الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اتفاق التحكيم / الخلاف الفقهى والتشريعى بشأن تتطلب الكتابة / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / القانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم / مدى تعارض القانون المصري مع الاتفاقيات الدولية تطالب - في شأن شكل اتفاق التحكيم

  • الاسم

    هشام محمد ابراهيم السيد الرفاعي
  • تاريخ النشر

    2009-01-01
  • اسم دار النشر

    جامعة عين شمس
  • عدد الصفحات

    332
  • رقم الصفحة

    275

التفاصيل طباعة نسخ

أدى الاختلاف الفقهي بشأن التكييف القانوني للكتابة في اتفاق التحكيم وفقاً لنص المادة ١/٢ من اتفاقية نيويورك المنعقدة بتاريخ 1958 إلى اختلافهم بشأن مدى تعارض القانون المصري مع اتفاقية نيويورك في شأن اتفاق التحكيم، ذلك أن دور الكتابة في اتفاق التحكيم للمادة ١٢ من قانون التحكيم شرط انعقاد تخلفها يؤدي إلى بطلان الاتفاق.

وهو ما أثار لدى الفقه مدى اتفاق ذلك مع دور الكتابة في اتفاق التحكيم وفقاً للمادة ١/٢ من اتفاقية نيويورك. ومدى تعارض الجزاء المترتب على تخلفها في كل.

ويجدر بنا قبل بحث تفاصيل هذا الخلاف بحث القوة الملزمة للمعاهدات الدولية وحكم التعارض بينها وبين التشريع؛ حتى يمكننا رصد النتيجة العملية التي تترتب على الخلاف الفقهي المشار إليه.

أولا: القوة الملزمة للمعاهدات و الاتفاقيات الدولية

إذا كانت المعاهدات والاتفاقيات الدولية تستمد قوتها الملزمة دولياً من قواعد القانون الدولي العام التي تكفل احترامها، وترتب المسئولية الدولية عند إخلال الدولة الموقعة عليها بأحكامها.

فإن القوة الملزمة للمعاهدات والاتفاقيات الدولية داخل الدولة تستمد من نصوص داخلية تتضمنها دساتير الدول التي أبرمتها، وذلك حتى تسري أحكامها داخل إقليم الدولة ويلزم قضاؤها بتطبيقها.

وقد نصت المادة 151 من دستور جمهورية مصر العربية الدائم على أن "رئيس الجمهورية يبرم المعاهدات ويبلغها مجلس الشعب مشفوعة بما يناسب من البيان، وتكون لها قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها طبقاً للأوضاع المقررة.

على أن معاهدات الصلح والتحالف والتجارة والملاحة وجميع المعاهدات التي يترتب عليها تعديل في أراضي الدولة، أو التي تتعلق بحقوق السيادة أو التي تحمل خزانة الدولة شيئاً من النفقات غير الواردة في الموازنة

- تجب موافقة مجلس الشعب عليها".

ومؤدي هذا النص أن المعاهدة – بعد إبرامها والتصديق أو الموافقة عليها من مجلس الشعب، ونشرها في الجريدة الرسمية – تصبح قانوناً من قوانين الدولة ملزماً لكافة السلطات في الدولة.ويجري عليها ما يجري على نصوص هذا التشريع من وجوب قيام القاضي بالبحث عنها وتطبيق أحكامها على الوقائع المطروحة عليه، وتفسير ما قد يكتنفها من غموض في نصوصها وفقاً للقواعد والموجهات ذاتها واجبة الإعمال بالنسبة للتشريع الداخلي، وهو يخضع في ذلك كله لرقابة محكمة النقض، فإذا خالف نصاً من نصوص حره المعاهدة أو أخطأ في تطبيقه أو تأويله، فإن ذلك مما يجيز الطعن في . بطريق النقض عملاً بالمادة ١/٢٤٨ من قانون المرافعات.

وقد قضت محكمة النقض المصرية بأن:

"موافقة جمهورية مصر العربية على الاتفاقية الدولية الخاصة في بالاستيراد المؤقت للسيارات يجعلها تشريعاً نافذاً مصر تطبق على المنازعات الخاضعة لها بوصفها قانوناً داخلياً كما هو الحال بالنسبة لسائر المعاهدات الدولية التي تمت الموافقة عليها".

كما قضت بأنه:

"أحكام وفاق ۱۷ مايو ۱۹۰۲ – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - ملزم لكل من الجمهورية العربية المتحدة وجمهورية السودان، وليس لإحداهما أن تعدل الطريقة المرسومة فيه والتحلل من أحكامه بعمل منفرد وذلك أخذاً بأحكام القانون الدولي العام في شأن المعاهدات ولأنه وقد صدق على الوفاق من مجلس الوزراء ونشر في الوقائع المصرية ومجموعة القوانين والقرارات الرسمية فإنه يكون قانوناً من قوانين الدولة".

كما قضت كذلك بأنه:

"الاتفاقية المبرمة بين جمهورية مصر العربية والجمهورية الفرنسية بشأن تنظيم وسائل تشجيع وحماية استثمارات رعايا الدولتين أصبحت بصدور القرار الجمهوري رقم ٢٣١ لسنة 1975 قانوناً من قوانين الدولة".

وقضت أيضاً بأنه:

"إذ وافقت مصر على اتفاقية فارسوفيا الدولية للطيران بالقانون رقم 593 لسنة 1955 وعلى بروتوكول لاهاي المعدل لها بالقانون رقم 644 لسنة 1955 فإن أحكام هذه الاتفاقية تكون هي الواجبة التطبيق فيما عرضت له".

كما قضت بأنه:

"اتفاقية تأسيس المصرف العربي الدولي للتجارة والتنمية ونطاقها الأساسي تعد من قوانين الدولة بموافقة مجلس الشعب عليها وصدور القرار الجمهوري رقم

547 لسنة ١٩٧٤".

كما قضت المحكمة الدستورية العليا بأن:

"عبارة المعاهدة الدولية لا تعدو أن تكون مصطلحاً عاماً يمتد إلى كل أشكال الاتفاق الدولي فيما بين دولتين أو أكثر إذا دون هذا الاتفاق سواء في وثيقة واحدة أو أكثر وأيا كان نطاق المسائل التي ينظمها أو موضوعها، ومن ثم يندرج تحتها ما يتصل بمفهومها من صور هذا الاتفاق سواء كان عهداً أو ميثاقاً أو إعلاناً أو بروتوكولا أو نظاماً أو تبادلاً لمذكرتين".

فلا يجيز له ذلك، وقد على هذا الرأي أن القاضي الوطني لا ولاية له إلا في الفصل في المنازعات المتصلة بمصالح خاصة، والرأي السائد في مصر هو أن للقاضي الوطني تفسير المعاهدة كلما كان ذلك لازما للفصل في نزاع معروض عليه يدخل في حدود اختصاصه.

ثانيا: التعارض بين المعاهدة والتشريع

تذهب دساتير بعض الدول - كالولايات المتحدة وبريطانيا- إلى أنه عند تعارض أحكام المعاهدات مع تشريع داخلي لاحق، فإن هذا التشريع يرجح ويبقى نافذاً إلى أن يصدر تشريع خاص يزيل ذلك التعارض .

بينما تنص دساتير أخرى - كالدستورين الفرنسي والسويسري - على سمو المعاهدة على التشريع الداخلي بحيث تكون لها قوة إلغاء ما يتعارض مع أحكامها من نصوص داخلية.

وقد خلا دستور جمهورية مصر العربية الدائم من نص يحكم مثل ذلك التعارض، غاية ما في الأمر أن المادة 151 منه جعلت للمعاهدة قوة القانون بعد إبرامها والتصديق أو الموافقة عليها ونشرها، ما مفاده أن مرتبة المعاهدة لا تتجاوز أو تعلو على مرتبة التشريع الداخلي، وعلى ذلك فإن ما مضى القول فيه متعلقاً بأحكام التعارض بين القوانين يصبح واجب التطبيق عند تعارض نصوص المعاهدة مع نصوص التشريع طالما لم يشتمل أي منهما على نص يحكم ما قد يقع بينهما من تعارض.

وما تجب الإشارة إليه في هذا الخصوص أن التعارض لا يقوم إلا إذا وردت النصوص على محل واحد بحيث يكون من المحال إعمالهما معاً. أما إذا اختلف نطاق تطبيق المعاهدة عن نطاق تطبيق التشريع الداخلي، فإنه يتعين العمل بكل منهما في نطاقه دون مجاوزة، وفي هذه الحالة لا يسوغ القول بوجود تعارض بينهما يتعين رفعه، أو تغليب نصوص المعاهدة على نصوص التشريع الداخلي أو العكس.

وقد قضت محكمة النقض – إعمالا لذلك بأنه "إذا كانت معاهدة بروكسل لا تنطبق في صدد النقل البحري الدولي إلا في نطاق محدود، فإنه لا يكون من شأن هذه المعاهدة أن تؤثر خارج هذا النطاق في أحكام قانون التجارة البحري السابقة عليها بما يعد نسخاً لها، لأن التعارض الذي يستتبع إلغاء نص تشريعي بنص تشريعي لاحق لا يكون – في حكم المادة الثانية من القانون المدني - إلا إذا ورد النصان على محل واحد".

وترتيباً على ذلك فإنه إذا وردت نصوص كل من المعاهدة والتشريع الداخلي على محل واحد، وتبين وجود تعارض بينهما ، فقد ذهب رأي في الفقه إلى التفرقة بين ما إذا كانت المعاهدة لاحقة للتشريع الداخلي أوسابقة عليه وارتأوا أن في الحالة الأولى تكون المعاهدة – باعتباراها تشريعاً لاحقاً قد ألغت ضمناً ما يتعارض معها من نصوص التشريع السابق، اما في الحالة الثانية فإن التشريع الداخلي اللاحق يعتبر ناسخاً لما تضمنته المعاهدة من أحكام تتعارض معه.

ويؤخذ على هذا الرأى أنه ينطوي على إهدار لما ترتبه المعاهدة من التزام الدول الموقعة عليها - التزاما دوليا - بتنفيذ ما جاء فيها، وهو التزام يترتب على الإخلال به قيام المسئولية الدولية، لأن الدولة وإن كانت تملك بإرادتها المنفردة إلغاء أو تعديل أي من نصوص تشريعاتها الداخلية، إلا أنها لا تملك بإرادتها وحدها إلغاء أو إهمال العمل بالمعاهدة لما في ذلك من مساس بحقوق الدولة أو الدول الأخرى الموقعة عليها.

يؤيد هذا النظر ما نصت عليه المادة ٢٣ من القانون المدني من عدم سريان المواد السابقة عليها الخاصة ببيان القانون واجب التطبيق في التنازع المكاني للقوانين "إلا حيث لا يوجد نص على خلاف ذلك في قانون خاص أو معاهدة دولية"، وما نصت عليه المادة 301 من قانون المرافعات من أن العمل بالقواعد الخاصة بتنفيذ الأحكام والأوامر والسندات الرسمية الأجنبية "لا يخل بأحكام المعاهدات المعقودة أو التي تعقد بين الجمهورية وبين غيرها من الدول في هذا الشأن"

وقد قضت محكمة النقض بأن: "النص في المادة 301 من قانون المرافعات على أن العمل بالقواعد المنصوص عليها في الفصل الخاص بتنفيذ الأحكام والأوامر والسندات الأجنبية لا يخل بأحكام المعاهدات المعقودة والتي تعقد بين جمهورية مصر العربية وغيرها من الدول مؤداه أن تكون المعاهدة - بعد نفاذها – هي القانون واجب التطبيق في هذا الصدد ولو تعارضت مع أحكام القانون المشار إليه".

ثالثا: أولوية تطبيق أحكام اتفاقية نيويورك بشأن الاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية الموقعة بتاريخ 10 يونيو 1958 لدى التعارض مع التشريع المصري

يتبين مما سبق أن نص الاتفاقيات الدولية أولى بالإعمال من نصوص القانون، وعلى ذلك تكون أحكام اتفاقية نيويورك بشأن الاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية الموقعة بتاريخ ١٠ يونيو ١٩٥٨ هي الأولى بالإعمال من نصوص قانون التحكيم المصري لدى تعارض أحكامها.وهذا ما أكده المشرع المصري في قانون التحكيم المصري ذاته حيث نصت المادة الأولى منه على أنه: "مع عدم الإخلال بأحكام الاتفاقيات الدولية المعمول بها في جمهورية مصر العربية تسري أحكام هذا القانون ............

وكذلك ما ورد بتقرير اللجنة المشتركة من لجنة الشئون الدستورية والتشريعية ومكتب لجنة الشئون الاقتصادية بمجلس الشعب عن مشروع قانون التحكيم من قوله: "وعدلت المادة الأولى على نحو وسع من نطاق تطبيق أحكام المشروع فبعد أن رجحت أحكام الاتفاقيات المعمول بها في مصر نظمت سريان أحكام المشروع على كل تحكيم يجري في مصر

فإذا ما تعارض نص في اتفاقية دولية مع نص معمول به في مصر فإن نص القانون يعطل ونص الاتفاتقية يكون هو واجب الإعمال في هذا الشأن.

رابعا: مدى وجود هذا تعارض بين التشريع المصري واتفاقية نيويورك بشأن شكل اتفاق التحكيم

وعلى أساس الخلاف الفقهي بشأن تكييف كتابة اتفاق التحكيم في نص المادة ١/٢ من اتفاقية نيويورك بشأن الاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية الموقعة بتاريخ 10 يونيو ١٩٥٨ بأنها شرط إثبات أم شرط انعقاد، اختلف الفقه تبعاً لذلك في مدى تعارض نص المادة ١٢ من قانون التحكيم مع نص المادة ١/٢ من اتفاقية نيويورك على النحو التالي:

الرأي الأول :

ذهب رأي في  الفقة أن المشرع المصري فعل حسناً بتطلبه إلى الكتابة؛ كشرط لصحة اتفاق التحكيم.

رأي الباحث

 لا يتفق الباحث مع كلا الرأيين.

 ذلك أن مؤدى الرأي الأول أن التشريعات التي لم تجعل الكتابة شرطاً لصحة انعقاد اتفاق التحكيم، وجعلتها شرط إثبات، تتعارض مع نص المادة ۱/۲ من اتفاقية نيويورك بشأن الاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية الموقعة بتاريخ 10 يونيو ١٩٥٨.

ولا نسلم بهذا، فما تضمنه نص المادة ١/٢ من اتفاقية نيويورك من إلزام الدول المتعاقدة بالاعتراف باتفاق التحكيم المكتوب، لا يتضمن حظراً لهذا الاعتراف إذا لم يكن الاتفاق مكتوباً، وإنما ينصرف تفسير النص إلى الاتجاه المعاكس. وذلك بحظر اشتراط دولة لما هو أزيد من الكتابة في شكل اتفاق التحكيم للاعتراف به.. لما يعنيه ذلك من عدم اعترافها بالاتفاق المكتوب.

كما أن مؤدى الرأي الثاني أن ثمة تعارضا بين حكم المادة ١٢ من قانون التحكيم المصري والمادة ١/٢ من اتفاقية نيويورك يستوجب تعطيل نص القانون لصالح الاتفاقية في مجال اتفاق التحكيم الدولي.

ولا نسلم بهذا أيضاً – ذلك أنه إذا صرفنا النظر عما إذا كان نص المادة ١/٢ من اتفاقية نيويورك تضمن تكييفاً لكتابة اتفاق التحكيم على أنها شرط إثبات – وهو ما يقول به هذا الرأي- أو لم يتضمن أي تكييف لكتابة اتفاق التحكيم لا بأنها شرط إثبات ولا بأنها شرط انعقاد – وهوما يقول به الباحث- وركزنا النظر في الأثر المترتب على إعمال نص المادة ١٢ من قانون التحكيم المصري، لبيان ما إذا كان هذا الأثر يتعارض مع الأثر الذي يرتبه نص المادة ١/٢ من اتفاقية نيويورك أم لا؟.

لتبين أن ما يرتبه نص القانون من بطلان اتفاق التحكيم غير المكتوب لا يجاوز ما يرتبه نص الاتفاقية من حق الدولة في عدم الاعتراف باتفاق التحكيم غير المكتوب.

ذلك أن نص المادة ١/٢ من اتفاقية نيويورك إذ ألزم الدول المتعاقدة بالاعتراف باتفاق التحكيم المكتوب وذلك بدلالة منطوقه فإنه أجاز لهذه الدول عدم الاعتراف باتفاق التحكيم الغير المكتوب . وذلك بدلالة مفهوم المخالفة للنص.

وكان اصطلاح "عدم الاعتراف" ليس إلا نتيجة يتسع سبيل الوصول إليها للعديد من الأدوات القانونية التي قد تختلف فيها النظم التشريعية للدول.

فليس هناك ما يمنع دولة من الدول المتعاقدة من أن تقر ما تشاء من جزاء على تخلف الكتابة عن اتفاق التحكيم؛ وفقاً لما تراه من نظم وما تطلق عليه من أسماء .

ما دامت انتهت إلى ذات النتيجة التي ينصرف إليها معنى عدم الاعتراف.

وهذا هو ما يتفق مع منهج الاتفاقيات الدولية عامة من مراعاة لما يكتنف النظم القانونية لدول العالم المختلفة من تباين.

ونخلص من ذلك إلى أن وجود أي تعارض بين شكل اتفاق التحكيم الذي أورده نص المادة ١٢ من قانون التحكيم المصري، والمتمثل في وجوب كتابة اتفاق التحكيم كشرط لانعقاده يترتب على تخلفها بطلانه.

وبين ما ورد بشأن اتفاق التحكيم في نص المادة ١/٢ من اتفاقية نيويورك، والذي يلزم الدول المتعاقدة بالاعتراف باتفاق التحكيم المكتوب.