عادة ما يخضع شكل العقد لقانون محل الإبرام، بينما يخضع العقد لقانون الإرادة، ونجد أن المشرع المصري في القانون المدني قد أخضع شكل العقد لمحل الإبرام إلا أنه عاد ونص في المادة (20) من القانون المدني على أن: "العقود بين الأحياء تخضع في شكلها لقانون البلد الذي تمت فيه. ويجوز أيضاً أن تخضع في شكلها للقانون الذي يسري على أحكامها الموضوعية، كما يجوز أن تخضع لقانون موطن المتعاقدين أو قانونهما الوطني المشترك".
فعقد التحكيم كباقي العقود الرضائية اعتبرته بعض التشريعات من العقود الشكلية بمعنى أنه لا يتم بمجرد تراضي الأطراف على انعقاده، بل يجب أن يتم في شكل يتطلبه القانون، ويتطلب الشكل في اتفاق التحكيم .
أولا : الكتابة
فقد كان المشرع المصري وفقًا لقانون المرافعات، يستلزم كتابة التحكيم كشرط لإثباته. فالمادة (501) الملغاة من قانون المرافعات، كانت تقتضي بأنه لا يثبت التحكيم إلا بالكتابة فعدل المشرع عن موقفه، ونص في المادة (12) من قانون التحكيم الجديد على أنه: "يجب أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبا وإلا كان باطلاً، ويكون اتفاق التحكيم مكتوباً إذا تضمنه محرر وقعه الطرفان أو إذا تضمنه ما تبادله الطرفان من رسائل أو برقيات أو غيرها من وسائل الاتصال المكتوبة .
هذا ونجد أن اتفاقية نيويورك بشأن الاعتراف وتنفيذ الأحكام الأجنبية قد تطلبت الكتابة كشرط لصحة اتفاق التحكيم، حيث نصت في المادة الثانية منها على أنه تعترف كل دولة متعاقدة بالاتفاق المكتوب الذي يستلزم بمقتضاه الأطراف، بأن يخضعوا للتحكيم كل أو بعض المنازعات الناشئة أو التي قد تنشأ بينهم بشأن موضوع من روابط القانون التعاقدية أو غير التعاقدية ويمكن أن تتحقق الكتابة بكافة الوسائل، فمثلاً يكون اتفاق التحكيم مكتوبا إذا تم توقيع الأطراف على محرر أو من خلال الرسائل المتبادلة بين الأطراف أو من خلال البرقيات المتبادلة أو غيرها من وسائل الاتصال المكتوبة ( المادة 12 من قانون التحكيم المصري) .
وتجدر الإشارة إلى أن التوقيع على اتفاق التحكيم يكفي دون حاجة إلى التوقيع إلى جانب بند التحكيم إذا ورد كشرط مستقل في عقد، كما أنه لا يشترط ذلك بالنسبة للإحالة للعقود النموذجية أو الاتفاقيات الدولية التي تتضمن شروطاً عامة من بينها شرط التحكيم، كانت الإحالة واضحة على اعتبار هذا الشرط جزءاً من العقد .
فقد نصت المادة (10/ب) من قانون التحكيم الأردني على أنه يعد في حكم الاتفاق المكتوب كل إحالة في العقد إلى أحكام عقد نموذجي أو اتفاقية دولية أو أي وثيقة أخرى لتتضمن شرط تحكيم إذا كانت الإحالة واضحة في اعتبار هذا الشرط جزءاً من العقد .
هذا وقد أقرت محكمة التمييز الأردنية العديد من القرارات في شأن شرط التحكيم، فقد قضت بأنه تعتبر الشركة المميزة فريقا في العقد الذي تضمن شرط التحكيم، ولو لم توقعه، إذا وافق وكيلها على الإنذار الموجه إليها لتعين محكم تنفيذاً للعقد، وعين محكماً عن الشركة مما يتضح بأنها فريق في العقد الذي لم توقعه وملزمة به، ولا يجوز لها التدخل مما صدر عنها.
وكذلك في قرار آخر حيث قضت بأن التحكيم طريق استثنائي لفض المنازعات، ويقتصر على ما انصرفت إليه إرادة طرفي التحكيم، وعلى المحكمة أن لا تتوسع في تفسير العقد المتضمن شرط التحكيم لتحديد المنازعات الخاضعة للتحكيم.
ومن القوانين والأنظمة الوطنية ما يستشف منها أن الاتفاق على التحكيم يجب أن يكون مكتوباً رغم عدم النص على ذلك كنظام التحكيم السعودي حيث نصت المادة الخامسة منه على أنه يودع أطراف النزاع وثيقة التحكيم لدى الجهة المختصة أصلاً بنظر النزاع ويجب أن تكون هذه الوثيقة موقعة من الخصوم أو من وكلائهم الرسميين المفوضين...
هذا وقد أخضع المشرع الفرنسي شرط اتفاق التحكيم الالتزامين وإلا كان واجب البطلان المادة 1443 من قانون المرافعات الفرنسي)، وهما :
الأول: يجب أن يكون مشروطا بطريق الكتابة في الاتفاقية الأساسية أو في وثيقة أخرى تحيل إليها الاتفاقية الأساسية (الشروط العامة للبيع والشراء العقد النموذجي، قواعد وأعراف التجارة...)
الثاني: يجب أن يعين واحدًا أو أكثر من المحكمين، أو ينص على طرق تعيينهم " أما القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي، فقد نص على الكتابة في الفقرة الثانية من المادة السابعة منه، حيث نصت على أنه: "يجب أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبا .. ويعتبر الاتفاق مكتوباً إذا ورد في وثيقة موقعة من الطرفين أو في تبادل رسائل أو تلكسات أو برقيات أو غيرها في وسائل الاتصال.....
ثانياً : تعيين موضوع النزاع.
لقد اشترط قانون التحكيم المصري وكذلك الأردني، تحديد موضوع النزاع إذا تم اتفاق التحكيم بعد قيام النزاع حتى لو أقيمت في شأنه دعوى أمام القضاء ويشترط في هذه الحالة أن يحدد موضوع النزاع والمسائل التي سوف تحال إلى التحكيم، وإلا كان هذا الاتفاق باطلاً، هذا ما نصت عليه المادة (2/10) من قانون التحكيم المصري، والمادة (11) من قانون التحكيم الأردني.
يجوز أن يكون اتفاق التحكيم سابقا على قيام النزاع سواء أقام مستقلاً بذاته أم ورد في عقد معين بشأن كل أو بعض المنازعات التي قد تنشأ بين الطرفين وفي هذه الحالة يجب أن يحدد موضوع النزاع في بيان الدعوى المشار إليها في الفقرة الأولى من المادة (30) من هذا القانون، كما يجوز أن يتم اتفاق التحكيم بعد قيام النزاع ولو كانت قد أقيمت في شأنه دعوى أمام جهة قضائية، وفي هذه الحالة يجب أن يحدد الاتفاق المسائل التي يشملها التحكيم وإلا كان الاتفاق باطلاً.
وهذا أمر منطقي بالنسبة لمشارطة التحكيم، حيث إن تحرير المشارطة يأتي بعد قيام النزاع، ومن المفروض أن يتم تعيين الموضوع حتى يتسنى للمحكمين بسط رقابتهم على موضوع النزاع وتحديد مسؤوليتهم.
وتطبيقاً لذلك فقد أقرت محكمة التمييز الأردنية في قرار لها إنه للمحكمة الصلاحية في بسط رقابتها على تطبيق مشارطة التحكيم والقانون .
اللجوء إلى التحكيم طريق استثنائي لفض المنازعات، ويستمد المحكمون سلطتهم في بحث النزاع من اتفاق التحكيم الذي يجب أن يحرر به صك يحدد المنازعات المتفق على حسمها.
ونظام التحكيم السعودي كغيره من أنظمة التحكيم قد أكد على تحديد موضوع النزاع سواء ورد في شرط ام مشارطة، حيث نص في المادة الخامسة منه على أنه : ... ويجب أن تكون هذه الوثيقة موقعة ... وأن يبين بها موضوع النزاع ....
وجاء في المادة السادسة في لائحته التنفيذية أنه "يتم تعيين المحكم أو المحكمين باتفاق المحتكمين في وثيقة تحكيم يحدد فيها موضوع النزاع تحديدا كافيا ...... أما بالنسبة للصيغة التي يمكن أن يرد فيها شرط أو مشارطة التحكيم، فليس هناك صيغة معينة أو صيغة محددة، وإنما يجب أن تكون واضحة ومحددة بحيث لا تثير أي ليس أو تفسيرات مختلفة لدى المحكمين أو حتى لدى الأطراف المتنازعة.
هذا وقد أوردت بعض القواعد التحكيمية الدولية أمثلة على صيغ شرط التحكيم لكي تمكن الأطراف من الاطلاع عليها عند صياغتهم للشرط.
ومن الأمثلة ما جاء في قواعد التحكيم التي وصفتها اليونسترال، حيث جاء في هامش المادة الأولى النموذج التالي لصياغة شرط التحكيم:
كل نزاع أو خلاف أو مطالبة تنشأ عن هذا العقد أو تتعلق به، أو بمخالفة أحكامه، أو فسخه، أو بطلانه، يسوى بطريق التحكيم وفقاً لقواعد التحكيم التي وضعتها لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي كما هي سارية المفعول حالياً".