اتفاق التحكيم / الشرط الشكلى - الكتابة / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / القانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم / شكل اتفاق التحكيم في الاتفاقيات الدولية
تختلف الاتفاقيات الدولية في أن الشكل المقصود لاتفاق التحكيم يتمثل في كتابته إلا أنها اختلفت من بعد ذلك في وظيفة هذه الكتابة ومدى ضرورة توافرها والمرونة الخاصة بشأنها.
فقد تضمنت اتفاقية واشنطن الخاصة بتسوية المنازعات الناشئة عن الاستثمارات بين الدول وبين رعايا الدول الأخرى، والتي انضمت إليها مصر في 18 مارس 1965 بموجب قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 90 لسنة ۱۹۷۱ بالموافقة على انضمام مصر إلى الاتفاقية الخاصة بتسوية المنازعات الناشئة عن الاستثمارات بين الدول وبين رعايا الدول الأخرى، والتي يطلق عليها اتفاقية واشنطن لعام 1965.
والتي تهدف إلى فض المنازعات التي تنشب بين المستثمر الأجنبي وبين الدول المستثمر فيها المال، ويكون ذلك بطريق التحكيم، وتطبق هيئة التحكيم القواعد الدولية المنصوص عليها في الاتفاقية الدولية، وينطوي ذلك على إحلال هذه القواعد محل القانون الوطني.
تضمنت أن عرض المنازعات على مركز واشنطن لتسوية منازعات الاستثمار، والذي أنشئ بموجب هذه الاتفاقية ليس إلزامياً، وإنما مرده إلى القبول الكتابي الصريح من الدولة والمستثمر. وهذا ما أفصحت عنه المادة ٢٥ منها والتي تنص على أنه:
"يمتد الاختصاص القانوني للمركز (المركز الدولي لفض المنازعات الناشئة عن الاستثمار) إلى أية خلافات قانونية تنشأ مباشرة عن استثمار بين دولة متعاقدة، (أو أي إقليم فرعي، أو أي وكالة تابعة للعضو المتعاقد سبق أن عينته الدولة المتعاقدة إلى المركز)، وبين مواطن من دولة أخرى متعاقـدة، وبشرط أن يوافق طرفا النزاع كتابة على تقديمها للمركز، وعنـد إعطـاء الطرفين موافقتهما لا يحق لأي من الطرفين أن يسحب هـذه الموافقـة دون قبول من الطرف الآخر"
وتناولت اتفاقية عمان العربية للتحكيم التجاري التي أقرهـا مجلـس وزراء العرب بالقرار ۸۰/ د. هـ فـي 1047/8/16 هـ الموافـق 4/14/١٩٨٧ مسألة الشكلية في اتفاق التحكيم في إطار تحديد مجال سريانها، حيث نصت المادة الثانية على أنه: "وتطبق هذه الاتفاقيـة علـى النزاعـات التجارية الناشئة بين أشخاص طبيعيين أو معنويين أيـا كـانـت جنسياتهم، يربطهم تعامل تجاري مع إحدى الدول المتعاقدة أو أحد أشخاصها أو تكـون لهم مقار رئيسية فيها".
وقد أوضحت المادة الثالثة كيفية الخضوع للتحكــم وفقاً لأحكـام الاتفاقية بقولها: "يتم الخضوع للتحكيم بإحدى طريقتين: الأولى: بإدراج شرط التحكيم في العقود المبرمة بين ذوي العلاقة والثانية باتفاق لاحق على نشوء النزاع".
ويتضح من هذه الصياغة أن الاتفاقية بنص هذه المادة تشير - فـي الطريقة الأولى – إلى اتفاق تحكيم "مكتوب"، إذ لا يتصور إدراجه في العقـد الأصلي إلا إذا كان مكتوباً، وفي هذا الفرض يأخذ اتفاق التحكيم صورة شرط التحكيم.
أما الطريقة الثانية وهي الاتفاق اللاحق على نشوء النـزاع، فدلالـة أنه قد يكون شفوياً أو مكتوباً، لاسيما مع تقرير جزاء صـريح علـى تخلف الكتابة، إلا أن استلزام الكتابة بالرغم من ذلك يمكن أن يستخلص مـن المادة ٢/١٦ والتي تنص صراحة على إلزام طالب التحكــم أن يرفـق بطلبه "اتفاق التحكيم" وكافة الوثائق والمستندات المتعلقة بالنزاع، وإلا تعـذر نص قبول طلب التحكيم .
كما نصت الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربيـة لسنة 1980 على القواعد الخاصة بالتحكيم فـي ملحـق التوفيـق والتحكيم، الذي نصت المادة الثانية منه على أنه:
" 1- إذا لم يتفق الطرفان على اللجوء إلى التوفيق أو لـم يـتمكن الموفق من إصدار تقريره في المـدة المحـدة أو لـم يتفـق الأطراف على قبول الحلول المقترحة فيه جاز للطرفين الاتفاق على اللجوء للتحكيم.
٢- تبدأ إجراءات التحكيم عن طريق إخطار يتقدم بـه الراغب في التحكيم إلى الطرف الآخر في المنازعة ويوضـح في هذا الإخطار طبيعة المنازعات والقرار المطلوب صدوره فيها واسم المحكم المعين من قبله ويجب على الطرف الآخـر خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تقديم ذلك الإخطـار أن يخطـر طالب التحكيم باسم المحكم الذي عينه ويختار المحكمان خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تعيين آخرهما حكماً مرجحاً يكون رئيساً لهيئة التحكيم".
ويلاحظ أنه بموجب نظام هذه الاتفاقية يتعين حل المنازعـات التـي تنشأ في إطار هذه الاتفاقية عن طريق التوفيق، ويأتي التحكيم فـي المرتبـة الثانية، ويعد مكنة اختيارية متاحة أمام الأطراف.
وقد تعرضت الفقرة الأولى من المادة الثانية لاتفاق التحكيم، ولم تبين شكل هذا الاتفاق، ومدى اشتراط الكتابة، إلا أن الفقرة الثانية من ذات المـادة صرحت بأن إجراءات التحكيم تبدأ عن طريق إخطار يتضمن بيانات معينة، وهو الأمر الذي يوحي بضرورة كتابة اتفاق التحكيم لإمكانية إعمال أحكـام هذه الاتفاقية.
شكل اتفاق التحكيم في اتفاقية نيويورك بشأن الاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية:
أبرمت اتفاقية نيويورك بشأن الاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها في ١٠ من يونيو ١٩٥٨.
وانضمت إليها مصر بموجب القرار الجمهـوري رقم ١٧١ لسنة 1959 الصادر في ٢ فبراير ١٩٥٩والمنشور في الجريدة الرسمية العدد ٢٩ بتاريخ 14 فبراير 1959.
وقد نصت المادة الثانية من اتفاقية نيويورك على أنه : "1- تلتزم كل دولة متعاقدة بالاعتراف باتفاق التحكيم المكتوب.
٢- يقصد بالاتفاق المكتوب، شرط التحكيم الوارد في عقد أو اتفاق تحكيم وقع عليه الأطراف أو تضمنته خطابات أو برقيات متبادلة بينهم".
وهذا النص يتضمن في فقرته الأولى إلزاماً للدول المتعاقدة بأن تعترف باتفاق التحكيم المكتوب.
ويتضمن في فقرته الثانية بيان مقصوده "باتفاق التحكيم المكتوب".. فبين أن اتفاق التحكيم المكتوب في مفهوم الاتفاقية هو الذي يكتب في عقد أو اتفاق مستقل موقعاً عليه الأطراف. وكذلك الاتفاق الذي تتضمنه الخطابات المتبادلة والبرقيات.
ولم يثر بشأن تفسير الفقرة الثانية خلاف.
وإنما ثار خلاف الفقه بشأن تفسير الفقرة الأولى من المادة الثانية. السابق سردها.
وانحصر الخلاف فيها إذا كانت الكتابة التي تطلبتها الفقرة الأولى من المادة الثانية من الاتفاقية متطلبة لانعقاد اتفاق التحكيم أم لإثباته إلى الآراء التالية:
الرأي الأول:
اتجه رأي في الفقه المصري إلى أن مفاد نص المادة ١/٢ المشار إليها أن الكتابة تعد ركناً أساسياً يجب توافره .
الرأي الثاني:
الفقه وذهب بعض إلى مخالفة الرأي الأول حيث رأى أن القول بأن الكتابة وفقا لاتفاقية نيويورك بشأن الاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية الموقعة بتاريخ ١٠ يونيو ١٩٥٨ تعتبر شرط وجود وليس للإثبات محل شك كبير.
وذلك لما يلي:
أولا: أنه يتعارض مع أبسط قواعد التفسير ويحمل النص أكثر مما يحتمل. ذلك أن النص لم يرتب البطلان أو الانعدام على عدم الكتابة.
ثانياً: أن الاتفاقية قد تطلبت الكتابة لإلزام الدول الأعضاء باتفاق التحكيم، مما يعني أن الدول الأعضاء لا يحق لها أن ترفض إثبات وجود اتفاق التحكيم أو الاعتراف به إذا كان مكتوباً. ولا يمكن تفسير ذلك بأن الاتفاقية تمنع الدول من الاعتراف باتفاق تحكيم غير مكتوب إن هي أرادت ذلك متى كان قانونها يقضي بذلك.
ثالثا: أنه بالنظر إلى نص المادة ١/٢ باللغة الإنجليزية، وقد جاء نصها :
The contracting state shall recognize an agreement in writing
تبین استخدام اصطلاح "تعترف".. وهذا الاصطلاح يعني الإقرار باتفاق التحكيم المكتوب، ولا يعني بحال من الأحوال أن الاتفاق غير المعترف به غیر موجود، بل هو اتفاق موجود وتملك الدول الاعتراف به إذا أرادت ولكنها لا تلزم بمثل هذا الاعتراف.
ويرى الباحث
أن نص المادة ١/٢ من اتفاقية نيويورك لم يتضمن تكييفاً للكتابة في اتفاق التحكيم
لا على أنها شرط انعقاد ولا على أنها شرط إثبات، بل لم تكن "الكتابة في اتفاق التحكيم" هي المحل الذي ورد عليه حكم النص أصلاً.
فالحكم الذي أورده هذا النص هو "إلزام الدول المتعاقدة بالاعتراف بالاتفاق المكتوب" ودلالة مفهوم المخالفة لذلك "حق الدول المتعاقدة في عدم الاعتراف باتفاق التحكيم غير المكتوب"
فإذا لم تستخدم دولة من الدول المتعاقدة هذا الحق واعترفت باتفاق التحكيم غير المكتوب فلها ذلك.
وإذا أرادت دولة متعاقدة أن تستخدم هذا الحق في عدم الاعتراف باتفاق التحكيم غير المكتوب فلا تثريب عليها في تكييف "الكتابة" من بعد ذلك بأنها شرط انعقاد، أو شرط إثبات، أو غيره؛ و وفقاً لنظامها القانوني ما دام ذلك على كل حال يؤدي بها إلى استخدام حقها في ألا تعترف بالاتفاق غير المكتوب.
ذلك أن استعمال الدولة حقها في الاعتراف بالاتفاق غير المكتوب مؤداه حقها في ألا تعمل له أثراً.
وحين عين القانون المصري جزاءاً لتخلف الكتابة عن اتفاق التحكيم وهو البطلان لم يتجاوز به ذلك.