كانت المادة ٥٠١ من قانون المرافعات تنص على أنه «لا يثبت التحكيم إلا بالكتابة». ويتضح من هذا النص أن الكتابة، تعد وفقا له مجرد وسيلة لإثبات التحكيم، وليست ركنا من أركانه. وبناء على ذلك، إذا لم توجد الكتابة أو اعتراها البطلان، فإن ذلك، لا يؤثر على وجود اتفاق التحكيم، أو صحته .
ويترتب على استلزام إثبات اتفاق التحكيم بالكتابة، أنه يجوز إثباته أيضا بوسائل الإثبات غير العادية، مثل الإقرار واليمين، بل إنه يمكن إثباته، إذا وجد مبدأ ثبوت بالكتابة بالبينة والقرائن .
أما قانون التحكيم المصرى، فقد عدل عما كانت تنص عليه المادة ٥٠١ من قانون المرافعات بنصه في المادة ۱۲ على أنه «يجب أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبا ، وإلا كان باطلا عكس ذلك نص المادة الخامسة من قانون التحكيم الإنجليزى الصادر سنة ٩٦ ، بل إنه في الفقرة الثالثة من المادة الخامسة يعتد باتفاق التحكيم الشفوى، ونص المادة ١٠٢١ من قانون الإجراءات المدنية الهولندي، والمادة ٢/٧ من قانون اليونسيترال النموذجى ، والمادة ۱۷۸ من القانون الفيدرالي السويسرى الصادر سنة ۸۷، المادة ١٤٤٩ من القانون الفرنسي الصادر سنة (۱۹۸۰)، وبمقتضى هذا النص (نص المادة ۱۲ من قانون التحكيم المصرى) ، صارت الكتابة ركنا من أركان اتفاق التحكيم، وهو يتفق فى هذا الصدد مع القانون الإيطالي، وليست مجرد وسيلة لإثباته، كما أنها ليست من شروط صحة اتفاق التحكيم .
ويترتب على كون الكتابة، قد صارت بمقتضى نص المادة ١٢، ركنا من أركان اتفاق التحكيم ما يأتي:
۱- لا يجوز إثبات اتفاق التحكيم بالبينة، ولو وجد مبدأ ثبوت بالكتابة (المادة ٦٢ إثبات)، فإذا تخلفت الكتابة إذن فلا يوجد اتفاق التحكيم من الناحية القانونية.
٢ - تقضى المادة ٦٣ من قانون الإثبات، بأنه يجوز أيضا الإثبات بالبينة، فيما كان يجوز إثباته بالكتابة، إذا وجد مانع مادى، أو أدبي دون الحصول على دليل كتابى وهذه المادة وإن كانت تنطبق في حالة تطلب الكتابة ، كدليل التصرف القانونى ، إلا أنها لا تنطبق في حالة نص القانون (المادة ١٢ من قانون التحكيم المصرى)، على الكتابة كركن من أركان التصرف القانوني .
٣ - تقضى المادة ٦٣ بجواز الإثبات بالبينة فيما كان يجب إثباته بالكتابة ، إذا فقد الدائن سنده الكتابي ، لسبب أجنبى لا يد له فيه» .ويمكن القول هنا - وبخلاف الحالات الخمس السابقة - أن هذا النص يشمل أيضا التصرفات الشكلية ، مثل اتفاق التحكيم ، وفقا لقانون التحكيم المصرى الجديد ، لأننا هنا بصدد حالة اتفاق تحكيم وجد مستكملا أركانه ، وشروطه القانونية ، ثم فقد السند الكتابي بعد ذلك ·
ويلاحظ هنا بصدد المادة ۱۲ ، أنها لا تسرى ، إلا على اتفاق تحكيم ، أبرم بعد دخول قانون التحكيم رقم ۲۷ لسنة ٩٤ حيز النفاذ . أما فيما يتعلق باتفاق التحكيم ، الذي أبرم قبل نفاذه ، فيسرى عليه نص المادة ٥٠١ من قانون المرافعات فى هذا الصدد، أى يجب إثباته بالكتابة .
ويلاحظ على بعض القوانين أنها بعد أن نصت على متـــى يـكــون الاتفاق مكتوبا ، نصت أيضا على أن اتفاق التحكيم ، قد يكون مكتوبا ، فيما لو أشار الأطراف في عقد ما ، إلى مستند ، يتضمن اتفاقا على التحكيم (المادة ٦/٥ من قانون التحكيم الإنجليزي الصادر سنة ٩٦ المادة ٢/٧ من قانون اليونسيترال النموذجي والمادة ۱۰۲۱ من قانون الإجراءات المدنية الهولندى والمادة ۱۰۳۱ من قانون الإجراءات المدنية الألماني) . وهذا بخلاف قانون التحكيم المصرى ، الذي أفرد لهذه الحالة الفقرة رقم 1 من المادة العاشرة .
وانطلاقا من مرونة قانون التحكيم في مسألة الكتابة ، فإن اتفاق التحكيم يكون صحيحا من الناحية القانونية ، بالرغم من عدم توقيع المحكمين عليه ، نظرا لأن هؤلاء لا يعدوا أطرافا في اتفاق التحكيم .
أما عن موقف الاتفاقيات الدولية - القانون الاتفاقى - . فبتسليط الضوء على اتفاقية نيويورك ، نجد أنها نصت فى المادة الثانية على وجوب أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبا . أما عن مدلول الكتابة ، فقد أشارت الاتفاقية إلى العديد من الصور التي تلبس ثوب الكتابة ، منها اتفاق التحكيم الموقع من الأطراف ومنها إذا كان متضمنا فى مستندات كتابية متبادلة ، أو برقيات تعبر عن إرادتهم في ولوج طريق التحكيم .
خلاصة موقف قوانين التحكيم :-
ونخلص مما سبق جميعه إلى القول ، بأن معالجة القوانين المتعلقة بالتحكيم مسألة القيود الشكلية ، يمكن تقسيمها إلى ما يأتي:
۱ - قوانين تحكيم ، تجعل اتفاق التحكيم، طليقا من قيود الشكلية ، فلا تفرض على الأطراف طريقا لإثباته ، بحيث يجوز وفقا لها إثبات اتفاق التحكيم ، بمختلف وسائل الإثبات الممكنة و التى توصل إلى اقتناع المحكم (ومنها قانون التحكيم الإنجليزى الصادر سنة (٩٦) .
٢ - قوانين تحكيم - تتخذ موقفا وسطا - حيث تنص على أن اتفاق التحكيم لا يثبت إلا بالكتابة. ومن ثم، يجوز وفقا لها ، إثباته أيضا بالإقرار (مثال ذلك قانون التحكيم الفرنسي وقانون الإجراءات المدنية الألماني والهولندي ... الخ) ، ولقد عملت تلك القوانين على التخفيف من حدة الكتابة
٣- قوانين تحكيم تنص على أن اتفاق التحكيم ، لا ينعقد إلا بالكتابة ومنها قانون التحكيم المصرى والقانون الإيطالي) ، إلا أنها أيضا عملت على التخفيف من مدلول الكتابة كما سبق أن ذكرنا ، فهذه القوانين تفرض الكتابة ، بحيث أنها تعد الوسيلة الوحيدة التى يصل من خلالها المحكم إلى الحقيقة ولا يجوز للأطراف أن يوجدوا اتفاق التحكيم ، إلا من خلال الكتابة .
وبعد كل ما أسلفنا الإشارة إليه ، أعتقد أنه كان يجب على المشرع المصرى أن يشترط الكتابة للإثبات ، ولا يستلزمها كركن من أركان اتفاق التحكيم ، والقانون الإنجليزي يفضل القانون المصرى فى هذه النقطة .