اتفاقاً علـى التحكيم كل إحالة ترد في العقد إلى وثيقة تتضمن شرط تحكيم، إذا كانت الإحالة واضحة في اعتبار هذا الشرط جزءاً من العقد".
شرط التحكيم الوارد في العقد الأصلي الذي تم تجديده:
وبالنسبة لهذا الفرض حيث يتم تجديد العقد دون إبرام وثيقة كتابية تفيد تجديده بما يتضمنه من ،بنود منها اتفاق التحكيم، فيمكن القول إن قانون التحكيم المصري لم يعالج هذا الفرض.
* التعاقد عن طريق وكيل أو سمسار
الغالب في المعاملات الدولية أن الأطراف لا يتعاقدون بأنفسهم، وإنَّما عن طريق وكلاء أو سماسرة يلعبون دوراً جوهرياً في عملية التعاقد وتضمين العقود بنودا تقضي بالخضوع للتحكيم.
إن تدخل هؤلاء الوكلاء أو السماسرة في عملية التعاقد، يثير مسألة أوليـــة تتعلق بأساس سلطتهم في تضمين العقود التي يبرمونها اتفاقات تقضي بالخضوع للتحكيم، وهل يشترط أن تفرغ سلطة التفويض في وثيقة كتابية أم لا داعي لمثل هذه الوثيقة، طالما أن الوكالة جائزة ؟.
* إن نص المادة (۱۲) من قانون التحكيم المصري إنما استلزم كتابة اتفاق التحكيم، والكتابة مطلوبة لانعقاد اتفاق التحكيم ووجوده، وليست مجرد وسيلة إثبات يمكن الاستغناء عنها بوسيلة أخرى أي يجب إفراغ اتفاق التحكيم بالشكل الكتابي.
هذا ويلاحظ أن المشرع المصري قد تشدد بشأن الوكالة، فقد نص في المادة (۷۰۰) من القانون المدني المصري على وجوب أن يتوافر في الوكالة الشكل الواجب توافره في العمل القانوني الذي يكون محل الوكالة.
وعليه يتعين إفراغ الوكالة بالشكل اللازم توافره في التصرف محل الوكالة، أي اتفاق التحكيم. ولما كان اتفاق التحكيم يجب أن يكون مكتوبا، لذلك فإن الوكالة في إبرام اتفاق التحكيم يجب أن تكون مكتوبة أيضاً.
ومن ناحية أخرى لا تكفي الوكالة العامة لإبرام اتفاق التحكيم، وإنما لابدَّ من وكالة خاصة، لأن الأمر لا يتعلق بعمل من أعمال الإدارة العادية، وإنما من أعمال التصرف، ومن ثم يلزم لإبرامها وكالة خاصة، وهذا ما عبرت عنــه صراحة المادة (۱/۷۰۲) من القانون المدني المصري بقولها: "لابد من وكالة خاصة في كل عمل ليس من أعمال الإدارة، وبوجه خاص في البيع والرهن والتبرعات والصلح والإقرار والتحكيم...".
مما تقدم نخلص إلى أن التوكيل بالاتفاق على التحكيم، يجب أن يكون مكتوباً، لأن القانون يستلزم الكتابة لانعقاد اتفاق التحكيم ووجوده، فمن بـــاب أولى أن تكون الكتابة مطلوبة أيضا في الوكالة في إبرام اتفاق التحكيم.
- الصورة الثانية: اتفاق التحكيم المبرم في صورة مستندات كتابية متبادلة :
وعليه فإن هذه الصورة لاتفاق التحكيم تختلف عن سابقتها - أي اتفاق التحكيم المُبْرَم في صورة وثيقة كتابية أو محرر موقع عليه من الأطراف - في عدم اقتضاء التوقيع على المستندات الكتابية. إذ لا يشترط للقول بوجود اتفاق التحكيم طبقا للقاعدة التي أوردها قانون التحكيم المصري، سوى تبادل المستندات الكتابية، دون اشتراط توقيع الأطراف على ذات الوثيقة.
ويشترط لتحقق هذه الصورة، التأكد من حدوث تبادل للمستندات الكتابية، على نحو يمكن القول معه إن إيجاباً كتابياً قد تلاقى مع قبول أفرغ التعبير عنه في وثيقة كتابية.
فالمعيار للقول بتوافر اتفاق التحكيم، طبقا للفقرة الثانية من المادة (۱۲) من قانون التحكيم المصري، هو وجود تبادل للمستندات الكتابية. وعليه فإن ثبوت تخلف التبادل للمستندات الكتابية، يترتب عليه إنتفاء اتفاق التحكيم على النحو الذي حددته الفقرة الثانية من المادة (۱۲) من قانون التحكيم المصري.
ومن خلال هذه الصورة التي أوردها المشرع المصري في الفقرة الثانية من المادة (۱۲) من قانون التحكيم ، يكون قد خرج بالنسبة للمسائل التجارية على قاعدة المستند الكتابي الموقع عليه ، والمنصوص عليها فـى المواد (۲/۱۰) و (١٤) من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية. حيث إن هذه المواد تشترط أن تكون الكتابة موقعة ، فإذا لم يكن المحرر المكتوب موقعا عليه، فقدت الوثيقة الكتابية قوتها في الإثبات، إذ إن قواعد الإثبات تشترط التوقيع على المحرر المكتوب، إلا إذا أمكن اعتباره مبدأ بثبوت الكتابة.
فكما هو معروف أن المشرع المصري أجاز التحكيم في المسائل المدنية والتجارية على حد سواء، إلا أن الغالب هو اللجوء إلى التحكيم في المسائل التجارية. وفي هذه الصورة التي استحدثتها الفقرة الثانية من المادة (۱۲) من قانون التحكيم، يعد اتفاق التحكيم متحققاً كلما كان هناك تبادل للمستندات الكتابية بين الأطراف بما يفيد توافر العلم الكافي بوجود اتفاق التحكيم، ودون اقتضاء توقيع الأطراف أو ممثليهم على الوثائق الكتابية. وبذلك يكــون المشرع المصري باستحداث هذه الصورة قد خرج على قاعدة المستند الكتابي الموقع عليه.
أن المشرع المصري قد جاء متفقـــاً مع اتفاقية نيويورك، من خلال استحداث هذه الصورة الاتفاق التحكيم المبرم في صورة مستندات كتابية متبادلة بين الأطراف، وذلك دون اقتضاء التوقيع على الوثيقة الكتابية.
وانطلاقاً من القاعدة التي قررها المشرع المصري في الفقرة الثانية من المادة (۱۲) من قانون التحكيم المصري يمكن تحديد الحالات التي تتحقق فيها صورة التبادل دون تلك التي لا تتوافر فيها صورة التبادل.
ومن ثم لا يمكن الاعتراض بعدم وجود اتفاق التحكيم، بحجة عدم توقيع الأطراف، طالما أنه كان متضمنا في خطابات، أو برقيات متبادلة، أو غيرها من وسائل الاتصال المكتوبة. ذلك أن الصورة التي استحدثها المشرع بموجب الفقرة الثانية من المادة (۱۲) لا يشترط لتحققها توقيع الأطراف، بل يكتفى بشأنها وجود تبادل للمستندات المكتوبة.
وعليه فإن إرسال البائع خطابا إلى المشتري يقترح عليه فيه اللجـوء إلى التحكيم بشأن ما قد ينشأ بينهما من منازعات ویرد المشتري على ذلك الخطاب بما يفيد قبوله الاقتراح المطروح عليه، يعد بمثابة تبادل للمستندات الكتابية على نحو يمكن القول معه بوجود اتفاق تحكيم على النحو الذي حددته المادة (۲/۱۲) من قانون التحكيم المصري.
ولا يشترط للقول بتحقق التبادل أن يكون قد ثبت وصوله لعلم الأطراف مباشرة، وإنما يجب التوسع في مفهومه ليشمل الصور المختلفة للتبادل التي تتم عن طريق الوكلاء المأذون لهم، أو السماسرة المعتمدين، فيتحقق التبادل بتلقي الوكلاء المأذون لهم، أو السماسرة المعتمدين لتأكيد البيع والشراء من الطرفين.
وأخيراً وكما سبق القول يشترط لتحقق اتفاق التحكيم، علـــى النحو الذي حددته الفقرة الثانية (م ۱۲) أن يكون هناك إيجابا كتابيا يقابله قبول تمّ التعبير عنه كتابة أي يجب أن يكون هناك تبادلاً للمستندات الكتابية، بين الطرفين. .. وعليه فإن تأكيدا كتابيا من جانب واحد فقط، لا يكفي للقول بوجود اتفاق التحكيم، ذلك أن المشرع إنما قصد من اشتراط ثبوت التبادل للمستندات الكتابية، الاطمئنان إلى توافر العلم الكافي بوجود شرط التحكيم، أي أن الأطراف كانوا على علم كاف بوجود شرط التحكيم.
ومن ناحية أخرى لا يتحقق التبادل إذا كان شفهياً. فالمفاوضات الهاتفية التي تجري بهدف إبرام عقد لا تكفي للقول بتحقق التبادل، حتى لو أعقبها تلكسات أو فاكسات، أو غير ذلك من وسائل الاتصال المكتوبة، إذا لم تتضمن هذه الوسائل الكتابية عرضا وقبولا.
مما تقدم نجد أن المشرع المصري، وإن كان قد تشدد بالنسبة للكتابة واشترط لتحقق اتفاق التحكيم وجوب إفراغه في محرر موقع من الطرفين، وذلك بموجب المادة (۱/۱۲) من قانون التحكيم، إلا أنه تساهل في الفقرة الثانية من ذات المادة، واكتفى لتحقق اتفاق التحكيم فقط بوجود مستندات كتابية متبادلة بين الطرفين دون اقتضاء التوقيع من قبل الأطراف أو ممثليهم.
ثالثاً: الكتابة في القانون الوضعي السوري .
وتجدر الإشارة إلى أن محكمة النقض السورية، ذهبت إلى أنه لا يجوز إثبات اتفاق التحكيم بغير الكتابة، فالكتابة هي الوسيلة الوحيدة للإثبات، وعليه فلا يجوز الإثبات بالإقرار اليمين.
ونحن نرى أنه وبالنظر للنتائج الخطيرة التي تترتب علـــى اتفـاق التحكيم يجب اشتراط الكتابة كركن لانعقاد اتفاق التحكـیم تحت طائلة البطلان.
فلا يكفى الرضا وحده لإبرام اتفاق التحكيم، بل لابُدَّ أن يفرغ هذا الرضــاء بالشكل الكتابي. ولذلك يتعين على المشرع السوري أن يسير على النهج الذي اتبعه المشرع المصري عندما تطلب الكتابة كركن لانعقاد اتفاق التحكيم، وذلك تحت طائلة البطلان.