الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اتفاق التحكيم / الخلاف الفقهى والتشريعى بشأن تتطلب الكتابة / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / القانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم / إعمال قواعد الإسناد الخاصة بالعقد الدولي على شكل اتفاق التحكيم

  • الاسم

    هشام محمد ابراهيم السيد الرفاعي
  • تاريخ النشر

    2009-01-01
  • اسم دار النشر

    جامعة عين شمس
  • عدد الصفحات

    332
  • رقم الصفحة

    242

التفاصيل طباعة نسخ

أولا: تطبيق قانون محل الإبرام على شكل العقد الدولي

ظلت قاعدة التنازع التي تحكم شكل العقد الدولي هي قاعدة قـانون محل الإبرام".. وذلك بعد أن انسلخ موضوع العقد الدولي عن تلـك القاعـدة ليحكم بمقتضى قانون الإرادة. وفقاً لنظرية الفقيه الفرنسي "ديمولان" وبـذلك تحولت القاعدة التقليدية من "قانون المحل يحكم التصرف".. لتصبح قـانون المحل يحكم شكل التصرف"

وعندما ظهرت فكرة تقسيم الأحوال إلى عينية وشخصية علـى يـد الفقيه "دار منتريه"، وكان من الطبيعي أن تصنف قاعدة "المحل يحكم شـكل التصرف".. اختلف الفقه بشأن الطائفة التي يدخل تحتها "شـكل التصرف"، فذهب البعض إلى إدخاله في طائفة الأحوال الشخصية. لكي يمتـد القـانون المحلي ويسري على شكل العقد باعتباره واقعة حدثت داخل الإقليم، وبظهور فكرة تقسيم الأحوال إلى عينية وشخصية ومختلطة على يد فقهـاء المدرسـة الهولندية في القرن السابع عشر، وجدوا أنه من الأنسب إدخال قواعد الشكل في طائفة الأحوال المختلطة.

إلا أنهم ألحقوها في النهاية بالأحوال العينية من منطلق كونها إقليمية التطبيـق، وقد ظل القضاء يطبق قاعدة "المحل يحكم شـكل التصرف كقاعـدة عرفيـة مستقرة طوال القرن الثامن عشر وحتى ظهور حركة التقنين في أوائل القرن التاسع عشر؛ لتحتل مكانها بين نصوص التقنينات، ويتبلور مضمونها في أن كل عقد أو تصرف يتم في بلد ولو بين أجانب، يمكن أن يفرغ في الشكل المقرر في قانون ذلك البلد، وكل عقد أو تصرف يتم على هذا النحو يعتبر صحيحا شكلاً

ثانيا: أساس قاعدة قانون محل الإبرام وخصائصه

بالرغم من محاولة بعض الفقه تقديم عدد من الأسس النظريـة ليقـول بابتناء قاعدة "قانون المحل" عليها

ومن أهم خصائص قاعدة "خصوع شكل العقد الدولي لقـانـون مـحـل إبرامه" أنها قاعدة تخيرية.

ذلك أنه باستقراء نصوص التشريعات التي قننت هذه القاعدة ، يتبـين أنها أتاحت الاختيار أمام الأطراف بشأن شكل عقودهم في إفراغها في الشكل المقرر في قوانين عدة ، من بينها قانون محل الإبرام.

ويجد هذا الطابع التخييري لتلك القاعدة سنده ومبرره في الأساس الذي قامت عليه من مراعاة الاعتبارات العملية والتيسير على المتعاقدين.

ولم يخرج مسلك المشرع المصري عن ذلك، إذ قننت قاعدة "خضوع شكل العقد الدولي لقانون محل إبرامه" في المادة ٢٠ من القانون المدني، والتي جاء نصها: "العقود بين الأحياء تخضع في شكلها لقانون البلد الذي تمت فيه، ويجوز أيضاً أن تخضع للقانون الذي يسري على أحكامها الموضوعية كما يجوز أن تخضع لقانون موطن المتعاقدين وقانونيهما الوطني المشترك"

ويظهر جلياً تبني النص للطابع التخييري للقاعدة، فأجـاز للأطـراف الاختيار بين خضوع شكل عقودهم لقانون محل الإبرام، أو قانون الموضوع، وهو قانون الإرادة، أو قانون مـوطن المتعاقدين، أو قانونهمـا الـوطني المشترك.

ثالثا: اختلاف قاعدة إسناد "شكل ركن العقد" عن قاعدة إسناد شكل دليل إثباته

يقصد بشكل العقد، الإطار أو القالب الذي يتم فيـه إفراغ الإرادة أو تجسيدها؛ لإظهارها إلى العالم الخارجي.

ويمكن أن يتمثل هذا القالب في الكتابة، سواء كانت رسمية أو عرفية أو الإشهاد، أو تدخل سلطة معينة في إبرام العقد أو غير ذلك.

وقد يكون الغرض من طلب شكل معين في العقد تهيئة طريق الإثبـات، وحينئذ لا يغير هذا الشكل من كون العقد رضائياً.

كما قد يكون الغرض من طلب شكل معين في العقـد اسـتيفاء شـرط انعقاده، وحينئذ يكون العقد شكلياً لا يتم بمجرد تراضي المتعاقدين.. بل يجب لانعقاده اتباع هذا الشكل المعين.

وكون الشكل متطلباً لإثبات العقد الدولي أو متطلباً لانعقاده، له أثره من حيث القانون واجب التطبيق عليه.

إذ ثار التساؤل حول ما إذا كان كل من الشكل اللازم للإثبات والشكل اللازم للانعقاد، يخضعان للقانون الذي يحكم شكل العقد، أم للقانون الذي يحكم موضوع العقد؟

أما بشأن الشكل اللازم لإثبات العقد:

فلم يختلف الفقه بشأنه، فمن المقرر خضوعه للقانون الذي يحكم شـكل العقد، إذ قانون الشكل هو المرجع في معرفة لزوم أو عدم لزوم شكل معـين لإثبات العقد.

فإذا كان القانون الذي يحكم موضوع العقد يستلزم الكتابة للإثبات بينما لا يستلزمها قانون محل الإبرام (باعتباره قانون الشكل) فـلا تـلـزم الكتابـة لإثبات العقد.

ومن الزاوية الأخرى فإذا كان القانون الذي يحكم موضوع التصرف لا يستلزم الكتابة للإثبات بينما يستلزمها قانون محل الإبرام – باعتباره قـانون الشكل - فتلزم الكتابة للإثبات.

وهذا ما قررته محكمة النقض المصرية في حكمها الصادر في 17 مايو سنة ١٩٧٣، إذ قضت بأن "الشكلية المعتبرة ركن في انعقاد التصرف دون تلك المفضية لإثباته خضوعها لقانون الموضوع".

كما قررت هذا المبدأ نصوص بعض الاتفاقيات الدولية.

منها اتفاقية روما لعام ١٩٨٠ المبرمة بين دول السوق الأوروبيـة المشتركة.. حيث نصت في مادتها رقم 14 علـى خـضوع طـرق إثبـات التصرف للقانون الذي يحكم الشكل.

وأما بشأن الشكل اللازم لانعقاد العقد باعتباره ركنا فيه

فقد ثار بشأنه خلاف، فذهب رأي إلى أن اشتراط شكل معين لانعقـاد العقد بحيث يترتب على تخلفه بطلانه، يعد من الأمور المتعلقة بموضـوع العقد.

وبالتالي يجب أن يخضع للقانون الذي يحكم الموضوع. لا للقانون الذي يحكم الشكل، لأن الشكلية في حال لزومها لانعقاد العقد لا تعد مجرد مظهـر خارجي للعقد، وإنما هي شرط جوهري يدخل فيه وركن من أركانه.

إذ الغاية من هذه الشكلية هي تبصرة المتعاقدين وتنبيههم إلـى خـطـرالتصرف الذي هم مقدمون عليه.

ومن ثم تكون الحكمة من شكلية العقد هي حماية رضائهم، الأمر الذي يجعل استلزامها من عدمه خاضع للقانون الذي يحكم موضوع العقد، وليس للقانون الذي يحكم شكله.

 وقد تبنى المشرع المصري هذا الرأي، وذلك على نحو مـا أفـصحت عنه المذكرة الإيضاحية للقانون المدني من أن القانون الذي يسري على الشكل، لايتناول إلا عناصر الشكل الخارجية أما الأوضاع الجوهرية في الشكل وهي التي تعتبر ركناً لانعقاد التصرف كالرسمية في الرهن التـأميني، فلا يسري عليها إلا القانون الذي يرجع إليه الفصل في التصرف من حيـث الموضوع".

وتطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض المصرية بأن "اختصاص قـانون الشكل لا يحكم إلا عناصره الخارجية والشكلية المعتبرة ركنـاً فـي انعقـاد التصرف دون تلك المفضية لإثباته تخضع لقانون الموضوع".

أما الرأي الراجح في الفقه فيرفض هذا الاتجاه، ويرى إخضاع الشكل اللازم لانعقاد العقد لقانون "محل الإبرام" باعتباره القانون الذي يحكم شكل العقد.

ويستند في ذلك.

إلى أن إخضاع الشكل اللازم لانعقاد العقد للقانون الذي يحكم موضوعه بدلا من قانون محل الإبرام "الذي يحكم الشكل" أمر يتنافى مـع الاعتبــارات العملية وفكرة التيسير، بوصفها الأساس الذي قامت عليه قاعدة الإسـنـاد فـي مجال شكل التصرفات القانونية، وهي "خضوع شكل التصرف لمحل إبرامه".

إذ بإعمال قانون الموضوع على الشكل اللازم للانعقاد يتعين علـى المتعاقدين الرجوع إلى قانون غير قانون المكان الذي أبرم فيه العقد. وهـر قانون قد يتعذر عليهم العلم بأحكامه. كما أن إعمال قانون محل الإبرام علـى الشكل، يعد أكثر استجابة إلى مقتضيات التعامل الدولي التي تتطلب خـضرع المتعاملين لقواعد يسهل عليهم معرفتها وينوون تطبيقها عليهم. 

رابعا: إعمال قاعدة "قانون محل الإبرام" على شكل اتفاق التحكيم

ظهر توجه إلى إعمال قاعدة قانون محل الإبرام على اتفاق التحكيم باعتباره عقداً، وقد ساهم في تأييد التوجه إلى إعمال قواعد تنازع القوانين الخاصة بشكل العقد الدولي على اتفاق التحكيم.

إن من أهم الخصائص التي تتميز بها قاعدة إعمال قانون محل الإبرام على شكل العقد الطابع الاختياري، ومن أهم الأسس التي قامت عليها مراعاة الاعتبارات العملية والتي منها التيسير على المتعاملين في العلاقة الدولية، وهي مفاهيم تتناسب مع اتفاق التحكيم الدولي كوسيلة لتسوية منازعات المتعاملين في التجارة الدولية.. حيث التيسير وما يفسحه الطابع الاختياري من إعمال للإرادة.

كما ساهم في تأييد التوجه نحو إعمال قواعد تنازع القوانين الخاصة بشكل العقد الدولي على اتفاق التحكيم أيضاً، أن معظم دول العالم قد ضمنت تشريعاتها تقنين قاعدة "خضوع العقد لقانون محل الإبرام لذات طابعها الاختياري، وعلى ذات أساسها المبني على التيسير على المتعاملين في العلاقات الدولية.

وكان القانون المصري من القوا التي تبنت تلك القاعدة حيث نص في المادة ٢٠ من القانون المدني على أنه: "العقود بين الأحياء تخضع في شكلها لقانون البلد الذي تمت فيه، ويجوز أيضاً أن تخضع للقانون الذي يسري على أحكامها الموضوعية، كما يجوز أن تخضع لقانون موطن المتعاقدين وقانونيهما الوطني المشترك".

ومن التشريعات التي تضمنت هذه القاعدة أيضاً قانون التحكيم المدني الإماراتي لعام ١٩٨٥ (المادة ١/١٩)، والقانون الدولي الخاص النمساوي لعام ۱۹۷۹ (المادة 8)، والقانون الدولي الخاص المجري لعام ١٩٧٩(المادة ۱/۳۰)، والقانون الدولي الخاص التركي لعام ۱۹۸۲(المادة 6)، والقانون الدولي الخاص الألماني لعام ١٩٨٦(المادة ١١)، والقانون الدولي الخاص السويسري لعام ١٩٨٧ (المادة ١٢٤)، والقانون الدولي الخاص الروماني لعام ۱۹۹۲ (المادة ٨٨) .

وبالفعل اتجهت هيئات التحكيم إلى تطبيق قاعدة "إعمال قانون محل الإبرام على شكل العقد" على اتفاق التحكيم الدولي.

حيث قضت هيئة التحكيم بغرفة التجارة الدولية بباريس في عام ١٩٨٨ بأنه "في أي معاملة دولية يمكن "لشكل اتفاق التحكيم" أن يلزم أيضاً بقانون مكان إبرام الاتفاق طبقاً لمبدأ المحل يحكم شكل التصرف".

 وإذا كان الطابع التخييري لقاعدة "قانون المحل" يبدو مناسباً لاتفاق التحكيم إذ بمقتضاه يتسع مجال إعمال الإرادة، والتي تجسد أحد أهم المبادئ التي يقوم عليها نظام التحكيم وهو مبدأ الرضائية. فيحق لأطراف اتفاق التحكيم اختيار أي قانون آخر ليحكم شكل الاتفاق خلاف قانون محل إبرام الاتفاق،

إلا أنه يتبين من خلال التطبيق العملي لقاعدة "قانون المحل" أن طابعها التخييري قد يؤدي إلى نتائج تصطدم مع مبدأ من أهم المبادئ التي تحكم اتفاق التحكيم، وهو مبدأ "استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي".

ذلك أنه بمقتضى هذا الطابع التخييري لقاعدة "قانون المحل" يمكن تطبيق قانون العقد الأصلي على اتفاق التحكيم، ومن ثم يبطل اتفاق التحكيم ببطلان العقد الأصلي، وهو ما يتنافى مع أهم الأسس التي أقيم عليها مبدأ استقلال شرط التحكيم.

وقد حدث هذا فعلاً في الطعن على حكم التحكيم الصادر من هيئة التحكيم بغرفة التجارة الدولية بباريس بتاريخ ٢٥ سبتمبر ١٩٨٦، والذي طبق فيه قانون العقد الأصلي على اتفاق التحكيم بمقتضى قاعدة "إعمال قانون محل الإبرام" على شكل العقد.

ومن ثم إهدار ما كان مقرراً لاتفاق التحكيم من استقلال عن العقد الأصلي وقانونه، وتتلخص وقائع تلك القضية في أن نزاعاً ثار بين شركة لبنانية وشركة باكستانية وبين شركة من إمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة، حول عقد تنفيذ توسعة الاستاد الرياضي بمدينة كراتشي الباكستانية. وكان العقد قد أبرم في هذه المدينة، وتضمن شرط تحكيم لصالح غرفة التجارة الدولية بباريس، حيث قضت هيئة التحكيم بها في ٢٥ سبتمبر ١٩٨٦ بثبوت تبادل التراضي ووجود اتفاق تحكيم صحيح بين الطرفين، وعندما طعن في هذا الحكم أمام محكمة استئناف باريس قضت بحكمها الصادر في ٢٦ فبراير ١٩٨٨ أنه: "إذا كان لاتفاق التحكيم في نطاق التحكيم الدولي، استقلال كامل بالنسبة للعقد الأصلي الذي يندرج فيه، إلا أنه يجب تقدير سلامته طبقاً لقاعدة التنازع التي تحدد القانون واجب التطبيق في حالة الادعاء بعدم وجود الاتفاق لعيب في شكل العقد – كما هو الحال في القضية المعروضة- وحيث إن الأطراف كانوا يعلمون تماماً الشكليات المتطلبة لقيام عقد جديد ومستوفي الشكل الذي يتطلبه القانون الباكستاني: الدمغة ، والتاريخ، التوقيع، توفر الصفة في الشخص الذي يوقعه، فإنهم لم يستوفوا تلك الشكليات، بما يقيم الدليل على أنهم لم يقصدوا إلى جعل المستند محل النزاع عقداً يرتبط به الأطراف، ومن ثم، فإنه لا يمكن أن يكون اتفاقاً صحيحاً يخضع بمقتضاه للتحكيم كل نزاع ينشأ عن ذلك العقد". 

وهو ما أيدته محكمة النقض بتاريخ 10 يوليو ۱۹۹۰.

وقد أخذ على هذا الحكم أنه وإن كان يتفق مع القواعد العامة في حل تنازع القوانين في شكل التصرفات القانونية والتي يعد اتفاق التحكيم منها لكونه عقداً.

إلا أنه يبدو لا يتفق مع بعض القواعد الموضوعية التي تقرر استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي المتصل به، أو التي تقرر أن اتفاق التحكيم يكون صحيحاً في جميع الأحوال وبغض النظر عن القانون واجب التطبيق حسب منهج تنازع القوانين مادام مكتوباً، واستوفي شرائط صحته من تراض ومحل وسبب.

إلا أن ذلك لم يكن من شأنه التغيير من توجه معظم النظم القانونية إلى إعمال قواعد تنازع القوانين في العقد الدولي على شكل اتفاق التحكيم. .