اتفاق التحكيم / الشرط الشكلى - الكتابة / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / القانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم / شکل اتفاق التحكيم في القانون المصري والاتفاقيات الدولية
المرحلة الأولى: كانت في ظل قانون المرافعات رقم 13 لسنة 1968 حيث كانت تنص مادته رقم 501 على أنه: "لايثبت التحكيم إلا بالكتابة" وهو ما يفيد أن الكتابة وفقاً لذلك كانت للإثبات.
ولم تكن ركناً في الاتفاق ومن ثم فإن اتفاق التحكيم كان وفقاً لأحكام التحكيم الملغاة الواردة في قانون المرافعات عقداً رضائياً يكفي تراضي أطرافه للقول بانعقاده.
المرحلة الثانية: بعد صدور قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤، والذي ألغت المادة الثالثة من مواد إصداره المواد من 501 إلى 513 من القانون رقم 13 لسنة 1968 وأصبحت أحكام قانون التحكيم هي النافذة بعد شهر من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية طبقاً للمادة الرابعة من مواد إصداره.
وتناول قانون التحكيم المصري بيان أحكام شكل اتفاق التحكيم في المادة ١٢ منه، والتي نصت على أنه: "يجب أن يكون اتفاق التحكيم مكتوباً وإلا كان باطلاً، ويكون اتفاق التحكيم مكتوباً إذا تضمنه محرر وقعه الطرفان أو إذا تضمنه ما تبادله الطرفان من رسائل أو برقيات أو غيرها من وسائل الاتصال المكتوبة".
وبموجب هذا النص أصبحت الكتابة شرطا لانعقاد اتفاق التحكيم ومن ثم أصبح اتفاق التحكيم من العقود الشكلية التي لا تتم بمجرد تراضي الطرفين، بل يجب لقيامها اتباع هذا الشكل الذي فرضه القانون، وهو أن يكون الاتفاق مكتوباً.. فإذا لم يكن الاتفاق مكتوباً كان باطلاً.
وبذلك يكون المشرع المصري قد عدل عن موقفه، فبعد أن كانت الكتابة مقررة للإثبات في اتفاق التحكيم قبل صدور قانون التحكيم المصري وتفاذه، أصبحت شرطاً لانعقاد اتفاق التحكيم بعد نفاذ قانون التحكيم رقم ۲۷ لسنة ١٩٩٤.
على أن تطلب الكتابة كشرط لانعقاد اتفاق التحكيم لا يكون إلا بالنسبة للاتفاق على التحكيم الذي يبرم بعد نفاذ هذا القانون، أما الاتفاق الذي أبرم قبل نفاذه فإنه يظل خاضعاً لما كان عليه حكم المادة 501 مرافعات من كون الكتابة مقررة فيه للإثبات، وذلك بالرغم من خضوع بقية مسائل التحكيم للقانون الجديد؛ وفقاً لنص المادة الأولى من مواد إصداره.
وبالرغم من أن قانون التحكيم المصري يكون بذلك قد جاء بحكم أكثر شددا من سابقه فيما يخص شكل اتفاق التحكيم فإن هذا التشدد في اعتبار الكتابة شرطاً لانعقاد الاتفاق تبعه تيسير كبير في كيفية تحقق هذا الشرط..
وذلك من ناحيتين:
الناحية الثانية : أن المشرع المصري قد انتهج منهج المرونة في كيفية تحقق شكلية الكتابة.. فلم يشترط أن يتم إفراغ اتفاق التحكيم في محرر واحد موقع عليه من الطرفين، وهو ما يقتضى وحدة مجلس العقد، ولكنه عد اتفاق التحكيم مكتوباً، إذا تضمنه محرر وقعه الطرفان، أو إذا تضمنه ما تبادله الطرفان من رسائل أو برقيات أو غيرها من وسائل الاتصال المكتوبة.
وقد أثارت هذه المسألة الخلاف بين شركة من بنما وشـركة هنديـة تمت المراسلات فيما بينهما بطريق التلكس، إذ عرضت الشركة الأولـى أن تبيع للشركة الثانية كمية من وقود الطائرات بسعر محـدد مقابـل إرسـال مستندات الشحن إلى أحد البنوك لفتح اعتماد مستندي غير قابل للإلغاء، وقـد رد المشتري على البائع بتلكس انتهى بعبارة أن الصفقة تمت الآن نهائياً. إلا أن كلمة now نقلت خطأ بالتلكس:كيف how مما يمكن فهمها: كيف تمـت الصفقة نهائياً. وفعلاً تراخي المشتري عن فتح الاعتماد المستندي، ممـا أدى إلى إثارة نزاع عرض على محكم في إطار غرفة التجارة الدولية، وتمـسـك المشتري بعدم وجود عقد بيع بين الطرفين بل مجرد تخيير بالشراء.
ويلاحظ أنه يجب أن يتم تبادل الإرادتين بصورة مكتوبة، فلا يكفي إيجاب من أحد الطرفين دون أن يقابله قبول من الطرف الآخر وهو ما عناء المشرع بلفظ "التبادل".
كما يشترط أن يرد التبادل على وثائق مكتوبة، فلا يكفي أن يصدر من أحد الطرفين إيجاب مكتوب، سواء كان في رسالة أو برقية أو غيرها، ويقتصر من وجه إليه الإيجاب على عدم الرد، حتى ولو كان الأول قد حدد ميعاداً للرد عليه.
ولا يقوم مقام الكتابة حضور الطرفين أمام المحكم.
كما أن القول بعدم اشتراط التوقيع لانعقاد الاتفاق يتفق مع أن الشكلية استثناء فلا يتوسع فيه، ولا يخل ذلك بأهمية التوقيع في الإثبات عند إنكار الاتفاق. لأن إثبات الاتفاق يختلف عن انعقاده.
وقد فتح المشرع بعبارة "أو غيرها من وسائل الاتصال المكتوبة" الباب أمام الاعتداد بأي وسيلة مكتوبة سواء كانت كتابة مادية أو الكترونية.
وهو بذلك يساير التطور الذي طرأ على وسائل الاتصال، وكذا المتوقع مستقبلاً، وهو ما يتوافق مع متطلبات التجارة الدولية.
إلا أنه يستثنى من ذلك ما تنص عليه المادة 4/٧٥٠ من القانون المدني التي تقرر بطلان شرط التحكيم الوارد ضمن الشروط العامة المطبوعة في وثيقة التأمين إذ يجب أن يرد في صورة اتفاق خاص منفصل عن الشروط العامة.
ويرى الباحث أن هذا الاستثناء يسري فقط على التحكيم الوطني. لأنه وإن كان نص المادة 4/750 من القانون المدني قد أوردت شكلاً خاصاً بشأن "اتفاق التحكيم" في عقد التأمين، وهو ضرورة أن يكون اتفاق التحكيم منفصلا عن الشروط العامة وإلا كان باطلاً.
وذلك لا يتعارض مع نص المادة ١٢ من قانون التحكيم، التي وإن نصت على الشكل الواجب توافره في اتفاق التحكيم عموماً، إلا أنها لا تتضمن ما يمنع نصاً خاصاً من تقرير شكلية في الاتفاق تزيد على ما نصت عليه. وذلك هو ما يبرر إعمال نص المادة 4/750 من القانون المدني على اتفاق التحكيم الوطني.
وفي ذلك قضي بأنه:
"إذا كان شرط التحكيم في العقد ينص على سريانه على كل المنازعات التي تنشأ عن تفسير العقد أو تنفيذه، فإن المنازعات التي تتعلق بالإخلال بتنفيذ العقد وبالتزامات أحد المتعاقدين تدخل في نطاق شرط التحكيم - الدفع ببطلان شرط التحكيم الذي يرد في وثيقة التحكيم بين شروطها العامة تأسيساً على المادة 4/750 من القانون المدني دفع كان قد قرره القانون لصالح المؤمن له أو المستفيد، ومن ثم فلا يقبل هذا الدفع من المؤمن".
أما بشأن اتفاق التحكيم الدولي فإن ما يمنع إعمال نص المادة 4/750 مدني عليه هو نص المادة ٢ من اتفاقية نيويورك بشأن الاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية الموقعة بتاريخ 10 يونيو ١٩٥٨، حيث نصت المادة الثانية منها على أن "تلتزم كل دولة متعاقدة بالاعتراف باتفاق التحكيم المكتوب".
ومن ثم فإنها تلزم الدول الموقعة على الاتفاقية بأن تعترف باتفاق التحكيم المكتوب وفق مفهوم الكتابة الوارد في ذات المادة.
ولما كانت أحكام الاتفاقيات الدولية هي الأولى بالتطبيق لدى تعارضها مع أحكام قانون التحكيم، وهو ما نصت عليه المادة الأولى منه بقولها: "مع عدم الإخلال بأحكام الاتفاقيات الدولية المعمول بها في جمهورية مصر العربية".
وكذلك ما ورد بتقرير اللجنة المشتركة من لجنة الشئون الدستورية والتشريعية ومكتب لجنة الشئون الاقتصادية بمجلس الشعب عن مشروع قانون التحكيم من قوله: "وعدلت المادة الأولى على نحو وسع من نطاق تطبيق أحكام المشروع فبعد أن رجحت أحكام الاتفاقيات المعمول بها في مصر نظمت سريان أحكام المشروع على كل تحكيم يجري في مصر".
الأمر الذي يتبين معه وجوب إعمال نص اتفاقية نيويورك المشار إليه بالاعتراف باتفاق التحكيم الدولي الخاص بعقد التأمين وإن ورد في وثيقة التأمين.
وتعطيل حكم المادة 4/750 مدني في هذا الشأن فيما يتعلق باتفاق التحكيم الدولي.