الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اتفاق التحكيم / الشرط الشكلى - الكتابة / الكتب / الإستوبل في قانون التحكيم /  حكم الكتابة المستخدمة في ابرام اتفاق التحكيم

  • الاسم

    د. سامي منصور
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    317

التفاصيل طباعة نسخ

 حكم الكتابة المستخدمة في ابرام اتفاق التحكيم : -

ترجع صعوبة هذه المسألة إلى عدم وجود مرجعية قانونية يمكن الاستناد إليها لإسباغ القيمة القانونية على المستندات الإلكترونية التي تستخدم في إبرام اتفاق التحكيم ، ويرجع ذلك بدوره إلى أن الرسائل الإلكترونية لم يكن معترفا بها قانونا وقت من القوانين والاتفاقيات المنظمة للتحكيم.

فجاءت هذه القوانين والاتفاقيات خالية من مواجهة الغرض الذي يبرم فيه اتفاق التحكيم بصورة إلكترونية ، وهو ما فتح الباب للخلاف في الرأي.

وإزاء المشاكل الناتجة عن عدم مواكبة التطور القانوني للتطور التكنولوجي ، فقد عملت المؤسسات المعنية بالتحكيم وعلى مستوي محاكم الدول لتطويع أو تفسير اشتراط الشكل الكتابي لاتفاق التحكيم ، بحيث ينطوي تحته استخدام وسائل الاتصال الإلكترونية في إبرام الاتفاق على التحكيم ومن ثم عاملت الكتابة الإلكترونية في الاتفاق على التحكيم معاملة الكتابية الخطية.

وفيما يلي عرض لبعض الآراء الفقهية والقضائية والأعمال الدولية القائلة بتوسيع مفهوم الكتابة وتطويعها لتشمل الكتابة الإلكترونية.

 ١- الاتجاه الفقهي في المساواة بين الكتابة الإلكترونية والكتابة اليدوية لاتفاق التحكيم ذهب بعض الفقه إلى أنه رغم اختلاف تقنية الكتابة الإلكترونية عن اليدوية ، فان هذه الاختلافات غير ذات أثر على الشرط الشكلي المطلوب لإبرام اتفاق التحكيم. حيث أنه في كلتا الحالتين - الإلكترونية والعادية - يتم تبادل المعلومات والبيانات، ومن ثم يمكن الاعتماد عليها في الإثبات ؛ إذ أن تبادل رسائل البريد الإلكتروني - متضمنا اتفاق التحكيم يستوفي الشرط الشكلي قياسا على البرقيات التي ورد النص صراحة في معظم القوانين المقارنة على تحقق الشرط الكتابي بموجبها . كذلك فإنه لا يوجد ما يمنع من قياس تلك الرسائل على رسائل  التلكس والفاكس التي تعد لدى المحاكم والفقه ملبية نشرط الكتابي فاق التحكيم فهذه وسائل اتصال لا يوجد اختلاف تقني مؤثر بين طرق تشغيلها ، وهي جميعة توفر تسجيلا أو تدوينة للرسالة التي تنتقل عبرها من طرف إلى أخر مما يجعلها مقبولة في الإثبات . وينتهي هذا الرأي إلي قبول رسائل البريد الإلكتروني في الإثبات ، حين تستوفي شروط سلامتها ونسبتها إلى صاحبها ، ومن ثم يتم قبولها كوسيلة لإبرام اتفاق التحكيم.

فضلا عن ذلك ، إذا ورد شرط التحكيم في عقد أبرم إلكترونيا بين طرفين، كعقد بيع مثلا ، وأدرج في العقد شرط يحيل إلى وثيقة مكتوبة تتضمن بند تحكيم ، فهل من المتصور أن يكون هناك اعتراف قانوني بهذا العقد بأكمله باستثناء الشرط المتعلق بالتحكيم ؟ إنه أمر يصعب تصوره ، ولاسيما أن فكرة استقلال شرط التحكيم عن العقد الذي نشبت عنه المنازعة يظهر في حالات فسخ العقد أو بطلانه إذا كان هذا الشرط أحد بنوده ، وليس في حالة الاعتراف بتوافر الشكل الكتابي في جزء من العقد دون آخر.

وهكذا فإن هذا الرأي من الفقه يرمي إلى إلغاء الفروق بين الكتابة البدوية والكتابة الإلكترونية تمهيدا للاعتراف بهذه الأخيرة ، كأداة مقبولة لتبادل الإرادات اللازمة لتكوين اتفاق التحكيم ، بحيث تعد الوسائل الإلكترونية من أدلة الإثبات، ولا شك أن مثل هذه الاجتهادات سوف يكون لها مردود كبير علي ازدهار معاملات التجارة الإلكترونية بما يوفره لأطرافها من آلية لحل منازعاتهم ، تبدو هي الأنسب من غيرها لحل مثل هذه المنازعات.

ومع ذلك فقد ذهب رأي أخر في الفقه إلي أن المساواة الكاملة بين الكتابة الإلكترونية والكتابة اليدوية لاتفاق التحكيم هي أمر غير مقبول في نص المادة العاشرة من قانون التحكيم المصري رقم ۲۷ لسنة 1994. الذي يعتبر اتفاق التحكيم مكتوبة إذا تضمنه محرر وقعه الطرفان ، أو إذا تضمنه ما تبادله الطرفان.

٢- الاتجاه التشريعي في المساواة بين الكتابة الإلكترونية والكتابة اليدوية لاتفاق التحكيم :

في ظل التطور الحاصل في وسائل الاتصال الحديثة ، شرعت الكثير من الدول في تعديل نصوص قوانين الإثبات فيها ، أو سن قوانين جديدة للاستفادة من تقنيات التجارة الإلكترونية. وتوسيع مفهومها عن الكتابة لتشمل الوسائل التقنية الحديثة. وفيما يلي عرض لبعض من تلك التشريعات .

 ١- التشريع المصري : إذا كان قانون التحكيم المصري رقم ۲۷ لسنة 1994 لم يتعرض صراحة الحالة اتفاق التحكيم المبرم إلكترونية ، إلا أن قانون التوقيع الإلكتروني قد حسم هذا الأمر واعترف بحجية المحررات الإلكترونية ، وأجاز الاستناد إليها في الإثبات.

حيث نصت المادة 15 من قانون التوقيع الإلكتروني المصري رقم 15 لسنة ۲۰۰۶ ( للكتابة الإلكترونية والمحررات الإلكترونية في نطاق المعاملات المدنية والتجارية والإدارية ، ذات الحجية المقررة للكتابة والمحررات الرسمية والعرفية في أحكام قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية ، متي استوفت الشروط المنصوص عليها في هذا القانون وفقا للضوابط الفنية والتقنية التي تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون).

كما نصت المادة 17 من ذات القانون على أن ( تسري في شأن إثبات صحة المحررات الإلكترونية الرسمية والعرفية والتوقيع الإلكتروني والكتابه الإلكترونية ، فيما لم يرد بشأنه نص في هذا القانون أو في لائحته التنفيذية الأحكام المنصوص عليها في قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية ).

وفي ضوء هذين النصين ، يصبح من الصعب القول بأن المشرع المصري قد فرق بين الكتابة الإلكترونية والكتابة اليدوية فيما يتعلق بحجية كل منهما في حالة استيفائهما الشروط المنصوص عليها قانونا. ويمكن معه القول بأن اتفاق التحكيم المبرم بشكل إلكتروني هو اتفاق صحيح ومنتج لآثاره وله حجيته في الإثبات في مواجهة الطرفين وفقا للقانون المصري. ۔ 

٢- التشريع الفرنسي:

أحدث المشرع الفرنسي تعديلا جذرية في الأفكار التقليدية التي كانت تقوم عليها قواعد الإثبات في القانون المدني الفرنسي ، وقد تم هذا التعديل في النصوص المتعلقة بالأدلة الكتابية ليدخل في نطاق هذه الأدلة المحررات الإلكترونية ، ويحدد شروط اعتبارها دليلا كاملا في الإثبات.

فعند تأمل قواعد الإثبات في القانون الفرنسي ، يتبين أن المشرع الفرنسي قد نص علي الإثبات بالكتابة كقاعدة عامة في المادة ۱۳۶۱ ، ثم نص علي استثناءات معينة من هذا المبدأ في المواد ۱۳۶۷ ، ۱۳۶۸ ، ۱۳۶۹ وتحت ضغط التطور السريع لوسائل الاتصال ، أحدث المشرع الفرنسي تعديلات مهمة علي القانون المدني بموجب القانون رقم ۲۳۰ لسنة ۲۰۰۰ الصادر بتاريخ ۲۰۰۰/۳/۱٤. حيث عدل المادة ۱۳۱6 فقرة أولي من القانون المدني الفرنسي لتصبح ( الوثيقة الإلكترونية لها نفس الحجية التي تتوفر عليها الوثيقة الخطية بشرط أن تكون لها القدرة على تحديد الشخص الصادرة عنه......) وقررت الفقرة الثانية من المادة ۱۳۱۹ ( عندما لا ينص القانون على مبادئ أخرى ، وفي حالة عدم وجود اتفاق صحيح بين الأطراف ، فإن القاضي يحل جميع النزاعات المتعلقة بالإثبات بالكتابة بجميع الوسائل القريبة الاحتمال مهما كانت دعامتها.

٣- اتجاه الاتفاقيات الدولية نحو المساواة بين الكتابة الإلكترونية والكتابة اليدوية لاتفاق التحكيم : 

١- القانون النموذجي للتجارة الإلكترونية :

عمدت لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي ( اليونسترال ) إلى إعداد مجموعة من المبادئ القانونية التي تحكم التبادل بواسطة تقنيات التجارة الإلكترونية لتتخذها الدول مثالا لتعديل المتطلبات القانونية الراهنة مع إزالة العقبات المترتبة عليها التي تحول دون استخدام وسائل غير ورقية للاتصال وتخزين المعلومات.

وقد أولت لجنة الأمم المتحدة عناية خاصة بالمسائل التي تظهر فيها العقبات لارتباطها باشتراطات قانونية تتطلب استخدام المستندات المكتوبة أو الموقعة سواء فيما يتعلق بتكوين العقد وصحته ، أو فيما يتصل بإثباته.

وقد عكفت اللجنة المذكورة على دراسة طرق إزالة العقبات القانونية التي تحول دون الاستفادة من وسائل الاتصال الحديثة ، ولذلك أوصت الحكومات من

خلال توصية عام 1985 بما يلى :

أ- إعادة النظر في القواعد القانونية التي تعوق استخدام سجلات الحواسب الآلية

كأدلة في الدعوى القضائية.

 ب- توفير الوسائل الملائمة لتمكين المحاكم من تقييم مصداقية البيانات الواردة في تلك السجلات.

ج- إعادة النظر في المتطلبات القانونية الراهنة للمعاملات التجارية فيما يتعلق

باشتراط الكتابة ، بحيث يسمح عند الاقتضاء بأن تكون مستندات المعاملات

التجارية مسجلة ومنقولة في شكل مقروء عبر وسائل غير ورقية.

 د- إعادة النظر في المتطلبات القانونية فيما يتعلق باشتراط أن تكون المستندات ذات الصلة مرفقة بتوقيع خط اليد أو تغيير ذلك من وسائل التوثيق الورقية،بحيث يسمح عند الاقتضاء باستخدام وسائل التوثيق الإلكتروني كأدلة إثبات.

ه- إعادة النظر في المتطلبات القانونية الراهنة فيما يتعلق باشتراط أن تكون

المستندات التي تقدم إلي أجهزة الدولة مكتوبة وموقعة بخط اليد ، بحيث يسمح بتقديم البديل غير الورقي في صيغة مقروءة معالجة آلية على أجهزة الحاسب الآلي أو الأسطوانات المرنة ، وفي نفس الوقت تزويد الدوائر الإدارية بالمعدات اللازمة وتطوير قواعد الإجراءات المتبعة في قبول البيانات المعالجة آلية ".

وقد أصدرت اللجنة القانون النموذجي للتجارة الإلكترونية مصحوبا بدلیل التشريع بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم ۱۹۲/۰۱في ۱۹۹۹/۱۲/16.  ٣- القانون النموذجي الذي وضعته لجنة الأمم المتحدة ( اليونسترال):

بحث الفريق العامل المعني بالتحكيم في لجنة التونسترال المسائل المرتبطة باشتراط الشكل الكتابي لاتفاق التحكيم مستهدفة تقديم أفضل الإرشادات بشأن تفسیر النصوص التي تفرض هذا الشرط على نحو يحقق تفسيرا موحدا يستجيب .

 رأى الباحث:

من كل ما سبق ، يتضح لنا أن التشريعات الوطنية المقارنة والاتفاقيات الدولية قد ماثلت بين التحكيم الإلكتروني والتحكيم اليدوي ، وجعلت اتفاق التحكيم المبرم إلكترونية اتفاقأ صحيحة من الناحية القانونية ، ويترتب عليه ذات الآثار التي يرتبها اتفاق التحكيم المكتوب يدوية. ما دامت الدعامة المدونة عليه قد استوفت الشروط القانونية السابق الإشارة إليها ، إلا أنه قد لوحظ أن إبرام اتفاق التحكيم بصورة إلكترونية قد صاحبه الكثير من المشاكل ذات الطبيعة الفنية ، وهي ناتجة عن مخاطر التكنولوجيا ، كما لو أبرم اتفاق التحكيم في شريحة إلكترونية ثم أصابها عطل أو تلف للمعلومات التي بداخلها الخاصة بسير عملية التحكيم ، أو كان هناك خطأ فني أثناء إبرام اتفاق التحكيم حال دون استرجاع الاتفاق في وقت لاحق ، أو استخدمت أجهزة غير ملائمة في حفظ اتفاق التحكيم ، وعلاوة على ذلك فإن إمكانية انتهاك سرية اتفاق التحكيم يجعل من الصعب التحقق من تزوير المستند الذي يحتوي علي الاتفاق . وهذه المشاكل لا تهدد فقط مجال التحكيم الإلكتروني ، بل إن خطرها يمتد إلى كافة مجالات التجارة الإلكترونية. ولذا يجب على الدول والمنظمات الدولية المعنية بالتحكيم بذل مزيد من الجهود للقضاء على هذه المشاكل ، ووضع إطار قانوني شامل يتحقق به الاعتراف والتنظيم لهذا النوع الحديث من التحكيم.